أكنتُ أنا في العدمِ؟/ ذات شتاءٍ في مينسك
عطا الله شاهين
تاريخ النشر: 22/06/22 | 16:18كنتُ أنا في العدمِ؟
في البداية لم أعرفني، وتساءلت حين رأيتني: أكنت أنا في العدم قبل ثوان معدودات؟ فها أنا هنا في وجود أتذكره، فلماذا لم أتذكرني في العدم؟ أكنت أنا، لا أدري، ربما كنت متقوقعا في عتمة العدم، والغريب أن الصوت، الذي سمعته كان يشبه صوتي، مع نبرة حادّة، وكأنني كنتُ متضايقا من هدوء العدم..
تساءلت بعدما عدّلتُ مزاجي بمشروب القهوة، وبعد إشعالي لسيجارتي الأخيرة في ليل طويلٍ: أكنتُ أنا في العدم؟ لم أتحقق بعد، فلماذا كنتُ في العدم؟ هل لأن العدم هاجس يستهويني كفكرة مناقضة للوجود؟ فقلت بعد أن نفثتُ دخان سيجارتي في عتمة الشُّرفة: ربما، ولكنني لست عالِماً بماهية العدم..
——————–
ذات شتاءٍ في مينسك
بينما كنت أسير على رصيف أحد شوارع مدينة مينسك عاصمة بيلاروس ذات شتاء تساقط فيه الثلج بغزارة، رأيت امرأة تأكل بوظة، نظرت صوبها بنظرة استعراب، وقلت في ذاتي: كيف؟ فالجو هنا بارد، لكنها نظرتْ صوبي، وعلمت من عيني بأنني مندهشٌ، وفي يوم آخر هطلَ الثلج على مينسك، ورأيتُ امرأة تأكل بوظة، فلم أستطع حينها أن أبقى صامتا، فخطوتُ صوبها، وقلت لها: ألا تشعرين بالبرْدِ حين تأكلين بوظة تحت الثلج؟ فردتْ: كلا، نحن معتادون هنا على أكل البوظة، وأرى بأن البوظة تمدني بالدفء، فاندهشتُ أكثر، وعلمت فيما بعد بأن أكل البوظة في الشتاء أمر عادي، ولكنني حاولت أن آكل مثلهم البوظة تحت تساقط الثلج، لكنني لم أستطع..
أذكر ذات يوم مينسكي بارد حين كنت أسير صوب محطة المترو في ساعات المساء رأيت امرأة عجوز تأكل بوظة، وكأن البوظة ساخنة، فنظرتُ صوبها، وقلت لها: ألا تبردين؟ فابتسمتْ، وقالت: عيناك تمدّانني بالدفء، فابتسمتُ، وقلت لها: ربما، ووقفتُ أنتظر قطاري، ونظرتُ ووجدتها تقف بجانبي، فقالت: ألا تحب البوظة في جو بارد؟ فرددتُ عليها: كلا، فابتسمتْ وقالت: يبدو أنك أجنبي من الشرق، فرددتُ عليها: بلى..