خالديّة حسين أبو جبل، وَالمولودة الفوّاحة “الزّقوقيا” – طرعان
محمّد بدارنة الحياة للأطفال
تاريخ النشر: 24/05/22 | 14:44إسمُ المولودة يبوح بأسراِرها وما خطّتهُ الوالدةُ بمداد قلبها وَعينيها وشفتيها وأذنيها ولمسات من أناملها، فالزّقوقيا لا تنبتُ إلا في الجبل، على خاصرتهِ أو فوقَ صدره، في الحالتينِ تفتّت الصّخر المتّكئَ عليها، فيسعدُ الأخير لوسادةٍ ترضيهِ، وتقايضُ الزّقوقيا الصّخرةَ بالألوان، فتسرقُ منها الأبيضَ وتمنح محيطَها اللّونَ البنفسجي، شريطة أن تحفظَ أسرارَها وأسرارَ الجبل، ألم أذكُرُ لكم إنَّ الوالدةَ خالديّة أبو جبل، وخالديّتها مشتقَّةٌ من خلود عصا راعينا وراعي زقوقيانا.
المولودُ يبوحُ بجمال الحرف وعطرِهِ، ويخزن في أوراقه أطعمة الحياة من مرّها وحلوها، لدرجة أنّ القلب يتجلّى في كلّ ورقة من الزّقوقيا! ويرشحُ المولودُ عطرَ والدتهِ وآمالها وآلامها بعد أن حملتهُ أيامًا وأعواما في قلبها.
اسم الكاتبة خلود وجبل، فالحرف خالد مشحون بطاقات تكفيه للصمود امام عاتيات الزمن لقرون قادمة، وعلى صخر الجبل تظلّ الزقوقويا وردة فوق عصا منتصبة.
شكرا يا أستاذة خالديّة على طفلتكِ” الزّقوقيا” وأجمل ما فيها حين وصلتني، وقبل أن، وبعد أن وصلتني: أنّها تقرأ من البداية للنّهاية، ومن النّهاية للبداية، وطولا وعرضا، ولكن أجمل قراءة فيها: قراءة ما بين الأسطر! فبينَ الأسطر تفاصيل صغيرة وأخرى كبيرة تركتْ لنا الكاتبة حريّة التّحليق في بحر الخيال أو الانتماء، وبهما تكتمل اللّوحة.
” بين السّطورِ” عنصر من عناصر التّشويق في كلّ رواية أو قصّة، تقضُّ مضاجعنا قبل أن نقلب الصّفحة، فبين السّطور فرح ومرح وألمٌ وأمل، وعتاب وقبل، وسلام لم يُقَل، وبينَ السّطور ما لم تسمح ببوحه عاداتنا، ولا موروثنا، ومع ذلك لم تترك الكاتبة ” بين السّطورِ” سطورا إلا ولمّحتْ به، فتجعلُ من قرّائها لمّاحين.
للكتاب ” إهداء” وفي الإهداء تتجلّى جدّة الزّقوقيا وتحضرُ بِسِماتِ الملائكة، فقد وهبت ابنتها الحياة مرّتين!
كم شوّقتني كاتبة الزّقويا إلى ملامح والدها حين اختتمت به إهداءها الغالي، فكأنّها تودّ أن تخبرهما أنّ الحفيدة تشبههما.
قال لي الوطنُ بعد أن قرأتُ ” الزّقوقيا” بلّغ سلاما للكاتبة التي لمحت سمائي فاتّسعت لأحلامنا، ونعم من يخطّ أحلامه على زهر الزّقوقيا، أو على ورق اللّوز.
من يقرأ الزّقوقيا يحتار بل تغلبه الحيرة، فالامّ في نظرِ الكاتبة أرضٌ ووطن، والأرض في نظرها أمٌّ لها رحمٌ وحضنٌ وغيوم تروي العطش وأنفاس تحيي.
وخير مكانٍ في نظر الكاتبة يجمع أمّها بأبيها في لحظة وصال هي هي الارضُ، وأقوى تعبير حفرته الكاتبة على زهر الزّقوقيا هو عشٌّ فرّت منه العصافير وما زالت تحنّ إليه.
حاولتُ أن أقرأ قليلا عن قيس وليلى في صفحات الزّقوقيا. قرأتُ ولكن في لمح البرق عادت تتغنّى الكاتبة بأمّها: طَحَنتِ اللّيالي على حجر الرّحى، وخبزتيها في موقد الايّام، وعصرتِ عنبَ داليتك، وتفجّرت الأرض تحت قدميكِ ماء سرِيًّا!
أتراها تشبهُ امّها لهذا الحدّ، أمّ أنّ الحال يقتضي أن تخصّصَ الكاتبة جزءًا قادما عن أمّها؟
من الحِكَمِ المنثورة همسا أو علنا في صفحات الزّقوقيا أن الدّمعة والابتسامة وجهان جميلان لعملة الحياة، لا بل لا أروع من ابتسامة إلا تلك التي تسبقها دمعة او دمعات!
للكاتبة مع الرّغوة حكاية، فهي في قهوة أمّها شهقة ونكهة، وفي لجنِ غسيلها لمسة دمعة! وفي لجنِ عجينها خميرةٌ! وتساءلتُ وهل الرّغوة تسكنُ أماكنَ ومراجل حياتنا كلّما شهق الحال شهقتَهُ، وأرغت صابونة رغوتَها، وَزَبَدَ بحرٌ من موجه؟
وتساءلتُ عن صابون عصا الرّاعي، وصابونة الزّقوقيا وعن رغوتها، فقد يكون الجواب بين السّطور في كتاب الكاتبة!
تجيد الكاتبة أمانة الشّكر، فتبدأ بالوطن، ومن يسكنه، وبالحرف ومن علّمها، أو لفتَ انظارها وهي طفلة في عمر الزّقوقيا إلى يومٍ صدرتْ فيه الزّقوقيا! أو لمعلّمة احتفظت سنوات العمر بقصاصة أدب رشحت من بين أناملها! وتنتهي بكلّ من مرّ بحرفها وابتسم!
والمظلوم الوحيد في قائمة الشكر هو الكون بأسره، فقد سَعِدَ وَفرحَ بولادة ” الزّقوقيا”، ويبدو أنّ الكاتبة، في زحمة الحياة، قد نسيته!
أروع ما في معسولِ كلامِها، أنّ كلّ كلمة تحملُ في أحشائها كتابا من الكلمات لم تكتب! فتظلُّ الزّقوقيا تزوركَ من حينٍ إلى حين، تماما كالقصّة الشّعبية التي تفهم يوما كلّ أسرارها الجميلة.
أرق ما في معسول كلامها جمعها الدَّمعة بالابتسامة! ويا قلب انتعش بعملة الحياة، الدمعة حياة ولها أخت اسمها الابتسامة.
أعذب ما في حروفها، أنّه بلديّة وطنيّة إنسانيّة عربيّة لا طائفيّة فاضت من قلمها، فالنسجّ والحياكة والتّطريز والشّحن كلها صناعة وطنيّة!
أبهى ما في مجازها أنّه صنع من ” الزقوقيا” لوحة تترجّل!