الدنيا كلها …لحظة
تاريخ النشر: 01/11/11 | 0:22( ردّاً على مقال المفكر الإسلامي عائض القرني، الذي أعشق سماعه وهو يقتطف من مخزونه الثقافي أشعاراً من حافظته الذاتية، مما يبهر السامعين. واستمراراً لمشروع الحثّ على القراءة، وتنمية الذائقة الشعرية لدى الشاعرات والشعراء الشباب).
نحن شعب نحب البكاء على الاطلال
نحن شعب نحب البكاء على الاطلال . أقول نحن شعب يحب البكاء والنواح والعويل، والنحيب والنشيج، ويطربنا الرثاء، ، وهذا الأمر ليس عيباً على الاطلاق، ولكنها طبيعتنا التي جبلنا عليها ، ولكل امرئ من دهرهِ ما تعوّدا، فمن منا لا يحفظ قول الخنساءُ ويطرب له:
يذكرنى طلوع الشمس صخراً …….. وأذكره لكل غروب شمسِ
ولولا كثرة الباكين حولى على …….. إخوانهم لقتلت نفسى
ونظل نتذكر ماضينا التليد ونترحم على أجدادنا كيف كانوا أفضل منا،ومن منا لا يحترم المعلم الذي يقف أمام طلابه ممجداً معظماً لعلمائنا الخالدين أمثال ابن سينا، وابن النفيس ، وكيف فتحت خيول العرب امبرطورية الفرس والروم . ونترحم على أيام زمان، كيف كانت أهدأ بالاً، وأنعم عيشة،وأكثر قناعة وطمأنينة. ليس الخيار والبندورة والبامية كانت أزكى ، حتى المطر كان أزكى. وكانت جدتي تغني على صوت المزراب وهو يشقع ما كان يطربنا أكثر من هيفاء وهبي . كانت تحب سميرة توفيق و(تشيش ) عندما تغني للملك وتغمز له بعينها بخفر عربي أصيل.
والشعراء منا يتذكرون المتنبي ويحاولون تقليده ، والوحيد الذي وصل الى سدة المتنبي هو الشاعر العراقي الجواهري،وأحمد شوقي، وقد حاول الشاعر أحمد حسين في معلقته ” قصيدة الزناطم” تقليد المتنبي، فأبدع فيها النظم والمضمون، وهي قصيدة وقفت على بعض معانيها الرفيعة في مقال سابق ،ولكنها تستحق الكثير من النقد والتحليل والمتابعة.
فيقول:
وفي باب الحب يتذكرون ابن زيدون ونونيته والعشق الأندلسي الموشح بخمرة الحب، ويستشهدون بأبيات ولادة بنت المستكفي التي ترفع أنفها قائلة وقد فتحت نرجس المُقل عن ورد الخجل:
أنا والله أصلحُ للمعالي وأمشي مِشيتي وأتيهُ تيها
أمّكنُ عاشقي من لثمِ خدي وأعطي قبلتي مَن يشتهيها
ويذكر ابن بسام في الذخيرة، والمقري في نفح الطيب أن ولاّدة ، مع ذلك كانت مشهورة بالصيانة والعفاف ، وكانت تقيم في قرطبة ما يشبه صالوناً أدبياً يحضره الشعراء والادباء.
ولكنني اليوم اخترت لكم رثاء مدينة هي غرناطة ، وحضارة هي الاندلس. وهذه القصيدة لم نتعلمها في أي من المناهج ، لذا يجدر بنا الوقوف عندها والنظر الى جمالياتها الأخاذة.
في رثاء الاندلس :فردوس العرب المفقود:
نونية أبي البقاء الرندي
هذه القصيدة التاريخية التي قيلت في رثاء الاندلس للشاعر ابو البقاء الرندي صالح بن يزيد بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الاندلس، وهي قصيدة مؤثرة جداً ، تحرك مكامن الوجدان، وتبكي العين والفؤآد.
لقد كانت الأندلس جوهرة الزمان، وعقد اللؤلؤ والمرجان….
انى بأندلسٍ اهيمُ فيا اخى علّلْ بذكرِ حديثها قلبى الظمى
فى ذلك الفردوس اشرق شمسنا حينا وكنا للثريا ننتمى
قل للسراج اقام يزهر عندما سرت البرية فىضلال مبهمِ
فلقد خلقنا كى نكون اعزة .. اللهُ اكبر بالفؤاد وبالفمِ
والله فى القران خبّر انه للمسلم التمكين لا للمستسلمِ
والقصيدة تصلح للتعبير عما آلت اليه حال بغداد حاضرة الزمان العربي العباسي. وجاء احمد شوقي الى الاندلس حيث نفاه الانكليز اليها، فوقف باكيا على أطلال بنى أمية وأطلال المسلمين هناك ، مصوراً قصر الحمراء في غرناطة ، بحزن وأسى على ما آلت اليه حال العرب بعد فقد الاندلس.. وأفول عهد الفتوحات والعزة والكرامة وزوال مجد المسلمين.
وقال وهو في منفاه أعظم بيت في الحنين الى الأوطان:
وطني لوشُغِلتُ بالخُلدِ عنهُ نازعتني إليه في الخلد نفسي
وتبدأ قصيدة الرندي بتقرير الحكمة الإنسانية ، ففي اعتقاده أن كمال الأشياء عبارة عن بداية نهايتها، فلا يغرن إنسان جبروته مهما عظم، ولا تبطرن أمة قوتها مهما بلغت، فسبيل ذلك كله الى فناء.
لذاكم ادعوكم الى الاستمتاع بهذه القصيدة، وتنمية ذائقتكم الشعرية بقراءة وحفظ ما حسُن من الشعر. والنظر الى ترتيب الأفكار في القصيدة، والحكمة الكامنة خلفها.
رثــــاء الأنـــدلـس
لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ — فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ
هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ — مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد — ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شان
يُـمزق الـدهر حـتمًا كل سابغةٍ — إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ
ويـنتضي كـلّ سيف للفناء ولوْ — كـان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ — وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ ؟
وأيـن مـا شـاده شـدَّادُ في إرمٍ — وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟
وأيـن مـا حازه قارون من ذهب — وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحطانُ ؟
أتـى عـلى الـكُل أمر لا مَرد له — حـتى قَـضَوا فكأن القوم ما كانوا
وصـار ما كان من مُلك ومن مَلِك — كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الـزّمانُ عـلى (دارا) وقاتِلِه — وأمَّ كـسـرى فـما آواه إيـوانُ
كـأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ — يـومًا ولا مَـلكَ الـدُنيا سُـليمانُ
فـجائعُ الـدهر أنـواعٌ مُـنوَّعة — ولـلـزمان مـسرّاتٌ وأحـزانُ
ولـلـحوادث سُـلـوان يـسهلها — ومـا لـما حـلّ بالإسلام سُلوانُ
دهـى الـجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له — هـوى لـه أُحـدٌ وانـهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ — حـتى خَـلت مـنه أقطارٌ وبُلدانُ
فـاسأل(بلنسيةً) ما شأنُ(مُرسيةً) — وأيـنَ(شـاطبةٌ) أمْ أيـن جَيَّانُ
وأيـن قُـرطبة دارُ الـعلوم فكم — مـن عـالمٍ قـد سما فيها له شانُ
وأين حْمص وما تحويه من نزهٍ — ونـهرهُا الـعَذبُ فـياضٌ وملآنُ
قـواعدٌ كـنَّ أركـانَ الـبلاد فما — عـسى الـبقاءُ إذا لـم تبقَ أركانُ
تـبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ — كـما بـكى لـفراق الإلفِ هيمانُ
عـلى ديـار مـن الإسلام خالية — قـد أقـفرت ولـها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ — مافـيـهنَّ إلا نـواقيسٌ وصُـلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ — حـتى الـمنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يـا غـافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ — إن كـنت فـي سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
ومـاشيًا مـرحًا يـلهيه مـوطنهُ — أبـعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟
تـلك الـمصيبةُ أنـستْ ما تقدمها — ومـا لـها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يـا راكـبين عتاق الخيلِ ضامرةً — كـأنها فـي مـجال السبقِ عقبانُ
وحـاملين سـيُوفَ الـهندِ مرهفةُ — كـأنها فـي ظـلام الـنقع نيرانُ
وراتـعين وراء الـبحر في دعةٍ — لـهم بـأوطانهم عـزٌّ وسـلطانُ
أعـندكم نـبأ مـن أهـل أندلسٍ — فـقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم — قـتلى وأسـرى فما يهتز إنسان؟
لِمَ الـتقاُطع في الإسلام بينكمُ — وأنـتمْ يـا عـبادَ الله إخـوانُ ؟
ألا نـفـوسٌ أبَّـياتٌ لـها هـممٌ — أمـا عـلى الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يـا مـن لـذلةِ قـومٍ بعدَ عزِّهمُ — أحـال حـالهمْ جـورُ وطُـغيانُ
بـالأمس كـانوا ملوكًا في منازلهم — والـيومَ هـم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فـلو تـراهم حيارى لا دليل لهمْ — عـليهمُ مـن ثـيابِ الـذلِ ألوانُ
ولـو رأيـتَ بـكاهُم عـندَ بيعهمُ — لـهالكَ الأمـرُ واستهوتكَ أحزانُ
يـا ربَّ أمّ وطـفلٍ حـيلَ بينهما — كـمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبـدانُ
وطفلةًٍ مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت — كـأنـما هي يـاقـوتٌ ومـرجـانُ
يـقودُها الـعلجُ لـلمكروه مكرهةً — والـعينُ بـاكيةُ والـقلبُ حيرانُ
لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ — إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
احييك احييك سيدي الغالي قرات ما عقبت لي واعدك ان اقرا ما تكتب…. الاخ العزيز والشاعر الاديب الاستاذ سامي ادريس لا داعي لان اكتب لك اميل فلك في معاويه بيت ثاني ولك ان تختار اي يوم يناسبك للزياره ان وصلت معاويه فسل عن قاسم محاميد ابو نزار فقط اهلا وسهلا بكما ومن معاويه ننطلق لزيارة الاستاذ الكبير احمد حسين وحياكم الله وكل عام وانت والعائله بالف خير
أستاذ سامي إدريس
بوركتَ على ذائقتك الأدبية في اختيار هذه القصيدة
الجميلة الدالّة على ما آلت إليه حال المسلمين آنذاك!
وكلّ عام وأنت وأسرتك الكريمة ومحبّيك بألف خير.
د. محمود أبو فنه
أستاذي الكريم
الدكتور أبو سامي
كل عام وأنت في تألقك البهيج، حقاً إن الحياة لحظة فلنملأ الدنيا حبوراً وأُلفةً ومحبة، وإذا كان لدينا شئ نستطيع تقديمه لحركتنا الأدبية في المثلث فلنفعل
وستؤتي هذه الاشجار الباسقة أكلها ثمارأ طيبة بعون الله وعونكم
باحترام
سامي ادريس