قراءة في كتاب المتخيّل السرديّ العربيّ الحديث، للناقد د. رياض كامل.
صباح بشير
تاريخ النشر: 31/05/22 | 12:01صدر حديثا عن الأهلية للنشر والتوزيع كتاب بعنوان ” المتخيّل السرديّ العربيّ الحديث” للدكتور رياض كامل، ويقع في مئتين وست وتسعين صفحة، أهداها مؤلفها إلى حفيديه فكتب: إلى اللذين جعلا أيامي أكثر جمالا وسعادة، إلى الحفيدين الغاليين، ميشيل وعدي.
يضعنا هذا الكتاب في مَعقل كاتب وناقد متمكّن، يكتب عن ثقافة غنية بمبادئها وقيمها ومضامينها، ورؤية ثاقبة وأسلوب بالغ بالجودة من كلِّ شيء.
ومما جاء في تقديمه: لقد بات النقد ندّا للمنتوج الأدبيّ في عملية الإبداع، بعد أن كان تابعا له فترة طويلة من الزمن، وذلك بفضل وفرة النظريات التي ما زالت متفاعلة تقدم الجديد، فأصبح الدارس اليوم مدجّجا بمناهج ونظريات ومعارف عدّة، تؤهله لسبر أغوار النص وإعادة النظر فيما قيل من قبل. يتيح هذا الرصيد المعرفيّ المجال للباحثين، لتقديم دراساتهم حول الأدب وفقا لمناهج ونظريات حديثة، كما يفعل بعض الدارسين الجدّيين، الذين يضيئون جوانب خفيّة على القارئ.
دعت مقدمة الكتاب إلى اتباع القراءة النقدية الإبداعية بالتفاعل بين القارئ والنص، فالقارئ الضَليع المُطِّلع قادر على تفكيكه وبنائه وتفعيله، تأويله وتحليله، فالنص لا ينكفئ على ذاته، وهو قابل للتفسير وتعدد الرؤى، فلكل قارئ متمرس ثقافته ورصيده الفكري وقدرته الخاصة على الإضافة.
احتوى الكتاب على مجموعة من الدراسات التي تعاين أهم مركّبات السرد العربي الحديث، والتقنيّات الفنيّة التي وظّفها الأدباء في كتاباتهم، منوها د. كامل بأن هذه الدراسات ليست اقتراحا بديلا للمناهج الأخرى، إلا أنها ترفض الالتزام بمنهجية واحدة، وتؤكّد على أنّ دراسة السرديات العربية المعاصرة لا تحقق مبتغاها ولا تعطي أكلها إلا إذا استفادت من النظريات الحديثة، ومن الدراسات التي تتابع تطور آليات السرد الحديث.
ولأن مركبات السرد العربي الحديث لا يمكن تناولها بمعزل عن اللغة، باعتبارها الأداة التي يعبّر بها الكاتب عن أفكاره لتصل إلى المتلقي، فقد أضيفت دراسة بعنوان: اللغة العربية بين التأصيل والحداثة، ومقالان آخرين حمل الأول اسم: الرواية العربية بين النشوء والارتقاء، والثاني: نشأة الرواية العربية السورية، ثم ينتقل الكتاب إلى قسم خاص في فضاء حنا مينة الروائي، متناولا فضاءات حنا مينة الروائية منذ العام 1924م حتى العام 2018م، ومنها إلى لغة مينة الروائية مؤكدا أن اللغة كانت سلاحه الأساسي لريادة العالم الأدبي الروائي.
هذا بالإضافة إلى مجموعة من المقالات الأخرى:
– جدلية الفضاء والشخصية الروائية في رواية راكب الريح للكاتب يحيى يخلف. تدرس هذه المقالة فضاء الرواية وتبرز الفوارق بين الأمكنة المتعددة فيها، وعلاقتها بشخوص الرواية.
– الراوي، الوصف وعملية الإيهام بالواقع، في رواية علي- قصة رجل مستقيم للكاتب حسين ياسين. تهدف هذه المقالة إلى دراسة دور الراوي، وقياس حيز الحرية المعطى له، ومدى تمكّنه من تحريك الأحداث، ودراسة دور الوصف لنقل الرواية من إطارها التاريخي إلى إطارها التخيّلي.
– مستويات اللغة في رواية عين خفشة، للأديبة رجاء بكرية. تعالج هذه المقالة مستويات اللغة في الرواية.
– مقصات وسكاكين في الذاكرة، بين التلقي والتأويل، للكاتب د.محمد حمد. هي دراسة تأويليّة تكشف دلالات النصّ، وتبيّن مدى التفاعل بينه وبين القارئ، وتتقصّى العناصر الشكليّة والأسلوبيّة البارزة فيه.
– الخطاب الأيديولوجي في رواية سيرة بني بلوط، للكاتب محمد علي طه. يقدم هذا المقال دراسة بنية الخطاب الروائي في سيرة بني بلوط وعلاقته بالفكر الأيديولوجي للروائي، وذلك من خلال محاور: الرواية بين التأريخ والتخييل، فضاء الرواية، والشخصية المركزية ودورها كعناصر فاعلة في الرواية.
– جوبلين بحري، قراءة تأويلية، للكاتبة دعاء زعبي. في هذا المقال تساءَل د.كامل كيف نستقبل رواية لكاتبة جديدة؟ وهل علينا، كما هي العادة أن نقارنها بروايات سابقة لها؟ وهل تمكّنت من جذب القارئ وخلق حالة من التأثير في العقل والوجدان؟
ومما كُتب على الغلاف الخلفي: أن تكتب رواية يعني أن تفتح عيونك العشر على الأرض والسماء، وما يحتويانه من نجوم وذرّات تراب، وعلى ما يحتويه البحر من أسماك وأصداف، وأن تبنيَ وترسمَ شخصيات تعيش تناقضات الحياة. على الروائيّ أن يُصيخ لأنين شخصياته ويتنبّهَ لتفاصيل وجوهها، وأن يغور في اندفاع غرائزها في كل تجلّياتها. وأن يكون رسّاما ونحّاتا وسيكولوجيّا ومسرحيّا يُحيط بالخارج والداخل، ويلمّ بكل مركبات الديكور (الفضاء) من زركشات ونمنمات، وأن يتنبّه لتحرّكات الجسد وهو يثور ويمور ويقفز ويغضب ويهدأ، وأن يقوم بتأثيث كل لحظة وكل ومضة، حتى تكتمل ما تسمى لعبة الإيهام بالواقع، للانتقال من عالم الواقع نحو عالم الرواية التخييليّ.
هذه لمحة مختصرة لمضمون الكتاب الذي يشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، كباقي إصدارات المؤلف السابقة ومنها: الواقع والتخييل، نصوص وظلال، محاورة النصّ، الظلّ الآخر، دراسات في الأدب الفلسطيني، وتوهّج الكلمة.
مبارك هذا الإنجاز للدكتور الناقد رياض كامل، ومزيدا من العطاء والتفرّد.