عشتُ أسبوعًا أو أكثر مليونيرًا!”*”
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 06/08/22 | 10:20لستُ من هواة جمع المال واكتنازه، فأنا، والحمد لله، تعوّدتُ على القناعة والاكتفاء بما أكسبه من أجر متواضع مقابل وظيفتي في سلك التربية والتعليم، ولكن ما حدث معي في أحد الأيّام قلب عندي الموازين والمعايير!
ملخّص الحكاية هي تسلّمي رسالة بالبريد الإلكتروني من إحدى الدول الأوروبيّة، وكنتُ أيّامها حديث العهد في التعامل مع الشبكة العنكبوتيّة، وفحوى الرسالة جعلني أعيش أسبوعًا أو أكثر وأنا أشعر أنّني أصبحتُ مليونيرًا!
ورد في تلك الرسالة أنّني ربحتُ أكثر من ثلاثة ملايين يورو في سحب يا نصيب جرى لأصحاب العناوين على البريد الإلكتروني، وكان عنواني هو الرابح!
استكمالًا لإجراءات الحصول على المبلغ طُلب منّي أن أبعث لهم تفاصيلي الشخصيّة: الاسم الثلاثيّ الكامل، العنوان الدائم، اسم البنك الذي يوجد لي فيه حساب، رقم حسابي في البنك، وعنوان البنك ليرسلوا إليه المبلغ!
أصدقكم القول: عشت بضعة أيّام وأنا أحلّق في الخيال وأفكّر في هذه الهديّة؟!
ماذا أفعل بعد أن حظيتُ بهذا المبلغ الضخم؟
هل أترك وظيفتي التي أمارسها منذ أكثر من ثلاثة عقود، أم أواصل العمل؟!
كيف سأستغلّ هذا المبلغ الذي لم أحلم به من قبل؟
كيف سأوزّع قسمًا من المبلغ على أبنائي الخمسة، وهل سأكون عادلًا في التوزيع؟!
هل أبيع سيًارتي القديمة وأشتري سيًارة جديدة من الطراز الفاخر تليق بالمليونير الجديد؟!
كيف أتصرّف ببقيّة المبلغ، هل أشتري قطعة أرض لأغرس فيها أشتال الزيتون وأجني منها بعد سنوات الزيت الصافي المنعش؟!
أو ربّما وظّفتُ قسمًا من المبلغ في مشاريع اقتصاديّة مربحة في البنوك أو الأسهم في البورصة؟!
وكان لتوقي لبعض الشهرة وترك أثر لي بعد رحيلي عن دنيانا الفانية نصيب في تفكيري:
هل أتبرّع بحصّة من المبلغ لبناء مؤسسة جماهيريّة تستقطب أبناء بلدي ليستفيدوا من خدمات هذه المؤسسة؟!
أو هل سأبادر لإقامة صندوق لتقديم المنح للطلاب المحتاجين؟!
وأثناء تلك الأيّام التي عشتُ فيها ثريًّا مليونيرًا حرصتُ على عدم الإكثار من السفر خارج قريتي خوفًا من احتمالات التعرّض لحادث طرق يودي بحياتي فأخسر المبلغ ولا أحقّق أحلامي العريضة!
ومع اقتراب ساعة الحسم لتتميم الإجراءات للحصول على المبلغ ولتقديم ما يطلبون من تفاصيل، كنت أنوي أن أكتب لهم رقم حسابي في أحد البنوك خارج قريتي للحفاظ على نوع من السريّة ولإبعاد عيون الحسد والحاسدين!
قبل أن أفعل ذلك توجّهتُ لأحد أبنائي الملمّ بكلّ ما يتعلّق بالحاسوب والشبكة العنكبوتيّة وهمستُ في أذنه:
أدعوك لمرافقتي لسفرة للمدينة والبنك بعد قرابة يومين أو ثلاثة لتشاركني فرحتي الكبرى التي ستعرفها عندما نصل إلى البنك!
في البداية لم أرغب في إخبار الابن عن طبيعة هذه السفرة وهذه الرحلة، ولكن أمام إلحاحه وإصراره على معرفة هدف هذه الرحلة أخبرته بالجائزة الرابحة التي تنتظرني …
ضحك ابني بملء فيه، بل قهقه بضحكة مجلجلة قائلًا:
اصحَ يا والدي، لقد أوشكتَ أن تقع في الفخّ، فأنت لست الأوّل ولا الأخير الذي خُدِع من تلك العصابة التي تسعى لابتزاز الناس لا أن تعطيهم الجوائز الماليّة الضخمة!
وقادني ابني لنفعّل الحاسوب وندخل الشبكة العنكبوتيّة ونقرأ معًا عن أولئك المخادعين النصّابين!
صدمتني الحقيقة المرّة، وصحوتُ من أحلامي ومشاريعي، ورحتُ أردّد:
“يا فرحة ما تمّت!”.
“*” – كتبتُ هذا النصّ قبل خروجي للتقاعد.