لقاء مع الفنانه التشكيلية منال محاميد
ميسون أسدي
تاريخ النشر: 10/07/22 | 13:10ترى ما هو غير مسموع وتسمع ما هو غير مرئيّ
*والدتي التي أنهت عامها الـ 87، ردّدت مرارًا وتكررًا بأن مؤسسة الاحتلال شوّهت تراب أرضنا وقتلت النباتات والحيوانات بعدّة طرق، مثل رش المبيدات من الجو وادخال نوع من الافاعي السوداء اليها، والدتي التي فلحت في 70 دونم أرض لوالدها و70 لوالد أبي، أخبرتنا بأنّ هناك عصافير غريبة في ساحة بيتها تقتل عصافير الدوري الموجودة بكثرة في سماء القرية، وامي كانت تصرخ عليها وترفع عكازها في الهواء لتحمي طيور الدوري منها. كنّا نعتقد بأن والدتي تثرثر لتسليتنا، لكنّني صدمت حينما التقيت بالفنانة منال محاميد وعلمت بأنّها تحضر لشهادة الدكتوارة في مدينة دبلن تحت عنوان: “الحيوانات تحت المظلة الكولونيالية الاستعمارية”.
تقول منال: أن تغيير الطبيعة الفلسطينية وتسميم النباتات والحيوانات هو جزء من محاول طمس الذاكرة التاريخية التي يمارسها النظام الكلولونيالي الاسرائيلي من خلال التغيير في جغرافيا المكان، الأمر الذي يؤثر على الميزان البيئي للحيوانات البرية الفلسطينية تمامًا كما يؤثر على الرواية التاريخية فيما بعد. وان عملية تشجير القرى الفلسطينية المهجرة في الداخل بشجر ليس بالأصل من هذه الأرض تم جلبه من الخارج بهدف تغيير طبيعة بلادنا ولإخفاء المعالم الطبيعية التي تدل على وجود حضارة فلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى لمحاولة تأسيس مشهد توراتي لفلسطين بهدف خلق رابط تاريخي يدعم الرواية الكولونيالية الصهيونية.
منال فنانة تشكيلية فلسطينية، تدمج في أعمالها بين الفيديو، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي والكولاج والأعمال الإنشائية. لها تقنيات عدّة، منها الفن التركيبي. مالت منال محاميد عن قواعد الفنّ الأكاديميّ ووجّهت اهتمامها إلى الفنّ المفاهيمي من خلال استخدام مواد مختلفة في فنها، ومن أهمها استخدام جسدها، وإظهار الرفض والتمرد والمقاومة.
• ما هي المفاهيميّة في الفنّ التّشكيلي؟
– أيّ شيء من الممكن أن يتحول إلى عمل فنّيّ في حالة إخراجنا له من سياقه العام. الفن الكلاسيكي باستعماله القماش والألوان والزّيت، وغيره من الوسائط التقليدية الأخرى، قد تصبح عاجزة عن مجاراة الإيقاع السّريع للعصر أحيانا. ففي اعمالي الوذ إلى استعمال أي خامات قد تخدم الفكرة بدون التزام مسبق بمادة معينة ولهذا قد استخدم احيانا بقايا المعادن والخشب والزّجاج والأشياء المأخوذة من الاستهلاك اليوميّ وأحيانا أخرى الألوان الكلاسيكية. وتوظيف هذه العناصر كبدائل بصريّة وتركيبيّة معاصرة في قوالب جمالية وفنية، ومع ان المفاهيمية في الحركة التـّشكيليـّة تهتم بالأساس في خدمة الفكرة وأقل في الجمالية، إلا أنني أهتم في أعمالي المفاهيميّة بالجانب الجمالي بدرجة عالية.
• أرى أن الوطن حاضر في اعمالك الفنية بشكل مكثّف.
– أعمالي تبرز الهوية وطبيعة بلادي، وعلاقة الإنسان بمحيطه. وحمله لفكرة العودة والحق والمقاومة والظّلم والعنف والهويّة والانتماء وغيرها، اعمالي تبرز الحق في الحياة كما وتبرز لعنة الاحتلال.
• شاركت في معارض عديدة ومهمة في مسيرتك الفنية.
– شاركت في معارض فردية وجماعية عرضت أعمالي المتعددة في عشرات المعارض الجماعي في فلسطين وحول العالم في لندن وشيكاغو ودسلدورف وحيفا ورام الله وأم الفحم وأريحا وبروكسل وغيرها. كما شاركت في الإقامة الفنية التي نظمتها مؤسسة ديلفينا في بينالي رواق في عام 2007. أضافة الى معارض فردية في فلسطين وخارج الوطن.
• جوائز ومنح وإقامات
– حصلت على عدة جوائز منها: جائزة التفوق من جامعة حيفا، إقامة فنية في غاليري آرتهاوس- القاهرة، مصر، منحة فنية من مؤسسة عبد المحسن القطان، رام الله، منحة التميز، كلية الفنون همدراشا وغيرها الكثير.
• الغزلان تحب أن تموت عند أهلها
ولدت في قرية معاوية المحاذية لمدينة أم الفحم. بدأت التعامل في مجال الفنون البصرية منذ جيل صغير. في بيت والدي كانت معلقة صورة والدي وهو يحمل بيديه غزالا وقد أحببتها حبا جما. عملي الغزال الفلسطيني المميز له سمات خاصة ويختلف عن باقي الغزلان الشرق أوسطية، فهو يمثل مزاجي الشخصي من نفي ونكبة في ربط مميز في مشاهدة البحث عن المفقود وإعادة كيانه في جغرافيّة وطنه الفلسطيني… استوحيت فكرة الغزال من لافتة ثلاثیّة اللّغة كنت قد رأيتها في حديقة الحيوانات خلال رحلة مع أطفالي، كتب فيها بالعربية والإنجليزية “الغزال الفلسطيني”، وهو اسم علمي أطلقه عالم أحياء ألماني قبل مائتي عام، فيما كتب على نفس اللافتة أسم الغزال بالعبرية على أنه ” غزال إسرائيلي”… وما زاد من حالة التّشويه هذه هو كون يد الغزلان كانت مبتورة بسبب مرض أصابها. وحالة التشويه التي يمر بها هذا الغزال أصبحت رمزا للتشوية والبتر الذي تمر به الكيّنونة الفلسطينيّة، وغزالي بالرغم من أنه بثلاثة أطراف إلا أنه لايزال نرجسيًا يقف ممشوق القوام معتدًا بنفسه، وشديد الشبه بالهوية الفلسطينية وهي قوية ونفتخر بها. الغزال في ثقافتنا أقوى من الجمل الذي هو رمز للصحراء والغزال للجبال… نحن كفلسطينيين نحمل الهويّة من دون الدّولة، والاذى من الكولونيالية من نصيب الإنسان والحيوان في فلسطين. قال الاديب غسان كنفاني: الغزلان تحب أن تموت عند أهلها، الصقور لا يهمها أين تموت.
• ايقونة الصبر
– نبتة الصبر في الفن بأنواعه أصبحت ممجوجة، لكنني اخذت نبتة الصبر وفكرت كيف يمكنني عرضها للجيل القادم بطريقة جديدة فالنكبة لجيل الآباء كانت مرعبة ويخافون الحديث حولها، ولكن بالنسبة لي الأمر مغاير واتحدث عن ذلك خلال اعمالي وبالنسبة لأولادي سيكون مختلف أكثر، في صغري عندما كنّا نخرج لجولات في الطبيعة، أوّل ما نشاهده هو الصبر، فنقول هنا قرية مهجرة.
عرضت في بلجيكا مشروع ايقونة الصبر وتضمن لوحات وفيديو انا واولادي في الفيديو ولي صورة في صالون الشعر وصبر بين خصلات شعري، أقشر الصبر واضعه في صحن، اضع الصبر في الخلاطة واستعمله ككريم للوجه، يوسف ابني يلون الثمرات وسلمى ابنتي تحاول بناء شكل من الصبر، هذا العمل الفني يحاول أن يثير التساؤلات، عن طريقة العرض واي المواد التي سأستخدمها، ولماذا اختار هذه المواد؟
• الفنّ خلق مفهوميٌّ
– مشروعي للدكتوراة هو بحثي وفني معًا، يركز بشكل أو بآخر على الهوية الفلسطينية، حيث أن الحياة البرّيّة هي أحد أهم معالم الهوية الفلسطينية التي تواجه قساوة المستعمر وفكره، وهي علاقة معقدة في سياق طويل من الصراع الكولونيالي بين المواطن الأصلي والمستعمر.
• ألوان انثوية رقيقة بصرية وفكرية
– تميزت بعض اعمالي عن غيرها بتقنيات الرسم واختيار الألوان، وانا لا اكف عن التجربة باستعمال الألوان والأشكال ونوعية المواد المستخدمة. إن الصراع في داخل أراضي الـ ٤٨ أكبر من مجرد حدود وحواجز، فهو على وجودنا على لغتنا حتّى على قصصنا وذاكرتنا وموروثنا الحضاري”. لذلك، اعرض اعمالي من صميمي المتشابك من الناحية البصرية والفكرية.
• الدكتوارة والجزر البري
مجموعة لوحات “شجر اليهود” تمثل السيطرة التي يفرضها الوجود لاستعماري الذي خلق الحواجز داخل المناطق الطبيعية الفلسطينية من خلق تشجير مساحات كبيرة بأشجار لا تمت لهذه الأرض بصلة من جهة ومن خلال ابادة بعض الفئات النباتية التي اعتبروها معادية لهذه الأشجار الغربية عن طبيعة بلادنا من خلال المبيدات، فهم يحاولون تشويه الطبيعة لتخدم الفكر “والحلم” الصهيوني من خلال احضار حيوانات ونباتات ليست جزءا من الطبيعة الحالة في فلسطين حتى يكون عندهم مرجع وتصديق لما هو مكتوب عندهم في التوراة، وهذا هو موضوع الدكتوارة وهو الحيوانات والمشهد الطبيعي في فلسطين تحت المظلة الكولونيالية الإسرائيلية… أعتقد انه في نهارية تبقى الطبيعة اقوى من جبروت الانسان الهدامة واقوى من الكولونيالية.
• ثقافتنا سمعية أكثر من بصرية
– تضيف منال: ثقافتنا سمعية أكثر منها بصرية، الناس أقرب إلى السينما والادب والشعر والغناء من الفن التشكيلي. لم ندرس في مدارسنا تاريخ الفن لذلك من الصعب علينا أن نكون متلقين للفن وفهم العمل الفني. أحب ان تكون عندنا مساحات تجريبية، فالفن التشكيلي عندنا يعيش في حالة انشاء متواصلة وهذا يسعدني. رغم عدم وجو مساحات كافية للعرض. تخرجت في 2002 وكنت أؤمن بأمور أخرى اختفت من عالمي اليوم … أحب ما يحدث عندنا في المشهد الفني، هناك اعمال فنية تشكيلية رائعة. عدد الطلاب الفلسطينيين في اكاديمية الفنون في ازدياد متواصل. وقراءة العمل الفني الحديث المعاصر بدأ يدخل في مناهج المدارس. وهذا من شانه أن يخلق جمهور متذوق للفن على المدى البعيد.
• معرض في سلايجو
– سأشارك قريبا في معرض في مدينة سلايجو الإيرلندية، والمشروع سيكون له صلّة بموضوع الدكتوارة التي احضر لها. عادة تأتيني الفكرة وابدأ بالبحث عنها مع اشخاص لهم صلة بفكرتي، ابحث في الأرشيفات وعبر الانترنت ومن خلال التواصل مع باحثين في نفس المجال ثم ابدأ برسم سكيتشات للفكرة وأحيانا لا ترى الضوء وأحيانا اخرى انجح بإنجازها، اهم شيء عندي في العمل هو الاستمرارية وعملية الانتاج ذاتها. هناك الكثير من الأفكار الحلوة التي لم تنفذ ولكنني أحاول ان أكون ذاتي في جميع اعمالي.
• استغلال الاحتلال للحيوانات
– الحيوانات والنباتات ستكون جزء من دراستي للدكتوراة وسأركز أكثر على الحيوانات. مثلا عن استغلال الاحتلال للحيوانات، من خلال استعمال الخيل لقمع المظاهرات، والكلاب في الحواجز، وتشفير الجمال حيث أنهم قاموا بسن قانون يفرض وضع شيفرة تحت جلد كل جمل، اضافة الى قضايا أخرى عدم تمكن ادارة حديقة الحيوانات في غزة من احضار حمار الوحش الأمر الذي انتهى بهم الى أخذ حمار عادي وتلوينه بخطوط حمار الوحش.
• تضحيات الفنان
– لقبي الأكاديمي الأول كان تربية خاصة وفن، والماجستير في موضوع الفن، ودرست علوم متاحف وامانة المعارض في جامعة تل ابيب، عملت في مهنة التدريس والأكاديمية فترة طويلة. عملت في مهنة التدريس فترة طويلة لأن الفنان لا يستطيع ان يوفر لقمة عيشه من فنه فقط.
– زوجي داعم كبير
– عاشت عائلة والدي في مدينة يافا بعدها انتقلوا إلى حيفا لمدة ثلاثة أعوام ومن إلى ام الفحم وبعدها إلى معاوية احدى قرى ام الفحم. عمل والدي كجنائني وكان عنده ذوق وفن الحدائق والورود ودرس خالي فن تصميم الأزياء في كلية شنقار، فالفن عندنا متوارث بصورة طبيعية وطفولتنا القروية جعلتنا نفكر ونبدع ونخلق العاب وأفكار خاصة بنا، امي تشجعني ولكنها تقول الفن صعب. زوجي داعم كبير لي ويقف جنبي في كل اموري، انتقلت واولادي الى السكن في دبلن منذ عام، للتحضير لدراسة الدكتوارة.