ديمة جمعة السمان: شذرات الصفيح لحسين حلمي شاكر في اليوم السابع
تاريخ النشر: 02/07/22 | 11:25القدس:30-6-2022- من ديمة جمعة السمان-ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية كتاب “شذرات الصّفيح” للكاتب الفلسطيني حسين حلمي شاكر، ويقع الكتاب الصادر عام 2018 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية وصمّمه وأخرجه شربل الياس في 83 صفحة، ويحمل غلافه الأوّل لوحة للفنّان محمد شريف.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
“. كل قصّة جاءت فيها عززت الفكرة التي جاءت في القصّة التي سبقتها، فخرجت آهة طويلة من قلب مجروح، يحكي ؤاقعا مريرا لشعب مقهور.
“شذرات الصّفيح” اختيار موفق لعنوان المجموعة القصصية، التي صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية 2018، عدد صفحاتها أربع وثمانون صفحة.
فعلى الرغم مما يحمل الصفيح من ذكريات ودلالات موجعة للفلسطيني اللاجىء المشرّد، فلا زال هناك بعض الشذرات التي يلتقطها الكاتب من الصفيحّ تبعث الأمل في القلوب.
تأرجحت القصص بعناوينها المثيرة المختلفة بين المباشرة في الطرح والرمزية، كي لا يقع الكاتب في المحظور. إذ أنّ عين الرقيب مفتوحة لا تنام، تثقل على الكاتب وتقيّد حرّيته، وتحدّ من فيضان ما لديه من أفكار وقضايا يسعى لطرحها، فيلجأ إلى أساليب يتوخّى فيها الحذر حينا، وحينا آخر ينتفض فيها القلم ويأبى إلا أن يترجم ما فاض به القلب ونطق به اللسان دون تزيين، فيأتي الطرح واضحا صريحا. تصل رسالة الكاتب بأسلوب المضحك المبكي. تبكي حينا، وتضحك حينا آخر. تشعر بغصة في القلب تزيد من نقمتك على الواقع المرير ومسببيه.
“رسائل” كتبت بلغة جميلة، تحمل فلسفة وحكمة وصلت إلى القارىء بسلاسة، عرّجت على حياة المواطن السياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية، فأدّت الغرض.
وقالت نزهة أبو غوش:
نهج الكاتب حسين شاكر في نصوصه القصيرة، الشذرات؛ أسلوب الأدب السّاخر، ذلك الأدب الّذي يهدف إِلى النّقد المجتمعي: على المستوى الأخلاقي، والسياسي، والقاء الأضواء على ثغرات، أو سلبيّات؛ من أجل تنويه القارئ ومساعدته على تكوين رأي تجاه قضايا تهمّه.
أرى أنّ الكاتب شاكر قد استخدم الأسلوب السّاخر، مع محافظة على البقاء في المجال الأدبي والفنّي، وقد تجنّب الدّخول إِلى متاهات جانبيّة مثل التّجريح والتّهكّم، والمواجهة المباشرة؛ ونجده قد اعتمد على عدّة أساليب: الأسلوب التلميحي، أو الفكاهة أحيانا، وأحيانا أخرى الأسلوب الكراكاتيري، أو الكوميدي المستتر في الأسلوب غير المباشر.
هناك بعض النّماذج على هذه الأساليب:
في قصّة ” هتاف” كان الأسلوب التلميحي لتكميم الأفواه، ممزوجا بالأسلوب الفكاهي؛ حيث اختفى الأشخاص الّذين تساءلوا: كيف؟ لماذا؟ وأين؟ ” حمل معه الأموات أحياء.”ص24.
لقد أخذت قصّة “اللا انتماء” في صفحة 12 أيضا أسلوب التّلميح؛ حيث تحدّث الكاتب عن ذبذبة الهويّة، وحين أجاب المواطن عن انتمائه، أجاب إِلى أنّه الحكومة؛ فأطلق سراحه دون معرفة أيّ حكومة يقصد.
كذلك ما حصل في قصّة يوم المرور العالمي، حيث المفارقة لما حصل للمواطن الّذي ذهب ليشارك بهذا اليوم، حادث الدّهس على خطّ المرور، من قبل شاحنة تخصّ المسؤولين عن هذا اليوم. كذلك في قصّة الرّجل المتوفّى الّذي خاف على موته من الّذين حقّقوا معه عن كيفيّة موته.
أمّا قصّة ثأر، تظهر بها أسلوب الكراكاتيري، حيث تضخّمت الأقاويل عن الشّهيد على ألسنة النّاس؛ حتى جعلوه يخرج من مكانه ويحاول الانتقام من قاتله.
في قصّة “تنافر” ص27 حيث حاول الرّجل بكلّ الطّرق بناء دولة، وعندما عجز عن ذلك، رفع راية الاستسلام، هنا نلحظ أُسلوب التّلميح المبطّن غير المباشر؛ الّذي ظهر أيضا في قصّة “قمّة”، حيث الحوار بين أحد المواطنين العرب والحيوانات؛ كذلك في قصّة “تفان”ص 45 كان التّلميح هو الأسلوب الغالب.
أمّا الأسلوب الفكاهي فقد ظهر في عدّة قصص، فمثلا في قصّة “جلمود” تعلّم الرّجل الوفاء، بعد أن رأى حبيبته تبعد الكلب عن الكلبة؛ لأنّها لا تريده؛ كذلك في قصّة ” أبو شحادة” الّذي تعمّد أن يفلت رسن الحمار؛ كي يقابل الحمارة.
وقالت د. روز اليوسف شعبان:
نص نثريّ بإيحاء من المجموعة القصصيّة” شذرات الصفيح”.
شذرات الصفيح
شذراتٌ من صفيحٍ أنا
أجوب البلاد
أبحث عن قطرة ماء
عن ديمةٍ تعانق السماء
عن حاكمٍ عادل
وشاعرٍ أحبّ عذراء
جعل كلَّ قصيدتِهِ لها غناء
عن قائدٍ سرق لغيره
ليطعمَ الفقراء
لا لم يدّعِ الماركسيّةَ
ولم يكتب وثيقةً بلهاء
شذراتٌ من صفيحٍ أنا
تبحث عن راعٍ
فقد البيت والأغنام
خدعته ليلى
وهادنت الذئاب
وبقي ظلُّ الحاكم
يهدّده في الصحو والمنام!
يهدّدُ الرعيّةَ والأحباب
يوقفهم في طوابيرَ من عذاب
تفتيشٌ، إذلالٌ، ضربٌ واغتصاب
يطلقُ العيبَ أسماكًا من القرش
تبتلع الحقَّ والحياءَ والنساء
شذراتٌ من صفيحٍ أنا
أجوب التاريخ
يعيدني إلى أجدادي
أبحث عن أصالةٍ وتراثٍ وإباء
ثمّ يقذفني الزمن
أجدني بين أروقة الحاضر
أتجرّع الذلَّ والعناء
ألملم ما تبقّى من شذراتي
أبحث عن ظريف الطول
ذاك الذي كشف حقيقة
الحاكم والمختار
عن استيلائه على العِرض
والأرض والديار
عبثًا أبحث عن ظريف الطول
انتزعوه من بين الحضور
تركوني في حيرتي
تأخذني الهموم
أبحث عنه في كلّ الأزمنة والعصور!
في مساكن الجبال
في عيون الأطفال
في قصيدةٍ وأنشودةٍ
في حكايا الكبار والصغار
هو هنا… هناك…
يمتطي صهوة التاريخ
يعتلي رؤوس الجبال
هو في هذه النسمة
وتلك الديمة
يحملني معه
لنعود معًا سبائكَ أملٍ
وقلائدَ فلٍّ وجلنار!
وقالت خولة سالم:
جاءت القصص الست والثلاثون قصة ناقدة للواقع المعاش، مرة مباشرة ومرة برمزية مفرطة، ولكنها محببة للقاريء، فهو في كل قصة تقريبا يقرأ ذاته متسكعا بين فلسفتها ونقدها.
الإهداء مقتضب، جميل جدا، يبدو أن الكاتب يجل قراءه ويقدر حضورهم أمام قلمه ويخصهم بكل ما يكتب فهم مميزون، فهنيئا لنا بك كاتبا عميقا متمرسا تفضح العتمة وتهدي قرائك نتاج فكرك وعمق وجعك.
التقديم للكاتبة السورية أميمة الحسن، جاء متفردا، مميزا، يعطي الكاتب حقه في كل عبارة تقريبا، فتدخل القراءة بقلبك متيمنا متوكلا على الله بالتوفيق .
القصص في مجملها تشكل نقدا اجتماعيا، وسياسيا بامتياز، تنبع أفكارها من واقع عايشه الكاتب وألف تناقضاته من خداع وكذب وتزوير للحقائق وقلبها، وهي سمة الواقع يجردها الكاتب من زيفها، في أقوال يختارها على مهل وروية، تكاد تكون المسافة بين كل قصة وأخرى صفرا، ولكنها بنظرة فاحصة هي مسافة لا تقل عن تجربة حياتية وأخرى، ولكنها في كل مرة تحفر أعمق في اخدود الجرح الذي لا يكاد يبرأ.
لا أستطيع التوقف عند قصة أو أخرى، فقد استحوذت على فكري ووجداني كلها دون استثناء، شعرت بالابتذال مرات في عدة قصص جاء منها على سبيل المثال قصص مثل “على الهامش “، “دعوة “، “طرف خيط “، ولكني في كل مرة التمست العذر للكاتب فهو يشرح واقعا مبتذلا فكيف لا يأخذ الابتذال حصته ؟ فانا لن أطلب من ناقد أن ينمق ويجمل واقعا مبتذلا الى حد لا تنفع معه كل مساحيق التجميل، ولا كل مستحضرات التأنق .
لغة الكاتب قوية تكاد تخلو من الأخطاء النحوية، سهلة توصل الفكرة بكل اقتدار، كيف لا؟ وقد خبر الكاتب كل المعاناة من سجن وتعذيب ومعاناة حواجز وتفتيش وإهانة، فكيف لا يكون صادقا حد منتهى الصدق في الوصف .
حري بي أن أذكر أسلوب الكاتب المتفرد في احياء الشهداء والراحلين والحديث بكلامهم حيث الحياة ما بعد رحيلهم، ومشاهدة كمّ الدجل في جنازاتهم والادعاء بعد ،يد من الأحياء أن يخجلوا من صنيهم اتجاه من غادروا قسرا بفعل القدر ، وأن يتركوهم يرقدون بسلام ولا يرهقوهم بجبنهم وتخاذلهم ، فقد أمسوا في دار الحق، ويجدر بالأحياء أن يخرسوا ويبلعوا ألسنة كذبهم، وأن القدر شاء أن لا يتحدثوا ويكشفوا هشاشة الحياة بعدهم، فقد ارتأى الكاتب أن يتحدث بلسانهم عل الأحياء يتعظون ربما .
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
العنوان “شذرات الصفيح”الشذرة هي المقطع أو الفٖقرة من الكتاب، والصفيح هو رقائق الحديد، والعنوان يرمز إلى بيوت الصفيح، المخيمات والشتات، ودلالات المعاناة، وأيضا فإنّ مفهوم الشذرة هي تقديم الفكرة بشكل إيحائي مبرق، أكثر من الشرح والتفسير، وفي هذه المجموعة القصصية يبوح ويبرق الأديب من خلال كل شذرة من الشذرات الحارقة من لهيب الصفيح بوجع ومعاناة الوطن وحالته المضطربة، آلامه مخاوفه قلقه آهاته المكبوتة، يجول بين الحاضر والماضي ويتنقل بين العصور، يسافر بقلمه بين الأحياء وعودة الموتى والشهداء؛ كي ينتقد الجوانب الاجتماعية والسياسية التي تؤلم المواطن الفلسطيني، وتعبر عن همومه، فيصور لنا بشكل ساخر أثر الاحتلال على ظروف معيشة المواطن الفلسطيني في تنقلاته وتقييده أمام الحواجز، وينتقد كتم الأفواه وعدم الحرية في المجتمع الفلسطيني، النفاق الاجتماعي والمحسوبيات والواسطات، ثرثرة المجتمع وغيبتهم، وسلوكياتهم، التناحر والانقسام والاختلاف في التوصل لرأي واحد، تطرق إلى السعادة المفقود التي يحلم بها المواطن العربي بسبب أثر الحروب، معاناة الأطفال، حالة الحرمان عند الفقراء، وصراع المواطن في تيهه ما بين الاعتقال والظروف المعيشية الصعبة، وقد صوّر علاقة المسؤول بالمواطن التي تتلخص بالمصالح، فعلى المواطن النباح كي يصل لمراده، كلّ ذلك بأسلوب نقدي لاذع وساخر، بعض النصوص كانت شبيهة بأسلوب الماغوط في “سأخون وطني” حين يتعلّق الأمر بهوية المواطن وحريته، جاء أسلوب الكاتب يتأرجح ما بين الواقعي والرّمزية، ومن يقرأ للأديب حسين يلاحظ بصورة جلية استخدام الرمزيّة في كتاباته، كما في مجموعته القصصية “ظلال الوهم” .على سبيل المثال،جاءت النصوص بلغة قوية، نصوص الأديب ليست سهلة وتستدعي من القارىء الوعي والتأمل، وقد استعان الأديب حسين بشخصيات الحيوانات من أجل تمرير فكرته، قام الأديب بتلخيص فكرته في نهاية النصّ بشكل مختصر بأسلوب غير مباشر، استخدم الأديب الحوار، وقد تزينت القصص بالخيال،وتكرار “قيل أنّه” “رُوى عن” “قال فلان وقال فلان” للتأكيد على ضبابية ما يحدث، وعدم صدق كل ما يقال.
أمّا الشخصيات فكانت تتمحور حول شخصية واحدة في كلّ نص، مثل الشهيد،الصديق،الكاتب،ملاك الموت وغيرها.
رأيت في مجموعة النّصوص حالة المواطن الفلسطيني في صراعه مع الهوية والبحث عن الذات المعذبة، والبحث عن الأمن المفقود في ظلّ الاحتلال،وكأنّ الأديب يصرخ من خلال قلمه، ويقول:هذا وجعنا وتلك همومنا فما زلنا نتألم تحت شمس الصفيح الحارقة.
وقالت رفيقة عثمان:
استخدم الكاتب أسلوب الرّمزيّة، والتّلميح في الكتابة؛ لتجسيد الأحداث الواقعيّة والخياليّة؛ ليتيح للقارئ فهم وتحليل ما يقرأه، برأيي هذا النّوع من الكتابة بحاجة لقرّاء ذوي خبرة ومعرفة بالحياة السّياسيّة والاجتماعيّة، ولا يتقن تحليلها وفهمها الفتيان لوحدهم دون مساعدة من البالغين.
تعريف الشّذرة في معجم المعاني الجامع: الجمع شُذُور، شَذَرَاتٌ، واحدةُ الشّذْر. شَذَرات الذّهب: القطع المُلتقطة من معدنه. معنى شذرات أدبيّة: نبذة فقرة أو مقطع نص تعبيري يحتوي على أكبر عدد ممكن، من الأفكار في أقل عدد ممكن من الألفاظ. معنى الصفيح في قواميس ومعاجم اللّغة العربيّة: جمع صفيحة: رقائق من الحديد تُستعمل في صنع الأوعية أو أغراض مختلفة.
وُصفت لغة الكتاب، بلغة عربيّة فصيحة، تكاد تخلو من الألفاظ العاميّة، لغته جزلة، ذات صياغة سلسة وسهلة، ذات السّهل المُمتنع.
إنّ اختيار الكاتب شكري للعنوان كان موفّقا؛ حيث جمع بين الشذرات والصّفيح؛ تعبيرًا عن النصوص الأدبيّة الّتي كتبها الكاتب في كتابه، فكلّ شذرة عبارة عن نص تعبيري نافذ، وقوي مثل قطعة الصّفيح، أي مختارات مختلفة ومتنوّعة لأفكار وخواطر، ذات نقد لاذع، وشديد التعبير في حجم صفحة، أو صفحة ونصف لا أكثر. قليل التعبير والألفاظ، وشديد التأثير.
وظّف الكاتب الشخصيّات الحيوانيّة في معظم الشّذرات، كرموز للشخصيّات الإنسانيّة وسهولة التعامل معها، وإسقاط الأحداث عليها، دون أن يترك نقدًا عليه، خاصّة عند التطرّق للمضامين السّياسيّة والاجتماعيّة. كما ورد في شذرة “أبو شحادة” صفحة 34، و “إعوجاج” وغيرها.
استخدم الكاتب أسلوب الحوار، والحوار الذّاتي في معظم الشّذرات، ممّا أضاف جماليّة ومتعة في القراءة؛ كما ورر في شذرة “تفانٍ” و “الّلا إنتماء” و”استقبال”؛ كما كان صوت الرّاوي بضمير الأنا في معظم الشذرات؛ ممّا أضفى مصداقيّة في سيرورة السّرد.
استعمل الكاتب بعض التّناص الدّيني، كما ورد في شذرة “الأعور” صفحة 60 “ارتطمت أفكاري بإرم ذات العِماد” بالتناص مع آية ” ألم ترَ كيف فعل ربّك بعاد، إرم ذات العِماد” سورة الفجر – الآية 6-8.
برأيي تعتبر هذه الشّذرات إبداعًا أدبيّا من إبداعات الكاتب شاكر؛ حيث طرح عددًا من الشذرات المُكثّفة فكريّا ولغويّا، وما تحتويه من مضامين: سياسيّة، واجتماعيّة، وإنسانيّة، فيها الحكمة والموعظة؛ واقترح على الكاتب بتسمية العنوان ب: “الشّذرات الذّهبيّة”؛ نظرًا لجماليات الصّياغة والتعبير، والنقد البنّاء اللّاذع، الّذي يغلب عليه حس السخرية والهزل والمُفارقة، وجمالية التّناقضات. هذا بالإضافة لتضمين عنصر الخيال الواقعي في بعض الشّذرات، كما ورد في شذرة “دوّامة” صفحة 26 “قبل أن تأتيني الغفوة سمعت دويًّا، واستقرّت في صدري رصاصة، أثناء الجنازة رأيتُ الشّخص يتقدّم المُشيّعين”. وكذلك في شذرة “استقبال” وغيرها.
هذا النّوع من النصوص النثريّة الأدبيّة “الشّذرات” راقت لي جدّا، فهي مواكبة لتطوّرات العصر الحديث، والقراءة السّريعة، مع توصيل الفكرة الأساسيّة بالقليل من الألفاظ والتعبير، بما يشابه الأفكار المُفبركة، أي ما قلّ ودلّ.
وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:
انطلاقا من عنوان الكتاب ، فكلمة شذرات هي جمع شذرة، وهي القطعة من الذهب أو الخرز توضع بين حبات العقد؛ لتفصل بينها بلونها المختلف.
اختار كاتبنا أن تكون شذراتُه صفيحا، فانطبق الاسم على المسمى فكان صفيحا ساخنا أحيانا وباردا في أحيان أخرى، وناعما ومشذبا في بعضه وخشنا جارحا في بعضه الآخر، ورأيته صفيحا مرات كما سماه كاتبه، وحينا لم أره شيئا يمكن تمييزه وإعطاءه إسما.
ومن كلمة شذر جاء المثل العربي: ذهب القوم شذر مذر. أي ذهبوا في كل اتجاه. وشذرات كاتبنا ذهبت في اتجاهات شتى وإن جمعها كتاب، فهي لا يربطها رابط واحد المعالم جلي التضاريس من حيث الشكل والموضوع، إلا أنها لهذا الكاتب.
أمّا من حيث الكاتب فلا أشك أنه متمكن في فنه، وفي شذراته هذه مزج الحقيقة بالخيال والفلسفة واللامعقول أحيانا حد الاغراق، وترك للقارىء أن يسبح معه فيها ويستنتج منها ما يريد هو لا ما يريد الكاتب، والبعض يسجل ذلك نقطة في صالح الكاتب، والبعض يراها غير ذلك إذ يعتبر الكاتب صاحب رسالة ويجب أن يوصلها إلى القارىء عن طريق كتاباته، فلا يوجد كتابة من أجل الكتابة وبلا هدف ومراد، فلا نقرأ مثلا آية في كتاب الله الذي هو أحسن الحديث طُرا، ولله المثل الأعلى، إلا ونسأل ما مُراد الله من هذه الآية ؟ إلا إذا أراد الكاتب ذلك على مبدأ أن تكون النهاية مفتوحة. ففي بعض شذراته كان الغموض واضحا جدا ومرمزا إلى درجة أن القارىء (وأنا أتحدث عن نفسي) ،لم أصل لا إلى مرادي ولا مراد الكاتب.
لا شك أن في شذرات كاتبنا الجميل مفاجئات رائعة تبعث على التفكير والتأمل، وفيها أغلب الانفعالات الإنسانية من حزن وأسى وفرح ويأسٍ من حال وصلنا إليه، ممزوجٍ بقليل قليل من الأمل في جو لا يخلو من سخرية مضحكةٍ حينا جارحةٍ في أحيان أخرى، بإتقان يختلف من كاتب لآخر تظهر كومضات في السطر الأخير بعد عتمة أو ضياع.
لم أجد في شذرات الكاتب أي توجيه او مدلول يومىء إلى تصور حل أو رؤيا للخروج من أي مأزق، أو بحثٍ في سبب ما نحن فيه، بل كان ما كتبه تصويرا واقعيا مباشرا حينا، وبشكل كاريكاتوري ساخر ومرمزأحيانا أخرى، ولم أر فيه روح الثورة مباشرة أم غير مباشرة، بل رأيت الخروج بالموت حينا والهرب بأخرى، أو الرضى وعدم التعليق. مع أن ما كتب على اختلاف أشكاله لم يخرج عن واقع يعيشه كل واحد منا بشكل أو بآخر. وكأن الكاتب لسبب ما لجأ لهذا الأسلوب من التورية والسخرية والخيال، واكتفى بالتلميح دون التصريح. إلا إذا اعتبر هذا النوع الساخر من الكتابة نوعا من الثورة.
جميع شذرات كاتبنا وبشكل عام رائعة الرواء، متينة المبنى صيغت بشكل حوار يبعث على مشاركة القارىء من وراء ستار، حيث يتصور نفسه أي القارىء لو كان في هذا الموقف وهذا المكان وكيف يتصرف …..
أخيرا لي ملاحظة كبيرة، وكبيرة جدا، وأكبر من كل ما كتبت، وهي أن شذراته كانت مشكلة، والتشكيل شيء جيد إذ يحدد المعنى المراد إذا كان سليما ومتقنا،
ولست أدري أهو الكاتب من شكل شذراته أم أنه المدقق اللغوي في دار النشر؟
وبالمرور صفحا عن بعض الأخطاء اللغوية والمطبعية، وعلى فرض أن الكاتب هو من قام بالتشكيل فتلك مصيبة. وإن كان المدقق فالمصيبة أعمّ وأشمل، وأشد وطأة وخطرا. فأخطاء التشكيل أكبر من أن تحصى ولا تخلو شذرة منها بشكل فاضح. وليت التشكيل لم يكن لكانت القراءة أسلم وأرحم.
من جهتي أنا فإني غيور على لغتي إلى حد أن أتوقف عن إكمال القصيدة التي أكتبها أياما من أجل صحة تشكيل كلمة واحدة، فأنا أعشق لغتي ولا أحب أن أراها دائما وأبدا إلا في أجمل هيئة وأبهى حلة وأرفع مكان.
وكتبت رائدة أبو الصوي:
36 قصة قصيرة مثيرة وجذابة، بداية شكرا جزيلا للكاتب على الإهداء، شعرت أني مقصودة بهذا الإهداء، وأكيد أن الكثيرين من القراء شعروا بهذا الشعور،:الى الذين يدركون الحقائق ويجعلون لموقعهم قيمة ويشاركونني الرأي في قراءة الواقع لتحديد أشكال المعرفة وتعيين الضرورة.”
تستحق حقا هذا العنوان مع أني عند قراءة القصص وجدت أمامي، مرايا، شبابيك
أبوابا، ومضات، لسعات. عناوين تليق بالقصص.
الكاتب الفلسطيني حسين شاكر ابن عرابه له نظرة وأسلوب وزاوية رؤية جذابة جدا، تغرق القاريء في بحر من التفكير، والجميل أن يجد القاريء توافقا مع الكاتب بالرغم من استخدام الكاتب للتلميح في كثير من القصص، إلا ان اللبيب من الإشارة يفهم.
القصص تستنهض المشاعر، فيها فلسفة وزاوية الرؤيا، كل يغني على ليلاه.
من بداية القصص والقصة الأولى إلى أنا وشادي عناء وعذاب المواطن
وتسلط الحكومات، أحدهم يكذبه والآخر يتهمه بالردة، وبين حانا ومانا ضاعت لحانا.
بطل القصص عنده أمل وحلم، حلم بالوحدة وهذا ما لمسته في بداية القصص عندما سئل من أين أنت؟ فقال ( بالاتحاد العربي)، يحلم بالوحدة العربية، يا شعوب الضاد لازم بالوجع تتوحدي ويا دنيا علينا اشهدي ( كلمات نزار فرنسيس.)
وجدتني أمام فيلم الحدود لدريد لحام، في يوم في أسبوع،فلسفة ( مت بسبب إعاقة الحركة!)
ص( 16) نص فيه عمق،خشيت على موتي … لم أنبس ببنت شفة …فصمت صمت القبور. بعد قراءاتي لهذا النص ذهبت بالتفكير في القبور وصمت القبور،الصمت القاتل .
ص ( 19) حلول، وصف جميل جدا وتعريف جديد للكتاب.
كان الكاتب في هذه القصص لسان حال المواطن .المواطن المغلوب على أمره في زمن المتسلقين والمتسلقات والمحسوبيات والماديات وأكيد الوضع السياسي المعروف لدى الجميع.
في قصة دوامة، عندما تحدث عن أسماء الصحابه علي وعمر، وتحدث عن سيدنا عيسى عليه السلام، جميل جدا هذا التسلسل، وعندما ذكر واحد منهم أعتقد انه يقصد محمد عليه الصلاة والسلام.
القصة قبل الأخيرة أنا وشادي والحلم العربي، أنا وشادي والطفولة المفقودة المنهوبة
من منا لم يشعر بمشاعر شادي؟ من منا لم يكن يوما في نفس المكان؟ من منا لم يضيع ولم يضيّع حلما جميلا؟
وكتبت دولت الجنيدي أبو ميزر:
في قراءة للواقع وبين الحقيقة والخيال ومزج الحديث مع القديم، قدم لنا الكاتب حسين حلمي شاكر كتابه شذرات الصفيح، بأسلوب سردي جميل يحاكي القصة القصيرة. كلماته مدروسة وسهلة، وأسلوبه لا يخلو من الصعوبة أحيانا، حيث يحتاج القارئ إلى التفكير والتحليل لسبر غور ما يقصده وما يرمز إليه في كتابته، التي يَحتمل تفسيرها أوجه عديدة، قدمها بأسلوب فلسفي، يستطيع القارئ أن يستشف منه ما يقصده.
محورها الوطن وما مرّ ويمرّ من أحداث، والإنسان ومشاعره والعادات والتقاليد والأفكار والأفراد والمجتمعات الصغيرة والكبيرة. لا تخلو من الغوص في تعامل الحاكم مع الشعب، والمسئول مع الإنسان العادي، بأسلوب تحليلي نقدي وأحيانا تهكمي ساخر. وكان للحيوانات والطيور دور في قصصه، مزجها بشكل رائع؛ لتكون جزءا من القصة.
تحدثت كل شذرة من شذراته عن موضوع معين بأسلوب حواري جميل لا يخلو من الرمزية أحيانا. واستعمال استعارات وتعابير جميلة مثل خفت على موتي فصمتّ صمت القبور، أي أن في الموت راحة.
وفي حادثة الدهس على ممر المشاة من سيارة موكب رسمي يقول: مت بسبب إعاقة الحركة. وهنا يظهر جليا أنه لا قيمة لحياة الفرد عند المسئولين.
فمثلا في شذرة اعوجاج قرر الشخص الذي تولى المسئولية أن يبحث عن حاكم، وعن مصدر وفاء فدخل في نقاش مع نفسه، وحاول أن يرشي الكلب بعظمة، فرماها وفاء لصاحبه، وقرر اللقاء مع آخر؛ ليبين كيفية تأهيل العملاء من الكلاب الضالة.
وتجسدت الرمزية في شذرة حلول التي تخص الحاكم وأسباب عدم استقراره والحلول التي يسخرها في مصلحته، سخر الملائكة في نصرة الثورة، وناصر ثورة النساء تلميحا عن اتفاقية سيداو.
وتدخل الشيطان الذي داهمه وكان يعرفه فأحضر معه من يكونون الأسباب الاحتجاجية وكل واحد قدم له تهمة عاشرُها مناصرة المرأة وهو يبحث عن شيطان.
وفي شذرة احتفاء تطرق للنساء اللواتي يلبسن ما تنتجه دور الأزياء ويتزين على ذوق تجار أدوات التجميل.
وأن من يفوز في المسابقات محضر سلفا وليس لكفاءته .
كما واستعمل التناص مع الآية القرآنية الكريمة والنجم إذا هوى، تعبيرا عن سقوط النجم الحقيقي في أيّ منافسة، ووضع من يريدون ترجيحه في مكانه.
وفي هتاف الحاكم وزبانيته لا يهتمون إلا بأنفسهم وتقسيم الإنتاج عليهم، وإرضاء العدو وصديق العدو للحصول على البركة والتظاهر بالوطنية، وإحياء الموتى وإبعاد كل من يعترض طريقهم لتخويف الغير.
وشذرة تنافر ترمز إلى الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها ولا حدود لها، وأجزاؤها متناثرة وهي من استسلام الى استسلام، وكل ما يهم الحاكم، حتى وصلنا إلى دولة متناثرة لا تشكل دولة.
وفي العيب والقرش تحدث عن ملابس السباحة للنساء منها المستور ومنها غيره.
وفي شذرة جدل تحدث عن قصة ليلى والذئب التي ترمز هنا إلى سرقة اسرائيل للوطن، وأن فلسطين لا زالت في القلوب.
ويتحدث عن تناقضات كثيرة وواقعية باسلوب ساخر مثل المرأة التي تصوم وتصلي وتتصدق بأموال الغير.والشيخ الذي يسهر الليل؛ لينظر الى جارته التي قرأ في بيتها مولد.
استعمل جملة البحث عن الذات فلكل كلمة معنى عميق وهدف ورمز.
كم من الوقائع والأحداث تتسابق فيها معان كثيرة وتحليلات منطقية.
قارن الماضي بالحاضر، مثل العربي يتدثر أحيانا بفقرة من كتاب تاريخ ويتعرى دائما عند حدوث الهزيمة، وهذا هو حالنا الآن نفتخر بماضينا ولا نعترف بالهزيمة.
وفي العودة إلى الماضي غاص في أعماق التاريخ حيث قال: كان القائد في الماضي يسرق لغيره ولا يسرق لنفسه. وقائد غزا ولم يُغز من أحد. والآن غزواتنا على بعضنا ونتعرى من ثوب الهزيمة.
وأن الضيف طلب من المختار تفويضهم في الأرض والعرض والولاء والسياة . وعادة هذه الأشياء يجب عدم التفريط فيها أبدا .
تحدث عن رحلة المرور على الجسر بين الضفة الشر قية والضفة الغربية لنهر الأردن وسرد المعاناة بأسلوبه الخاص المعبر.
تحدث عن تلفيق الأخبار وتزييف الأحداث والقتل على النية.
وفي قصة ظريف الطول وضياع شادي مثال على أحلام الشعب الذي ينتظر النصر والعودة والتحرير في فلسطين وفي لبنان ووحدة الحال بينهما.
كتب عدة شذرات عن الحب والمحبين واختلاف تطلعاتهم وتوجهاتهم بأسلوب جميل يجلي العتمة.
وختاما بدا مشهد آخر بمهرجين على مسرح غير الذي اعتاده المغفلون.
هذا الكتاب يمكننا الكتابة عنه أكثر من ذلك، ولكن لا مجال هنا للتطويل أكثر.
وقالت خولة احمد الإمام:
يذكرني هذا الكتاب بالشاعر مظفر النواب الذي يطرق باب الواقع العربي، حيث الفكر محاصر، والنبض مقيد، لا تملك حرية التعبير أو التفكير أو حق الاختيار .
يسرد الكاتب لقطات ومشاهد تنتقل ببراعة بين الفكرة والقول والحوار العقلي الداخلي، والحوار بين الأشخاص في كل مشهد؛ ليصف حالة الشعور واللاشعور والخيال والواقع والمعقول واللامعقول، والمنطق واللامنطق في اختزال وتكثيف واقتضاب .
في صراع داخلي بين القول والفعل والوعي واللاوعي تتضارب الأفكار بين السطور؛ لتمرر لنا وجع الشارع ووجع المواطن والصراع السياسي والفكري والعقائدي، الذي ينتهي بالصمت والخنوع والرضوخ للواقع المسلوب الهوية والإرادة .
استخدم الكاتب تضمينا لآيات قرآنية مثل ( والنجم إذا هوى) ص ٢٢ تحت عنوان “احتفاء” للتعبير عن الاشتباه بأي كلمة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة ،وتوجيهها منحىً مضادا، ووصمها بالمعارضة فكل حركة وفكرة ونبض للفرد دوما تحت المجهر .
كل عنوان شذرة يعبر بها عن عصارة فكر الكاتب بين السطور/ ورؤيته للواقع الأليم وما بين الفكرة والمضمون، تتجسد براعته في رسم المشاهد، والانتقال بين الحركة والفكرة والسؤال والجواب بطريقة سلسة تجذب القارئ .