صباح بشير: عن رواية “عزف هادئ على أوتار الحبّ”
تاريخ النشر: 15/05/22 | 9:50أهدتني مشكورة الصديقة الكاتبة د. كلارا سروجي شجراوي روايتها الجديدة “عزف هادئ على أوتار الحبّ” التي صدرت مؤخرا عن مكتبة كل شيء في حيفا(2022م) وتقع في مئة وخمسين صفحة، افتتحتها شجراوي بالإهداء إلى زوجها وولدها فكتبت:
“إلى أحلامي الجميلة عن الإنسانية علّها تزهر وتثمر، لكما حبي، إبراهيم ويوسف، يا أحلى ما في وجودي.”
تدور أحداث الرواية حول الشاب يوسف الذي كان مُلقًى في الشارع بين الجموع الغفيرة، أمسك به شابان قويّان لسحبه إلى حافة الرصيف، فرفسهما بقدميه منتفضا صارخا: أتركوني، فظنّه البعض مخدّرا حين رأوه مستلقيا على ظهره مغمضًا عينيه، وفجأة تراءت ابتسامة بلهاء على وجهه حين اقتربت منه نادية ولامست أناملها جبهته، وجدتها تتقد حرارة.
كانت تسير مسرعة إلى العمل حين رأته ممدّا في الشارع، فاتصلت بالشرطة والإسعاف، وانطلقت إلى عملها بعد أن أخذت معلوماته وصورة بطاقته من جهازه النقّال.
كان ينزف بشدة، ضغطه منخفض ونبضات قلبه بطيئة جدا، وقد غاب عن الوعي بعد أن ضربه مجموعة من الأشخاص، فتمزقت ثيابه وتورمت عيناه، وتلطّخ شعره وجسده بالتراب، وغطّت الكدمات وعلامات اللكمات وجهه وصدره وظهره.
كانت نادية تعمل سكرتيرة في قسم جراحة القلب في أحد المستشفيات، وتتولى طباعة ملفات المرضى وحفظها، أما يوسف فقد غادر البلاد إلى بوسطن، باحثا عن مدينة، تمنحه حياة جديدة عادلة، وفرصة عمل ترفع من شأنه، وأثناء سفره رافقته وصية والده وعبارته: “أريد أن أفاخر بك الجيران والأقارب قائلا للجميع: هذا الأمير يوسف، قد عاد إلينا، فاستقبلوه بالمزامير والأغاني”.
بعد عشر سنوات من الغياب عاد إلى البلاد مجددا، كان والداه قد توفيا فعاد بشوقه باحثا عن حبيبته شهد، التي انقطعت أخبارها ورسائلها منذ ست سنوات.
بعد وصوله إلى المستشفى وجد نفسه مربوطا إلى السرير منعزلا داخل غرفة بيضاء، كان باب الغرفة يفتح ويغلق في أوقات محددة، بالكاد تذَكَّر اسمه وتخيل تلك الفتاة الرقيقة، التي كانت تنظر إليه وتلامس جبينه في الشارع.
عادت إليه نادية وظلّت تواظب على زيارته، وواصل هو هلوساته وعلاجه لأشهر، كانت تستمع إليه بإصغاء شديد، وهو يروي لها حكاياته، فتدوّنها وتضيف عليها، ثم جعلتها تحضر في كتاب شهير، تم بيعه في المكتبات والأكشاك دون علمه وأخذ رأيه.
نادية هي ابنة لأب فلسطيني من مدينة حيفا وأم روسية، جمعهما الحب والإيمان بمبادئ الحزب الشيوعي، اللذان كانا ينتميان إليه، كان بيتهما عامرا بالنقاشات والجدال، حافلا بصور ماركس وإنجلز ولينين.
لم تعرف نادية لأي ديانة ينتمي والداها، كانت تتلقى التوبيخ والعقاب حين تُسأل عن ديانتها في المدرسة فترد: إن ديانة والديّ هي الشيوعية! ثم قررت أن لا تقلّد والديها وأن يكون طريقها مختلفا عنهما، وأن لا تنتمي لأي حزب أو طائفة.
لم تكن الجدّة اعتدال راضيه عن زواج ابنها، لكنها كانت تتقبل كنّتها كتقبّل المغلوب على أمره، أحبّت حفيدتها نادية وعاملتها برفق، وكأنها طفلتها الوحيدة التي ولدتها بعد طول انتظار، فدلّلتها ودرّستها وحكت لها القصص التراثية، وعلّمتها عن حكايات شعبنا المهجّر، واحتضنتها حتى نجحت في كسبها والوصول إلى قلبها.
أما جدتها الروسية تاتيانا فلم تتقبل زواج ابنتها من شاب عربي مسلم، كانت تحتضن حفيدتها قائلة: “لا تتركيهم يؤثرون عليك”.
وفي هذه الأجواء من اللغة والحوار وأسلوب التصوير، تضيع حقيقة نادية، تلك الشابة الجميلة، التي أعجب بها يوسف، ثم قرر الرحيل ليبدأ رحلة البحث عن ذاته، في زمن يمتلئ بؤسا وخيبة.
أولَت الكاتبة اهتمامها بوصف شخوص الرواية، شكلا ومضمونا، محاولة الدخول إلى عمق النفس البشرية، ورصد انفعالاتها وردود أفعالها إزاء المواقف المأساوية التي تعرضت لها، فكانت الشخوص مرسومة رسما كاملا دقيقا، فكريا وسياسيا واجتماعيا، وقد تطورت تطورا طبيعيا، وفقا لوقع الحدث وسيّر الرواية، وظهرت عبر محورين، محور الصراع الداخلي أو محور الرغبة، فعاشت أزمات إنسانية وعانت من التوتر.
كما طرقَت الكاتبة عدة أبواب تتعلق بالوطن والحياة الاجتماعية، وبثّت بعض الرسائل التي تؤكد على أصالة هذه الأرض وأهلها، ووثّقت المكان بوصفها.
هذا وقد صَدَر للكاتبة حتى الآن روايتان ومجموعتان قصصيتان، ومجموعة من الأبحاث.
أبارك للكاتبة د. كلارا سروجي شجراوي هذا العمل الروائي، وأتمنى لها المزيد من التقدم والنجاح والعطاء.