التواصل الثقافي للكلّ الفلسطيني (7)
حسن عبادي| حيفا
تاريخ النشر: 08/08/22 | 14:21بعد لقاءات الخليل، ورام الله، ونابلس وجنين والقدس وطولكرم ضمن المسيرة التواصليّة الثقافيّة للكلّ الفلسطيني التي يقوم بها الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين-الكرمل 48 كان من الطبيعي أن يكون لقاء اليوم في منطقة بيت لحم.
التقيت صباح الخميس في سجن نفحة الصحراوي مع أسرى يكتبون، سألوني: “وين وصّلتوا بالمشروع التواصلي للكلّ الفلسطيني؟” إحنا هون من غزة وكوبر والخليل وكفر قاسم وبيت لحم وطلبوا إيصال تحيّاتهم لكل الموجودين هنا ولكلّ الأهل في كلّ مكان.
كان ذلك صدفةً، والصدفة خير من ألف ميعاد؛
بدأت مشواري التواصلي مع أسرى يكتبون في شهر حزيران 2019، التقيت مع العشرات، وكذلك مع كلّ الأسيرات، ووجدت هناك، خلف القضبان، لقاء كاملاً متكاملاً للكلّ الفلسطيني، بكلّ أطيافه وجغرافيّته وتساءلت بيني وبيني: لماذا لا ألمس هذا الكلّ بيننا؟
جاءت هبّة الكرامة وصفعتها المدويّة بأنّنا أبناء شعب واحد في كلّ أماكن تواجدنا رغم المحتل ومخطّطاته.
من هنا انطلقت رؤية ورؤيا الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48 ممثّلًا بأمينه العام الزميل سعيد نفاع بلقاء عملي يجمع الكل الفلسطيني وجاءت سلسلة لقاءات، وما إن تواصلت مع الصديق صالح أبو لبن وغيره فوجدتهم متحمّسين أكثر منّي وتوّاقين لمثل هذا اللقاء.
قلتها سابقًا؛ إنّ التواصل مع أهلنا في أيّ مكان واجب لا بدّ منه ليؤكّد أنّ الشعب العربي الفلسطينيّ شعب واحد وموحّد في الداخل والشتات والمنافي. ولا يمكن للوطن إلّا أن يحلّق بجناحيه، والتواصل المباشر يزيل الصورة النمطية عند البعض عن أهلنا في الداخل وفي الشتات. لقاء اليوم ليس فزعة عرب موسميّة، وليس نزوة آنيّة نرجسيّة؛ وليس لقاء من باب رفع العتب،
بل لقاء لعصف ذهني وفكري لنفكّر معًا- ماذا بعد؟
لقاء اليوم ليس ردّة فعل غاضبة على ما يجري من انتهاكات احتلالية يوميّة؛
وليس ردّة فعل على العدوان الغاشم على أهلنا في غزة والذي نستنكره بشدّة؛
بل نتاج رؤية ورؤيا تصبّ في ترسيخ مفهوم الكلّ الفلسطيني؛ شاء من شاء وشاء من أبى؛
وحتمًا ستكون له استمرارية.
اسمحوا لي بكلمة خارج النصّ؛
فوجئت يوم الخميس بقرار إلغاء حفل “جوان صفدي” في مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله: انتصار جديد للترهيب.
كان مقرّرًا مساء الخميس حفل موسيقي للفنان النصراوي “جوان صفدي”، وفوجئت حين أصدرت المؤسسة بيانًا تعلن فيه عن إلغاء الحفل نتيجة تهديدات وصلتها من مجهول.
أُلغيت في حينه حفلة للفرقة الموسيقيّة اللبنانيّة “مشروع ليلى” تحت ضغط الكنيسة وترهيب المتشدّدين، لـ “منع إراقة الدماء”، لأنّ أغاني الفرقة “تمسّ بالقيم الدينيّة والإنسانيّة وتتعرّض للمقدّسات المسيحيّة”، وتشكل إساءة وخطراً على المجتمع”.
وألغت بلدية حيفا في حينه مشاركة جوان صفدي وولاء سبيت في حفل كان مقرّرا لأسباب سياسيّة هدفها منع الثقافة الفلسطينيّة.
وها هي مؤسسة عبد المحسن القطان تلغي الحفل بحجّة “تهديدات” وصلتها. لا أكثر ولا أقل.
هل عدنا إلى عصور الظلام ومحاكم التفتيش؟
نحن اليوم في واقع جديد متغيّر تُسيطر عليه وسائل الاتصال المتطوّرة فكيف لنا مُصادرة فكر وأغنية وفن لمنع وصوله إلى أعين وآذان أبنائنا وبناتنا المُنفتحين على العالم ووسائل اتّصاله ليل نهار؟
من المؤلم والمؤسف أنّ هذا التهديد والوعيد جاء ممّن لم يسمعوا بجوان صفدي من قبل ولم يصغوا لأغنية واحدة له، لماذا؟ أين الحياد والموضوعيّة والابتعاد عن القبيلة وأعرافها وأحكامها الجائرة؟ هيّا نكُون مع الإيجابيّة في الإثارة وفتح المجال للتعدديّة وقبول الآخر ولكن بشرط أن نحترم رأي الآخر تيمُّنًا بما قاله فولتير المتوفي عام 1778: “لا أوافق على رأيك، لكنني مستعد للموت من أجل حقك بالتعبير عنه”. لا بدّ أنه يتململ في قبره لسماع خبر العاصفة والزوابع التي تهبّ في رام الله الحبيبة فارحموا جوان و”جريمته”.
صمتُنا عارُنا.
حيفا/ الدهيشة 06.08.2022
• افتتاحيّتي للقاء الكلّ الفلسطيني في ندوة بيت لحم بمشاركة الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين الكرمل 48