كم هو رائع أن يكرّم الإنسان من أهل بلده!
دكتور محمود ابو فنه
تاريخ النشر: 26/05/22 | 9:06والحمد لله، حظيتُ بهذا التكريم من مجلس كفر قرع المحلّي ممثّلًا برئيس المجلس المحامي فراس بدحي، وذلك في مهرجان أيّار الأدبيّ الأوّل للبقاء والانتماء الذي عقد أمس 23.5.2022 بمبادرة اتحاد الكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل 48 وبالتعاون مع المجلس المحلّي كفر قرع
مرفق ما قدّمته في كلمتي في افتتاح ذلك المهرجان:
أيّها الأخوة والأخوات الكرام
السلام عليكم جميعًا
بهذه المناسبة الميمونة البهيجة ترتدي بلدتُنا العامرة كفر قرع بحلّةٍ قشيبة نسيجُها المحبّةُ والانتماء والعطاء لتفتحَ ذراعيها وتحتضنَ هذا المهرجانَ الحضاريَّ الذي يُعلي مكانةَ الكلمة الجميلة الهادفة الملتزمة!
نحن في بلدتنا كفر قرع، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، نعتزّ بانتمائنا لبلدتنا الزاهرة في وطننا الحبيب، ونبارك ماضيَها العريقَ المشرّف، وحاضرَها المشرق، ومستقبلَها الأجملَ والأنضرَ بعون الله!
كفرقرع كانت – وما زالت – بلدةً وادعةً مسالمة، يتحلّى أهلُها بالتكاتف والتعاضد، وبالإباء والطموح، ويسعون لتوفير حياة كريمة آمنة، ولكنّهم على استعداد للتضحيّة وتلبية نداء الوطن في المحن والشدائد!
لذلك، في الأعوام 1936 – 1939 إبّان الثورة ضدّ الانتداب البريطانيّ شاركت كفر قرع في هذه الهبّة وقدّمت الشهداء.
وفي عام 1948م قاومت كفر قرع ببسالة محاولاتِ احتلالها، وقدّمت الشهداءَ، ولكن مع تفاقم الخطر والدمار قرّر سكّانُها النزوح المؤقّت عن بلدتهم في تاريخ 10.4.1948 وعاشوا كلاجئين في البلدات العربيّة المجاورة التي أحسنت وفادتَهم وضيافتَهم حتّى تسنّى لهم العودةُ بعد أحدَ عشرَ شهرًا تقريبًا لقريتهم الغالية مسقطِ رأسهم، ومنزلهم الأوّل!
كم كان أهلُ كفر قرع محظوظين فخورين بالعودة لبيوتهم ولأرضهم التي صودر معظمُها، عادوا ليعمّروا البلدة بالإرادة والعزيمة والتعاون والتكافل لتحقّق قفزةً نوعيّة وتصبحَ بلدةً مشعّةً بالعلم والعطاء ببيوتها الجميلة وشوارعها النظيفة ومؤسّساتها وحدائقها وملاعبها لتستحقّ لقب زهرة/عاصمة بلدات المنطقة!
أيّها الأحباب!
بعيدًا عن المغالاة والغرور أضيف: بفضل التسلّح بالعزيمة، والإيمان بقدسيّة العمل، والقناعةِ بأهميّة العلم كرافعة للتغيير والارتقاء، استطاعت بلدتُنا كفر قرع أن تنهضَ وتزدهر؛ فالتعليمُ عندنا مرّ بعدّة مراحلَ، فكانت البداياتُ: التعليم للبنين الذكور في الكتّاب على يد إمام المسجد، واقتصر التعليم على إكساب أسس اللغة العربيّة، وحفظ القرآن، ومعرفة مبادئ الحساب.
ثمّ انتقل التعليمُ لغرف قليلة مستأجرة وقام بالتعليم معلّمون من خارج القرية.
وبعد عودة أهالي كفر قرع “اللاجئين” للبلدة عام 1949 أعيد افتتاحُ الصفوف، وبدأت البناتُ تشارك البنين في التعلّم، وتعددت مواضيعُ التعليم وتنوّعت، وزاد تدريجيًّا، مع مرور السنين، عددُ الصفوف والمعلّمين من خارج البلدة ومن أهلها.
واليوم، لدينا المدارسُ العصريّة التي تتوفّر فيها الغرفُ المكيّفة والمرافقُ والساحات المناسبة، والمعلّمون والمعلّمات الأكْفاء، والمديرون والمديرات المؤهَّلون. ويبلغ عدد الطلاب والطالبات الإجماليّ هذه السنة حوالي 6000 يتوزّعون على: 6 مدارس ابتدائيّة إحداها مدرسة جسر على الوادي التي تضمّ طلابًا عربًا ويهودًا، وثلاثِ مدارسَ إعداديّة، وثلاثِ مدارسَ ثانويّة.
وممّا يثلجُ الصدرَ إقبالُ الكثيرين من خرّيجي الثانويّات على مواصلة دراستهم في الجامعات والكلّيّات والمعاهد العليا، والحمدُ الله، نحن نفتخرُ بالنسبة العالية من الأكاديميّين في معظم التخصّصات من طبّ ومحاماة وصيدلة وهندسة وتمريض وتدريس وغير ذلك. (على سبيل المثال: ورد في كتاب: “محطّات على تاريخ كفر قرع” الصادر عام 1997م إعداد شكري عرّاف (ص 106- 107)، أنّ نسبة الأكاديميين تصل 8.5 في المئة من مجموع سكان القرية، وأنّ عدد الأطباء آنذاك 82 طبيبًا، واليوم يبلغ عدد الأطباء 418!)
وأختتم عرضي الموجز لتاريخ كفر قرع وصمودها ونهضتها وعشقها باقتباس ما نظمه الأستاذ عبدُ الرؤوف قربي أحدُ روّاد المعلّمين في قريتنا والذي يُعتبر من سدنة تراثنا الشعبيّ وتاريخِ بلدتنا كفر قرع:
بلادي طيّب اللهُ ثراها – عشقتُ تُرابَها وسنا سماها
عشقتُ ملاعبَ الفردوسِ فيها – بيادرَها أزقّتَها رُباها
ولو خُيِّرتُ أن أحيا غنيًّا – غريبًا عن بلادي لا أراها
لقلتُ تعالَ يا فقرُ تربّع على – صدري فلن أرضى سواها.
تحياتي للأستاذ محمود أبو فنه .
حبذا لو تستطيع أن تؤلف كتابا عن كفرقرع وأهلها منذ بدايتها حتى اليوم .
مع أمنياتي لك تمام الصحة والعافية.