بطش الجيش البريطاني بأهل قرية إجزم
د. محمد عقل
تاريخ النشر: 20/08/22 | 12:04تقع قرية إجزم في القسم الغربي من جبل الكرمل، على بعد 19 كم جنوبي حيفا. في شرقها يقع جبل الماقورة، وفي غربها جبل المغير، وفي شمالها الشرقي سهل يسمى وادي الحمام، وفي شمالها يمر واد يصب في البحر الأبيض المتوسط يدعى وادي المغارة.كانت إجزم ثاني أكبر قرية في قضاء حيفا حيث بلغت مساحة أراضي إجزم 46905 دونمًا. أما عدد سكانها فكان في العام 1913م 1377 نسمة، وفي سنة 1922 بلغ عدد سكانها 1610 نسمات. وفي العام 1945 ارتفع العدد إلى 2970 نسمة منهم 2830 مسلمًا و140 مسيحيًا.1
“الثورة الكبرى”
في 19 نيسان/أبريل 1936 اندلعت في فلسطين ثورة كبرى ضد البريطانيين. اعتاد الثوار نصب الكمائن للسيارات المارة على الطرق الرئيسة بقصد إرباك الجيش البريطاني وإيقاع الخسائر في صفوفه.2 وبالقرب من عتليت أقام الإنجليز معسكرًا كبيرًا للجيش، وإلى الجنوب منه سجنًا زجت فيه بعدد كبير من الزعماء والنشطاء المعارضين لسياستها وثم من اعتقلتهم من الثوار الفلسطينيين. في الأدبيات الفلسطينية أطلق على هذا السجن اسم معسكر الاعتقال في عتليت. في سنة 1938 اشتد أوار الثورة في المنطقة الواقعة بين إجزم وجبع وعين غزال. القرى الثلاث المذكورة سميت في العام 1948 بمثلث الكرمل، واشتهرت بشدة مقاومتها للجيش البريطاني وفيما بعد للقوات اليهودية. في العام 1938 كان موشيه لازاروفيتش، وهو ضابط يهودي، نائبًا لمدير السجن المذكور ويعيش مع أسرته في معسكر الاعتقال.3
لاجئون من إجزم عام 1938
شارك أهالي إجزم في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 وتشكل فيها فصيل بقيادة أحمد عبد المعطي نوفل. كان هذا الفصيل تابعًا لقيادة الشيخ عطية ثم لقيادة الشيخ يوسف سعيد أبو درة الذي كان قائدًا لمنطقة جنين ووادي عارة ومرج ابن عامر والكرمل. كانت القرية عرضة لتنكيل الإنجليز كلما جرى تعرض للسيارات المارة على شارع 4 المؤدي إلى حيفا.
في صرفند الواقعة إلى الجنوب من سجن عتليت أقيم مطار ومستشفى خاص بقوات سلاح الطيران البريطاني. في شباط/فبراير 1938 عمل في هذا المستشفى الضابط، أرنولد ألدرسون، وهو برتبة قائد سرية أي قائد سرب طيران، وهو جراح كبير، والطبيب العسكري الرئيس في مستشفى صرفند العسكري، إلى جانبه عملت المس ديانا نيومان، رئيسة طاقم الممرضات، وهي أخت أحد الضباط الإنجليز العاملين في مصر.
“كمين الثوار وعقاب جماعي”
في يوم الجمعة 18 شباط/فبراير 1938 كمن الثوار بين معسكر الاعتقال في عتليت وقرية جبع، وراحوا يطلقون النار على السيارات المارة على شارع حيفا- يافا. وقد نجحوا في إصابة عدد من السائقين اليهود. في الساعة الثالثة والربع مرت سيارة أجرة يقودها الضابط ألدرسون، ومعه المس نيومان وزوجته، فأصلاها الثوار بالنيران، فأصيب ألدرسون برأسه ما أدى إلى وفاته، والمس نيومان أصيبت بجراح خطرة. وقد نقل جميع هؤلاء إلى مستعمرة “زخرون يعكوف” بسيارة إسعاف. وفي اليوم التالي نقل جثمان الضابط إلى الرملة لدفنه في المقبرة العسكرية، أما المس نيومان فنقلت إلى المستشفى الحكومي في حيفا، وقد طرأ تحسن على حالتها الصحية.
كانت لمقتل الضابط ألدرسون في وضح النهار أصداء كبيرة في فلسطين كلها، وقد أبرزت الصحف العبرية والعربية وبالستاين بوست بالإنجليزية الحدث في عناوينها الرئيسة.
نسف بيوت في إجزم
في صباح 19 شباط/فبراير الباكر وصل إلى قرية إجزم رجال من الشرطة ومعهم كلاب قص الأثر، وقوات كبيرة من الجند البريطاني، هؤلاء، الذين يسميهم الأهالي العسكر، فرضوا طوقًا على القرية وحظرًا للتجوال. وكذا فعلوا في قرية جبع وعين حوض والمزار. وراحوا يغشون الدور فيحطمون الأبواب ويقلبون البيوت أسافلها وأعاليها، ويكسرون الخزائن والمرايا وآلات الخياطة والصحون والأقداح والأواني المنزلية، ويخلطون الحبوب بالزيت والملابس. لقد حطموا كل ما صادفهم، وخربوا في إجزم 60 منزلا بهذا الأسلوب الهمجي، ونسفوا بيتين تابعين لمحمد مصطفى الحسن وعبد الله الحسن اللذين اعتقلا. كما اعتقل عقاب أحمد الحسن ومحمد عبد الرازق وعبد القادر واوي وراجح سعيد واوي، ومحمد عبد حردان. تعرض المعتقلون للضرب المبرح، ونقلوا إلى السجن في حيفا، وكانت جراح عقاب الحسن خطرة. في تلك الساعات كانت الطائرات تحوم فوق قرى الكرمل باحثة عن الثوار.4
بالإضافة إلى ذلك فرضت السلطات البريطانية غرامات مالية على أهالي إجزم والقرى المحيطة بها، ولم تنتظر حتى يجمع الأهالي المبالغ المفروضة عليهم، بل صادرت الأغنام البالغ عددها في إجزم 900 رأس غنم، وفي جبع 750 رأسًا وفي عين حوض 700 رأس والمزار 472 رأسًا لتأمين دفع الغرامة الجماعية، وسمحت لمن يملك مالا شراء أغنامه، ثم نقلت الطروش إلى حيفا بالقطار، حيث باعت كل رأس بثمانية شلنات فقط، وذبحت قسمًا منها لمصلحة الجيش. تقول السيدة فرنسيس نيوتن البريطانية، التي زارت إجزم في 22 شباط/فبراير 1938 وعادت إليها بعد شهر “لقد أفرغت القرية من سكانها حيث هجروها، ولم يبق فيها سوى المختار الذي مُنع من مغادرتها، ومعلم المدرسة الذي أنذر بأنه سيفقد وظيفته إذا غادر القرية. كان أهالي القرية قد غادروا بشكل جماعي بعد أن أجبرتهم السلطات على دفع رواتب 15 من رجال الشرطة البالغ حجمها 90 جنيهًا فلسطينيًا، إضافة إلى رجال الشرطة الذين فرضتهم على القرية سابقًا ليبلغ إجمالي عدد رجال الشرطة في القرية 40 شرطيًا. لقد قرر السكان الفرار قبل أن تصادر السلطات مقتنياتهم”.5
“إجزم كانت الضحية”
أثناء التفتيش في إجزم أطلق العسكر النار على محمد شمبور (شنبور) فأردوه قتيلا بحجة أنه حاول الهرب من العسكر. عن تلك الحادثة تروي السيدة فرنسيس نيوتن البريطانية التي زارت القرية بعد أربعة أيام:
تمزيق القرآن
“خلال ثلاثة أيام عاث الجند في قرية إجزم فسادًا إذ دمروا محتويات البيوت ومزقوا كتاب الله. في 22 شباط/فبراير 1938 زارت الكاتبة مس فرنسيس إملي نيوتن قرية إجزم وصورت ما لحق بها من أضرار واستمعت إلى رواية الأهالي”، ومما قالته “ثبت أن المسؤولين عن مقتل ألدرسون هم من قرية الكفرين، ولكن كانت إجزم هي الضحية. لقد رأيت أشياء لا يمكن أن تصدق من تدمير بيوتها ونهب مواشيها وقتل الناس جزافًا. فبينما كان محمد شمبور جالسًا أمام بيته في الصباح الباكر مع زوجته، دخل العسكر وفتشوه فوجدوا في حزامه خمسة وعشرين جنيهًا فطلبوها فرفض، فأخذوه خارج بيته وأطلقوا الرصاص عليه فقتلوه. وجيء بالمختار ليتعرف عليه فلم يستطع معرفته بسهولة إذ أن رأسه كان مهشمًا!! وقد برز مخّه للخارج بواسطة حربة أحد الجنود، ثم سمح بعد ذلك لثمانية رجال بدفن القتيل”. وصدر الأمر الرسمي التالي “يسمح لثمانية رجال بدفن الجثة في مقبرة القرية بما فيهم حافري القبر”، وهذا الأمر موقع باسم سنوكلي ومؤرخ في 19 شباط/فبراير 1938.
وأضافت الكاتبة “أخبرني أحد الذين سمح لهم بأخذ الجثة أنهم وجدوا المخ قد تناثر من الرأس فجمعوه ثم وضعوه في سلة. ولما فتشوه وجدوا أن النقود التي كان يحملها قد سلبت. وقد ترك زوجة وخمسة أطفال صغار أكبرهم في السادسة من عمره وأصغرهم في سن الرضاعة”. ثم أوردت المس نيوتن حوادث السلب والنهب، وحجر الحكومة لجميع مواشي القرية وعددها 900 رأس، وبينها ستة رؤوس ماعز للقتيل محمد شمبور، فظلّ أطفاله من دون حليب. ورأيت أن أفضل طريقة لاسترداد ماعزهم هو أن اشتريها من الحكومة بواسطة النقود التي أرسلتها إليّ جمعية الصليب الأحمر البريطانية فأخذت أخ القتيل وابنه إلى المحجر الصحي فتعرفا على ماشية القتيل فاشتريتها”.
لقد ترك محمد شمبور وراءه زوجة وخمسة أطفال أكبرهم ابن ست سنوات وأصغرهم لا يزال رضيعًا في المهد. العبد شمبور، أخ المرحوم، أصبح المعيل الوحيد لأسرة مكونة من 17 نفرًا التي تضم زوجته وثلاثة أطفاله، وتضم أخاه العاجز وزوجته وأولاده الأربعة. وليس له مساعد سوى ابنه ابن الرابعة عشرة. كانت للمرحوم ست غنمات صادرتها السلطة وافتديتها بمال من جمعية الصليب الحمر البريطانية ورددتها إلى العبد شمبور.6
في 4 نيسان/أبريل 1938 نشرت صحيفة “هآرتس” أن السلطات قررت تعيين 15 حارسًا في قرية إجزم على حساب الأهالي لمنع إطلاق النيران على السيارات المارة على الشارع المؤدي إلى حيفا. أما صحيفة “دافار” فذكرت في عددها الصادر في 14 نيسان/أبريل 1938 أنه جرى القبض يوم الثلاثاء على أربعة من سكان إجزم إداريًا بحسب قانون الطوارئ. كما وضع رجال شرطة وحراس في بيت علي وجمال الماضي على حساب الغرامة المفروضة على القرية.7
“ما بعد الثورة الكبرى”
بعد انتهاء الثورة الفلسطينية الكبرى ألقت سلطة الانتداب البريطاني القبض على حسن محمد مصطفى جيّاب من إجزم وعلى حسن محمد حسن شوشاري من أم الزينات بتهمة قتل الضابط ألدرسون. وقد مثل الاثنان أمام قاضي التحقيق في 24 آب/أغسطس 1940. من بين الأدلة التي قدمتها النيابة كانت رسالة بعثها حسن جياب إلى القائد يوسف سعيد أبو درة يطالبه فيها بتعيينه رئيس فصيل في إجزم. أما الثاني فكان رئيس فصيل في أم الزينات.8 يبدو أن القاضي المذكور أمر بإطلاق سراحهما إذ أن المجاهد حسن الجيّاب بقي في إجزم وهاجر بعد سقوطها بيد الجيش الإسرائيلي إلى منطقة جنين ثم لحق بعائلته التي هاجرت إلى العراق. وقد توفي في مخيم اليرموك بدمشق سنة 2004، أما المجاهد حسن الشوشاري أبو رشاد فبقي في أم الزينات وهاجر مع أهل بلده للأردن وتوفي في عمان سنة 1973.
تخريب في إجزم 19 حزيران/يونيو 1938
من بين الذين أعدمهم الإنجليز في سجن عكا المركزي كان المجاهد أحمد قاسم محمد عبد الرحيم الملقب بالتركي، وهو من قرية إجزم من آل ماضي، ويعرف باسم زعل. كان تابعًا لفصيل الراية السوداء (عصبة الكف الأسود) الذي كان يقوده المجاهد أحمد عبد المعطي. أتهم مع ثلاثة آخرين بقتل اثنين من رجال مخابرات الشرطة في السوق بحيفا يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 1939.
جرت محاكمة الأربعة في المحكمة العسكرية في حيفا على مدار أيام. في 21 شباط/فبراير 1940 أصدرت تلك المحكمة حكمًا بالموت شنقًا على الأربعة جميعهم وهم: أحمد قاسم محمد عبد الرحيم من قرية إجزم، محمد أحمد علي، سليم سمارة البنا وقاسم مصطفى قاسم وهم من قرية أم الزينات.وقد صدق القائد العام للجيش البريطاني في فلسطين وشرق الأردن على الحكم المذكور أعلاه.في يوم الأربعاء الموافق 13 آذار/مارس 1940 نفذ حكم الإعدام على أحمد قاسم محمد عبد الرحيم الملقب بالتركي ومحمد أحمد علي في سجن عكا المركزي.11
يروى أن الإنجليز ألقوا القبض على قائد فصيل إجزم أحمد عبد المعطي نوفل، وحكموا عليه بالإعدام، لكن بعد فترة تمكن من الهرب وعاد ليقارع الإنجليز.
ويروى أن أحمد أسعد الماضي كان عضوًا في عصبة الكف الأسود، وأن الإنجليز ألقوا القبض عليه وحكموا عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم، وبعد سنوات قضاها في السجن جرى الإفراج عنه عام 1945. 9
لقد عانت إجزم الويلات من فظائع الإنجليز وتعسفهم.
معلومات جدا مهمة
شكرا على النشر
ننتظر المزيد
لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم .قديش عانوا اهلنا الفلسطنيين من ذل واطهاد وسلب ونهب حسبنا الله ونعم الوكيل عليهم .والله اني بكيت من الاحداث المؤثره الله يلم شملهم ويرجعوا سالمين