الأديب سليم نفّاع: الإبداعُ والإمتاعُ في قِصَصِ الأطْفالِ
تاريخ النشر: 01/09/22 | 20:23لّيْسَ على القِيَمِ وَحدَها تَحيا قِصَصُ الأطفالِ، بل على الإبداعِ والإمتاعِ والإثارةِ والخيالِ. فالقِيَمُ وإن كانت مفيدةً وجميلةً وهامّةً، لا يجعلُ القصّةَ حصّةً في التّربيةِ أو درسًا في التّاريخِ أو العلومِ، والسّؤالُ الّذي علينا طرحهُ على الّطفلِ بَعدَ قِراءَتِهِ القِصّةِ، “هل استمتعتَ بالقصّة”؟ ويُطْرَحُ أيضًا سؤالٌ آخر: ما الّذي يجعلُ القصّةَ ماتعةً وشائقةً؟
قِصَصُ الأطفالِ فنٌّ أدبيٌّ راقٍ، يمنحُ الطّفلَ الشعورَ بالمُتْعَةِ والبهجةِ، لما تُوفرُهُ مِنْ مكوّناتِ
الإمتاعِ، كالتَّشويقِ وحبِّ الاستطلاعِ، والتأمُّلِ والتفكيرِ، واثارةِ الخيالِ عندَهُ، فعالمُ الطفلِ مِحْوَرُهُ
الخيالُ، يُسعِدُهُ وَيُمتّعهُ ويشحذُ ذهنَهُ نحوَ تفكيرٍ إبداعيٍّ، كَما وتمنحُ القصّةُ الطفلَ الاثراءَ
اللّغويَّ، وَتعزِّزُ لَدَيْهِ الهُوِيَّةَ والانتماءَ، وتذوقَ جمالِ لغتِهِ العربيّةِ، وَرَوْعةَ معانيها، وأهميةَ
استعمالِها في الحياةِ اليوميَّةِ، وذلك انطلاقًا من أهميَّةِ اللّغةِ العربيَّةِ، كونُها مُرَكِبًّا أساسيًّا من مركِّباتِ هُوِيتِنا وتاريخِنا فَلغتي هُويَّتي، وَبيئتي بأزهارِها وأشجارِها وجبالها وسهولِها،
تشكِّلُ وطني الذي أَعْشَقُهُ، لهذا وجبَ علينا تعزيزُ ثقافةِ القراءةِ والمطالعةِ في مجتمعِنا
عامّةً، ولدى أطفالِنا بشكل خاصٍّ، لارتباطها الوثيقِ بالإبداعِ والانتماءِ.
كما تكمنُ أهميةُ القراءةِ في التّحرّرِ من آفَةِ العنفِ التي تعصفُ بمجتمعِنا، والانطلاقِ الى رحابِ
التسامحِ، والعيشِ المشتركِ وتقبلِ الآخر.
قصصُ الأطفالِ مبنيةٌ على مجموعةٍ من الحوادثِ المترابطةِ، وهي مُسْتَوحَاةٌ من الواقعِ
أو الخيالِ، أو كِليهما معًا، في زمانٍ ومكانٍ محدَّدَيْنِ. وتعملُ القصَّةُ على غرسِ القيمِ الإنسانيَّةِ الجميلة، ولها دورٌ هامٌ في التّرْبيةِ، وفي اشباعِ الاحتياجاتِ النفسيّةِ عندَ الطفلِ،
وتعملُ على ادخالِ السعادةِ والفرحِ إلى قلوبِ الأطفال.
1
أهمُّ العناصرِ الأساسيَّةِ في قِصَصِ الأطفال.
الفكرة، الحدث، الحبكة، الشَّخصيَّة، الحوار، الأسلوب، والبيئة الزّمانية والمكانيّة.
الفكرة
هي الموضوعُ الذي تُطْرَحُ من خلالِها أحداثُ القصَّةِ، والتي تحملُ المعاني والاهدافَ الإيجابِيَّةَ، والمعلوماتِ الصحيحةَ، وتحترمُ وعيَ الطِّفلِ وَمُستواهُ ولا تسْتَخِفُّ بِهِ، أمّا الحدثُ فَعَلَيْهِ أنْ يكونَ واضحًا للطفل، وأن تجريَ الأحداثُ في أمْكنةٍ، للطفل تصورٌ كافٍ عنها، وغيرُ مبالَغٍ فيها او خارجةٍ عن المألوف.
الحبكة والبناء
يَجبُ مراعاةُ تثقيفِ الطِّفلِ على التفكيرِ المبدعِ والخلَّاقِ، من خلالِ حبكةٍ ماتعةٍ وذكيّةٍ، بأسلوبٍ سلسٍ يلامسُ ذائقةَ الطفلِ وَوَعيهِ ويحاكي عالَمَهُ، وفيها يتمُّ ترتيبُ الحوادِثِ، في تَسَلْسُلٍ طبيعيٍّ ومنطقيٍّ ومتماسِكٍ، وتتحرَّكُ فيها الشخصياتُ بشكلٍ مبدعٍ وخلّاقٍ، فحلُّ المشكلةِ يكونُ بذكاءٍ وابداعٍ، يشدُّ الطفلَ ليستمرَّ في قراءةِ القصَّةِ، فالإبداعُ هو توأمُ الإمتاعُ.
الشخصيّة بطلُ القصّةِ قدوةٌ للطفلِ القارئ، وينبغي أن يكونَ شخصيَّةً مبادِرَةً وتعتمدُ على نفسها في حلِّ مشكلاتهِ، وأن يتحلّى بالحلولِ الإبداعيَّةِ للمشاكلِ التي تواجهُهُ، او أفكارٍ تؤدي الى حلولٍ إبداعيّةٍ. وعلى شخصيّة البطلِ أن تكونَ بسيطةً ومحكمةً وواضحةً، وغير مُفْتَعَلَةٍ، وفيها المميِّزاتُ الاستثنائيةُ لجذبِ الطفلِ واسعادِه. وتقول الدّراساتُ أنَّ أهَمَّ الشَّخصياتِ التي يحبُّها الاطفالُ هي المُغامِرَةُ الجريئةُ التي تتحدَّى الأخطارَ، وتتَّسِمُ بالشَجاعَةِ والذَّكاءِ والطموحِ والمرحِ وَروحِ الدُّعابةِ، وحبِّ الانطلاقِ والحريّةِ. وقد تكونُ الشَّخصيَّةُ انسانًا، طفلا أو مُسِنا، أو حيوانا او طائرا، او نباتا أو أحدِ مظاهرِ الطَّبيعةِ المُخْتَلِفة.
الأسلوب هو البناءُ الفنيُّ الذي يعبِّرُ عن فكرةِ القصَّةِ وحوادِثِها، وشخصياتِهاِ، بكلِّ سَلاسَةٍ وَرَصَانةٍ وَجَمالٍ، فاللّغةُ العربيَّةُ، عَروسُ اللّغاتِ، وجَمالُها يجذِبُ القارئَ للأبحارِ فيها، فهل يتذوّقُ الطفلُ هذا الجمالَ في القصّةِ؟ وَمِنَ القصصِ التي قدّمتُها للطفلِ قصَّةَ أجملِ اللّغات، التي تُبْرزُ اللّغة العربيّةَ في موقعٍ مشرِّفٍ، وفيها نُسْعِدُهُ بلُغتِهِ الجميلَةِ ونعزِّزُ انتماءَهُ وَهُويتَهُ ومَحبَّتَهُ لَها، وعلى اللُّغةِ الثَّريَّةِ بعناصرِ التّشويقِ أنْ تثيرَ التفاعُلَ الفكريَّ والوجداني عندَ الطفل، طوال زَمَنِ القصَّةِ، ومن أهمِّ سِماتِ الأسلوبِ اللّغةُ السلسةُ والعباراتُ الرشيقةُ الخاليةُ من التَّعقيدِ والغموضِ، أمَّا السَّجَعُ والقافيةُ المشتركةُ، والجَرْسُ الموسيقي، فَتُسعِدُ الطفلَ وتفرحُهُ، وتكسبُهُ ثروةً لغويةً، شرطَ ألا تكونَ على حسابِ المعنى.
2
البيئة الزّمانية والمكانيّة
أمَّا الزمانُ والمكانُ ففيهما تجري الاحداثُ وتتحركُ الشخوصُ، والتي تنقلُ الطفلَ عَبْرَها الى أماكِنَ وازمنةٍ مختلفةٍ، وتَحْمِلُهُ على أجنحةِ الخيالِ والمتعةِ والفرحِ والسَّعادةِ.
الخيال وعناصر التشويق
تعدُّ معًا المَحَكَّ لقدراتِ الكاِتبِ المتمكّنِ والمبدعِ، ومن عناصرِ التَشويقِ للقصّةِ تنضوي كافّةُ البنودِ التي ذكرتُها أعلاهُ في جذبِ الطفلِ القارئِ، إذْ يَجِبُ صياغتُها وتقديمُها للطفل بالشكلِ الماتعِ والجذابِ، وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصر كَتَبْتُ قصّةَ “نِسرينُ زهرةٌ منْ بلدي”، كي أقرِّبَ الوطنَ والطبيعةَ وجمالَها للطفلِ وأعزِّزَ الانتماءَ عندَهُ واسعادِهِ، وتتحدّثُ القصّةُ عن طبيعةِ بلادِنا الخلّابةِ أزهارِها وربوعِها، أنواعِ أشجارِها وطيورِها، بأسلوبٍ شائقٍ وماتعٍ تلامسُ قلوبَ الأطفالِ، وتدعوهم للتنزّهِ في الطّبيعةِ، والتعرّفِ عليها عن قُرْبٍ، والتّمتّعِ بسحرِها، والمحافظةِ على جمالِها.
الخيال يجعلُ القصةَ وأحداثَها ماتعةً وشائقةً، ومن أهدافِهِ إشباعُ حاجةِ الطفلِ، التي قد تعالجُ مواضيعَ تُشْغِلُهُمْ في حياتِهِمْ اليوميّةِ، كما وتنمِّي الخيالَ والتفكيرَ الابداعيَّ والعميقَ لَدَيْهِمْ. مُعْظَمُنا نَشَأ على القصصِ الشعبيَّةِ، فهي أغنى القصص بالخيالِ. يومَ كنّا صغارًا كانَتْ سعادَتُنا لا توصفُ حينَ كنَّا نُحَلِّقُ معها وَنَجْلِسُ حولَ الموقدِ في أيامِ الشتاءِ الباردةِ، نَتَسَمَّرُ أمامَ الجَدَّةِ وهي تروي القصصَ، فقد أسْعَدَتْنا قصصُ الشاطرِ حسن، الطيرُ الأخضر، قطرُ الندى، جبينة، نص نصيص، دردبيسي، فريط رمان، حمدي وأخوها محمد، الزير سالم وأبو زيد الهلالي، وغيرُها الكثير. إضافةً إلى قصص الخيال العلمي، حيث يتخيلُّ الكاتبُ عالمًا خياليًّا جديدًا، بالاعتمادِ على نظريَّاتٍ علميَّةٍ، وقد يتخيَّلُ عالمًا ونموذجًا لحياةٍ أو أحداثٍ أخرى، قد تكون على كوكبِ الأرضِ أو في الفضاءِ، وفي قصَّتي “بساطُ الريحِ والدَّواءُ العجيب” طَرَحْتُ موضوعًا في غايةِ الأهميّةِ ألا وهوَ تعرّضُ البشريّةِ الى تَحَدٍّ مصيريٍّ كبير في انتشارِ وباءٍ خطيرٍ لم تعهَدْهُ أجيالُنا من قَبْلُ، وكيفَ يحاولُ الطفلُ رائد، عَبرَ بِساطِ الرّيحِ العجيبِ الحصولَ على الدّواءِ لإنقاذِ البشريّةِ من الهلاكِ، فيقومُ برحلةٍ ماتعةٍ وشائقةٍ إلى مجرّةٍ كونيّةٍ وكوكبٍ مجهول، فهل ينجحُ الطفلُ، بطلُ القصّةِ، في هذهِ المَهَمّة الصّعبة؟ هذه القصّة تمزجُ الخيالَ العلميّ والبحثَ العلميّ، وبين التّراثِ والخيالِ الشّرقيِّ الخصبِ، من خلالِ شخصيّةِ عَلاء الدّين وبساط الرّيحِ السّحريّ.
3
روحُ الدُّعابة كيفَ لنا أنْ نُمَتِّعَ الطفلَ دونَ أن نرسمَ على وجهِهِ من حينٍ إلى آخرَ ابتسامَةً عريضةً، وفي قصَّتي “لُبلب وعنتر” جعلتُ الطفلَ يضحكُ من أعماقِ قلبِهِ، بكلِّ سعادةٍ وفرحٍ وسرورٍ.
القصّة تُصَوِّرُ لنا، على لسانِ الحيوانِ الجذَّابِ لأَحبائنا الأطفال، الصِّراعَ الأبَدِيَّ بين القِطِّ والفأرِ، وتعالجُ ظاهرةَ العنفِ، وتعزيزَ تقبُّلِ الآخر، والتَّسامحَ بأسلوبٍ أدبيٍّ شائقٍ.
تَزْخَرُ القصّةُ بالفُكاهَةِ المُمْتِعَةِ للطفلِ، والقيمِ التربويَّةِ الجميلةِ والمعاني الهادفةِ، واللغةِ السَّلسَةِ، وتُزيِّنُها رسوماتٌ وَلوحاتٌ فنيَّةٌ رائعةٌ وخلَّابةٌ.
وخيرُ ما جذبَ الأطفالَ وَسَمّرَهُمْ أمامها، أفلامُ الصُّورِ المتحركةِ التي تنشرُ قصصَ الفرحِ الملآى بروحِ الدُّعابةِ، فتأسِرُ قلوبَ الأطفال في شتّى أرجاء العالمِ، نعم في كلّ زمانٍ ومكانٍ.
الإخراجُ الفَنِّيُّ الجميلُ على القصَّة أن تتحلّى بالإخراجِ الفني الجميل، من تنسيقٍ وخطوطٍ وغرافيك، وعلى الصورِ أن تكونَ واضحةً بما يتناسبُ مع عمرِ الطفلِ، والرسومِ التعبيريَّةِ جذّابَةً، فأن للرُّسومِ والصورِ دورًا كبيرًا في إثراءِ القصةِ وربطِ أفكارها وترتيبِ أحداثِها وأجزائِها المختلفةِ.
تجربتي عَزَّزَتْ رؤيتي لأهمية الإبداعِ والإمتاعِ
عودةٌ إلى العنوانِ، الابداع والامتاع في قصص الأطفال، فإنّ لقاءاتي وَنشاطاتي للأطفال، ومع الأطفالِ، خلال العقودِ الأخيرةِ، عزّزتْ رؤيتي لأهميّةِ الإمتاعِ والإبداعِ في كلِّ عملٍ ثَقافيٍّ
يقدَّمُ للطفلِ، ومن نشاطاتي التي تمتَّعْتُ بها مع الأطفالِ من خلالِ موقعي في إدارة مكتبة
بلدية شفاعمرو العامّة، قوسُ قُزحٍ من الأنشطةِ الثقافيةِ والأدبيَّةِ، منها ندواتٌ، ودوراتٌ،
وورشاتُ عملٍ، وأمسياتٌ ثقافيةٌ، خَدَمَتْ كافة الشَّرائحِ العمريّةِ، واستقطبتِ المؤسساتِ والمدارسَ
من كل الأطيافِ والألوان، تحت قبّةِ الألفةِ والعائلةِ الواحدةِ، هادفةً لتنميةِ الثّقافة بشكل عام،
وثقافة الطّفلِ بشكلٍ خاص، وتَحْفيزِ مُجْتَمعِنا على المطالعةِ ومصادقةِ الكتابِ، خَيْرِ الجلساءِ، مَنْ
يَجْسِرُ الهُوَّةَ في حياتِنا ثقافيًّا بين الموجودِ والمنشودِ. اقمتُ أوَّلَ معرضٍ للكتابِ عام 1982،
وَمهرجانَ الطفلِ دامَ ثلاثةَ أيام عام 1983، تخللَّهُ ندواتٌ ومحاضراتٌ ومسابقةٌ في رسوماتِ
الأطفال، بمشاركة عشراتٍ منَ البلدات العربية، تَبِعَها سلسلةٌ غنيَّةٌ من الفعَّاليَّاتِ الثَّقافيَّةِ والتربويَّةِ.
4
أقمتُ مشروعَ “أجملِ اللغاتِ” في فنِّ الكتابةِ الإبداعيّةِ والإلقاء متوّجًا ألفَ طالبٍ خلال السّنواتِ الأخيرَة.
وَأصدرتُ ما يفوق عِشْرينَ قصّةً للأطفالِ، حافِلةً بالخيالِ والجمالِ والإمتاعِ والإبداعِ.
وأخيرًا ليس أخرًا
القصَّةُ فَنٌ أدبيٌّ راقٍ، وقطعةٌ أدبيةٌ شائقةٌ جذّابةٌ تمنحُ الطّفلَ فُرصَ الإبحارِ في عوالِمَ جديدةٍ وجميلةٍ
ومحفّزةٍ على الإبداعِ، وتنميَّ عندَهُ مهارَةَ الإصغاءِ، والقُدرةَ على التفكيرِ والتأمُّلِ والنَّقدِ والتّحليلِ،
ومن ثُمَّ التَّقويمِ، ومواجهةِ مشاكلِهِ وَحَلِّها، وتُعَلِّمُهُ أيضًا السّباحة في بحرِ الاثارةِ والمُتعةِ والخيالِ،
لهذا تقتضي الحاجةُ لتعزيزِ ثقافةِ القراءةِ والمطالعةِ في مجتمعِنا، وتشجيعِ إقامةِ معارضِ الكُتبِ
والنشاطات الثقافية المختلفة، وانشاءِ المكتباتِ البيتيَّةِ، والصَّفيَّةِ، وتعزيزِ مكانةِ المكتباتِ العامَّة،
فالمجتمعُ القارئ بإمكانه أن يبدعَ ويتطوَّرَ، والطفلُ الذي يقرأُ ويثقِّفُ نفسَهُ يستطيعُ أن يَكْتُبَ
ويُبْدِعَ ويعزِّزَ هُويتَهُ وانتماءَهُ، ويفكّرَ تفكيرًا علميًّا ومبدعًا وخلاقًا.
تُعَدُّ القصَّةُ، في العصرِ الحديثِ، من الفنونِ الهادفَةِ، وهي تمثِّلُ لونًا من ألوان النَّثرِ الأدبي، وتأتي
في المقام الأوّل من الأدب المقدَّمِ للطفلِ، فالأطفالُ يشتاقونَ إليها ويستمتعونَ بها، وَيَجْذِبُهُم ما فيها
من أفكارٍ وأخْيلَةٍ وحوادثَ، لذا كان لها أثرٌ واضحٌ في تنشئةِ الأطفالِ وتربيتِهِم، وإكسابِهِم المزيد
من المهارات، وتنميةِ القُدْراتِ المختلفة عِندَهُمْ، وَربَّما تُحققُّ القصَّةُ للأطفال أكْثَرَ ما يحققُهُ أَيُّ لونٍ
أدبيٍ آخر من أهداف.
تؤثر القصّة على عالمِ الطفلِ في عدةِ مجالاتٍ: نفسيَّةٍ وتربويَّة واخلاقيَّةٍ ولُغويَّةٍ، وتعملُ على
تثقيفهِ وتقويةِ شخصيتِهِ وَتَهْذيبِها وتعزِّزُ ثِقَتَهُ بنفسهِ، لتؤهِّلَهُ ليكونَ انسانًا طَموحًا ومبدعًا
وخلاقًا وناجحًا في حياتِه، لكنَّ القصّةَ ستحقّقُ أهمَّ أهدافِها لو وَفّرتْ للطفل القارئ المُتعةَ والبهجةَ
والسّعادَة َوالفرح.
5
المصادر والمراجع
1. عليان، ربحي (2014). أدب الأطفال. عمان، دار صفاء للنشر والتوزيع.
2. الديك، نادي (2001). أدب الأطفال من السومريين حتى القرن العشرين. عكا، مؤسسة الأسوار.
3. نجيب، أحمد (1991). أدب الأطفال علم وفن، القاهرة، دار الفكر العربي.
4. زلط، أحمد (1994). أدب الأطفال بين أحمد شوقي وعثمان جلال. القاهرة، دار النشر للجامعات المصرية.
العدد السادس من مجلة “المرايا” المختصة بأدب الطفل. الصادرة عن كلية بيت بيرل.
حوار مع أديب الأطفال سليم نفّاع
– متى بدأتَ في الكتابة للأطفال؟
انطلقت برحلتي ومشواري الأدبي مع الكتابة للأطفال بكتابة القصّة لهم عام 2009.
– كيف بدأت رحلتك مع الكتابة للأطفال؟
كانت بداياتي حين أصدرت باكورة أعمالي في أدب الأطفال، قصة بعنوان: “هيثم يعود إلى الكتاب”، والكتاب عبارة عن خلاصة تجربة ذاتيّة تقارب الثلاثين عامّا بصحبة الكتاب. خلالَ عَملي مديرًا لمكتبة بلديّة شفاعمرو العامّة قرأت الكثير من قصص الأطفال والكتب الثقافيّة والأدبيّة والعلميّة في مختلف المجالات، وأقمتُ قوسَ قُزح من الأنشطة الثقافيّة والأدبيّة، خَدَمَتْ كافَّةَ الشرائح العُمْرِيّة، خاصّة الأطفال، واستقطبَتْ المؤسّسات والمدارس من كلِّ الأطياف والألوان، تحت قُبة الأُلفة والعائلة الواحدة. في المكتبة العامّة بادرتُ إلى إقامةِ ورشاتِ العمل في مجال الكتابة الإبداعيّة والتعبير المبدع، واعتبار المطالعة وسيلة تُوصِلُنا إلى شاطئ الأمان. عملتُ سكرتيرًا للجنة متابعة قضايا التعليم العربيّ لمدّة عشرِ سنوات، وهذا أكسبني الكثير من المعرفة في الأدب واللّغة العربيّة والثقافة عامّة. بعد إصداري الأوّل قرّرت مواصلة تعليمي وأجريت دراسة موسّعة حول: “انعكاس القيم في قصص الأطفال”، وحصلت على إجازة الماجستير في التربية من كلّيّة أورانيم عام 2011، وتابعت الكتابة للطفل، واليوم رصيدي من قصص الأطفال يقارب العشرين طافحة بالجمال والخيال والإبداع.
– ماذا كانت الدوافع والأهداف؟ الدّوافع والأهداف محبّتي وتقديري لعالم الطّفولة واهتمامي بالكتابة لهم، ورغبتي في تشجيعهم وتشويقهم للقراءة والمطالعة وحُبّ الكتاب، وأيضًا معالجة مسألة في غاية الأهميَّة وهي ابتعاد مجتمعنا عن القراءة والمطالعة، فنحن أمام تحدٍّ كبيرٍ في عصر الرِّدَّةِ في المطالعة في أوساطِ مجتمَعِنا وأطفالِنا، وعلينا أن نساعدَ الكتاب ألّا يختفيَ من عالمِنا، خاصّةَ
1
في عصر الإنترنت والتكنولوجية الحديثة، بل يسير جنبَا إلى جنب مع عالم التكنولوجيا، والكتاب الذي أصدرته تحت عنوان: “هيثم يعود الى الكتاب”، يناقش قضيّة منافسة الإنترنت ووسائل الاتّصال التكنولوجيّة الحديثة المختلفة التي أبعدت أفراد المجتمع عامّة والأطفال خاصّة عن الكتاب والقراءة والمطالعة، وللأسفِ أقولُ: مُجتمعنا العربي يمر حاليًّا في مرحلة الأمّيّة الثقافيّة، وهي أشدّ خطورة من الأمّيّة التعليميّة، لهذا علينا تشجيع القراءة والمطالعة والعودة الى الكتاب. إنّ حبّي للكتابة للأطفال وعِشقي للغة العربيّة مكّناني من ارتياد الفضاءات الفكريّة وقطف النجوم وكان لاحتلالي مساحةً وافرةً من اللّغة العربيّة دورٌ أساسيّ في مراحل العطاء والابداع وتأليف الكتب وزراعة حُبِّ لُغَتِنا، “أجمل اللّغات”، في حقول الناس عامّة والأطفال بشكل خاصّ.
– بمن تأثّرتَ في توجّهك للكتابة للأطفال؟
تأثّرت بالأديب الرائد في فنّ الكتابة للطفل في العالم العربيّ، كامل الكيلاني، كما وتأثّرت بقصص ألف ليلة وليلة، وكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وقصص المكتبة الخضراء، وسلسلة ليديبرْد العالميّة المترجمة للعربيّة، وغيرها الكثير.
– هل تركّز على شريحة عمريّة معيّنة؟
أحاول أن أبسّطَ اهتمامي لغالبيّة الشرائح العمريّة من الأطفال، من جيل الطفولة المبكّرة حتى جيل الطفولة المتقدّمة، وما بين 3 سنوات حتّى 14 سنة.
– ما هي أبرز الموضوعات والقيم التي تطرّقتَ إليها؟
طرحت من خلال قصصي قضايا الطفل محليًّا وعربيًّا مثل: تعزيز قيمة المحبّة والتّسامح، وتقبّل الآخر، وأهمّيّة السّلام في حياة أطفالنا، وتعزيز قيم العطاء والمبادرة لصنع الخير، والتثقيف على السّلامة ونبذ العنف، والخيال العلميّ، والحذر والسّمنة الزّائدة، والتّأكيد على حقوق الإنسان عامّة والطّفل خاصّة، وتعزيز مكانة اللّغة العربيّة والحفاظ عليها من خلال قصّة شائقة أصدرها عام 2015 تحمل الاسم “أجمل اللّغات”.
– ما هي القسريّات والخصائص التي تراعيها في كتابتك للأطفال من حيث الموضوعات واللغة والأسلوب؟
راعيت في كتاباتي تثقيف الطفل على التفكير المبدع والخلّاق، من خلال حبكة ممتعة وذكيّة، بأسلوب سلس يلامس ذائقة الطفل ومستواه ويحاكي عالمه، ويجوب في مداه بين مخيّلته وتطلّعاته، ومن منطلق أنّه ليس على القيم وحدَها تحيا قصص الأطفال، بل على المُتعة والاٍثارة والخيال أيضًا.
2
– هل أنت راضٍ عن تقبّل الجمهور-الأطفال والكبار- لمؤلفاتك للأطفال؟
لاقت قصصي استحسانًا ورواجًا وتفاعلًا وتقديرًا عاليًا من القرّاء والنّقّاد والأدباء ورجال التّربية، واهتمّت بعض المدارس بتدريسها ومسرحتها، وشاركت معظم كتبي في مسيرة الكتاب بُغية تشجيع المطالعة في المدارس العربيّة، وأجرى بعض الطّلّاب في الجامعات والكلّيّات دراساتهم العليا حول قصصي وكتبي. حزت على جائزة الإبداع الأدبيّ من وزارة الثقافة في مجال أدب الأطفال عام 2019، وبهذا تكون جائزة الإبداع قد توّجت رحلتي الطويلة والمثمرة من العطاء والإنتاج الغزير الهادف في مجال أدب الأطفال.
– هل هناك نقد جادّ ودراسات موضوعيّة لمؤلفاتك للأطفال؟
قامت الدكتورة والباحثة رنا سعيد صبح في دراسة شاملة ووافية حول ثلاثة من مؤلّفاتي القصصيّة للأطفال، وتحت عنوان: الحوار في قصص أديب الأطفال سليم نفّاع، بين الموضوعات وخصائص المضمون والملامح الأسلوبيّة. كما وتطرّق لكتاباتي وقصصي عدد من الدارسين والنقاد ومنهم الأساتذة: محمد بدارنة وسهيل عيساوي، وشاكر فريد حسن إغبارية وغيرهم.
– هل لديك كتاب معيّن للأطفال تعتزّ به بشكل خاصّ، ولماذا؟
لكلِّ كتابٍ أصدرته نَكهتُهُ الخاصّة، وتُشكّل قصصي جميعها جزءًا هامًّا من تجربتي ومسيرتي الأدبيّة مع الكتابة للطفل، وكتابي الذي أصدرته مؤخرًا سنة 2020، تحت عنوان: “بساط الرّيح والدّواء العجيب” له معزّة خاصّة، نظرًا لأنه يطرح موضوعًا في غاية الخطورة والأهميّة، ألا وهو تعرّض البشريّة الى تحدٍ مصيريّ كبير في انتشار وباء خطير لم تعهده أجيالنا من قبل. تتناول القصّة انتشار وباء خطير في أرجاء العالم، وكيف يحاول الطفل رائد عبر بساط الرّيح العجيب الحصول على الدّواء لإنقاذ البشريّة من الهلاك، فيقوم برحلة ماتعة وشائقة إلى مجرّة كونيّة وكوكب مجهول، فهل ينجح الطفل بطل القصّة في هذه المَهَمّة الصّعبة؟ هذه القصّة تمزج بين الخيال العلميّ والبحث العلميّ، وبين التّراث والخيال الشّرقي الخصب، من خلال شخصيّة عَلاء الدّين وبساط الرّيح السّحريّ، كما تهدف لتنمية الثّقافة والمعرفة. القصّة تجمع المتوارثَ البعيدَ من الأجداد مع القادم من إبداع الأحفاد، وهم قدوة في ارتياد القمم والبحث عن الحلول ومساعدة الغير، وتحملنا القصّة إلى عالم مليء بالخيال والمغامرات طافح بالجمال والمتعة، ويحلّق الأطفال من خلالها على أجنحة الفرح.
3
أرجو تسجيل قائمة بمؤلفاتك للأطفال والفتيان.
– هيثم يعود الى الكتاب (2009).
– حنان تبحث عن الابداع (2012).
– دردبيسي (2013).
– أبو دان وفارس الزمان (2014).
– الكعكة ودبس المشمش ((2015.
– أحمد ومريم (2015).
– أجمل اللّغات (2015).
– الكتاب المسحور (2015).
– مدينة المحبة (2016).
– نسرين زهرة من بلدي (2016).
– السّبع فرحات (2017).
– لُبلب وعنتر (2018).
– رحلة أمل (2019).
– فصيح والأكل الصّحيح (2019).
– وسام الشّجاعة (2019).
– بساط الريح والدّواء العجيب (2020).
– وأرجو، كذلك، تزويدي بتفاصيل موجزة من سيرتك الذاتيّة:
* ولدتُ سنة 1960 في مدينة شفاعمرو. حصلت على درجة الماجستير في التّربية، من كلية أورانيم سنة 2011، في دراسة موسّعة بموضوع “انعكاس القيم في قصص الأطفال”. عملتُ سكرتيرًا للجنة متابعة قضايا التّعليم العربيّ في الفترة 1985 – 1993، كما وأدرتُ فرع الجامعة المفتوحة في مدينة شفاعمرو ومنطقة الشّمال خلال السّنوات 1989- 1998، وأعمل منذ عام 1980 وحتى يومنا هذا مديرًا لمكتبة بلديَّة شفاعمرو العامّة.
4
* حزتُ على جائزة الإبداع الأدبي من وزارة الثقافة في مجال أدب الأطفال عام 2019، وبهذا تكون جائزة الإبداع قد توجّت رحلتي الطويلة والمثمرة من العطاء والإنتاج الغزير الهادف في مجال أدب الأطفال.
* لي حضور وافر في المشهد الإبداعيّ الأدبيّ المحلّيّ، وقد ساهمتُ في إثراء المكتبة العربيّة وإسعاد الأطفال، وما يميّزني أسلوبي الكتابي الماتع والشّائق والجّذاب، ولغتي الرّشيقة السّلسة التي تلامس ذائقة الطفل ومستواه، وتحاكي عالمه، وتجوب في مداها بين مخيلته وتطلّعاته. * أصدرتُ عام 2009 باكورة أعمالي في أدب الأطفال قصّة “هيثم يعود إلى الكتاب”، لتعزيز مكانة الكتاب وتشجيع القراءة والمطالعة، تلاها ما يقاربُ عشرين قصّة للأطفال طافحةً بالجمال والخيال والإبداع، وتحمل بين دفّاتها ما يسعد القارئ في حياته، وما يعزّز مكانة اللّغة العربيّة، وتُثري الإبداع بل تشحذه وتمنحه فرصًا جميلة للتّحليق في سماء الإبداع والغوص في بحور
الضّاد، وحملت إحدى قصصي “أجمل اللّغات” والتي صدرت عام 2015 عنوانا جميلًا لها.
* نجحتُ في قصصي أن أمزج القيم مع المتعة، فتنوّعت مواضيعُها، وعالجت العديدَ من القضايا والمشاكل، لكنّها تنوّعت أيضًا في أساليبَها الشّائقة، فطرحتُ من خلال قصصي قضايا الطفل محليًّا وعربيًّا مثل: تعزيز قيم المحبّة والتّسامح، وتقبّل الآخر، وأهميّة السّلام في حياة أطفالنا، وتعزيز قيم العطاء والمبادرة لصنع الخير، والتثقيف على السّلامة ونبذ العنف، والخيال العلميّ، والحذر والسّمنة الزّائدة، والتّأكيد على حقوق الإنسان عامة والطّفل خاصّة. * أنشطُ من خلال موقعي في إدارة مكتبة بلدية شفاعمرو العامّة، فأقمتُ قوس قزح من الأنشطة الثقافية والأدبيَّة، منها ندوات ودورات وأمسيات ثقافيّة، لكافّة الشَّرائح العمريّة، واستقطبت المؤسسات والمدارس من كلِّ الأطياف والألوان، تحت قبّةِ الألفة والعائلة الواحدة، هادفة لتنمية الثّقافة بشكل عام، وثقافة الطّفل بشكل خاص، وتحفيز مجتمعنا على المطالعة ومصادقة الكتاب، خير الجلساء، من يجسر الهوّة في حياتنا ثقافيًّا بين الموجود والمنشود. * شاركَتُ وشاركَتْ معظم قصصي في مسيرة الكتاب في مدارسنا العربيّة في الأعوام الماضية، بُغية تشجيع المطالعة والقراءة. * أَلتقي بطلّاب من مختلف المدارس العربيّة في لقاءت ومحاضرات لتشجيع القراءة والمطالعة والتفكير الإبداعي والخلّاق، واطلاعهم على انتاجي الأدبيّ، ولاقت قصصي استحسانا ورواجا وتفاعلًا وتقديرًا عاليًا من القرّاء والنّقاد والأدباء ورجال التّربية، واهتمّت بعض المدارس بتدريسها ومسرحتها، وأجرى بعض الطّلاب في الجامعات والكلّيّات دراساتهم العليا حول قصصي وكتبي. قمت بدراسات وأبحاث في التّربية.
5