الأسباب التجارية والاقتصادية من وراء غزوة أحد

الإثنين 16 صفر 1444، الموافق لـ: 12 سبتمبر 2022

ممّا وقف عليه القارىء المتتبّع، وهو يعيد قراءة السّيرة النبوية، أنّ غزوة أحد كانت أوّلا، وبداية لأسباب تتعلّق بغلق المسلمين للطرق التي تستعملها قريش لقوافلها، وزاد الإحكام عليها بعد غزوة بدر.

تأثّرت قريش تأثّرا بالغا بالحصار الاقتصادي المفروض عليها –بالتعبير المعاصر- من طرف المسلمين، وحاولت مرارا الانفلات من الحصار ولم تستطيع، وباءت كلّ محاولاتها بالفشل.

قلتها عبر مقالاتي، وأعيدها: كانت غزوة بدر بين المسلمين الذين فشلوا في الاستيلاء على عير قريش وبعد عدّة سرايا مجهزّة من حيث العدد والخطّة لذلك، وبين كفار قريش الذين سعوا للهروب بالعير وبعد عدّة محاولات، ومضاعفة الحرس والعدد، واختيار طرق بديلة للانفلات قصد ضمان وسلامة العير.

العامل التجاري والاقتصادي، يعتبر من العوامل الرئيسية لغزوة بدر. ويكفي أنّ سورة الأنفال، التي تنصّ على كيفية توزيع الغنائم، جاءت عقب غزوة بدر. والعامل التجاري والاقتصادي، كان من العوامل الرئيسية لغزوة أحد.

قد يقول قائل: وما ذا عن الثأر الذي كانت تطالب به قريش لخوض غزوة بدر، عقب هزيمتها النكراء في غزوة بدر؟

أقول: لاأحد ينكر دور أخذ الثأر لدى العرب، وقريش، وفي غزوة أحد. لكن غلق المسلمين للطرق أمام قوافل قريش التجارية، كان أهم سبب لخوض المعركة.

هناك ملاحظة لفتت انتباه القارىء المتتبّع، وهو يعيد قراءة السّيرة النبوية، وهي: ادّخرت قريش قافلة أبي سفيان، التي نجت من استيلاء المسلمين عليها، وقبل غزوة بدر لتمويل غزوة أحد. مايعني، أنّ قريش استعملت العامل التجاري المضمون والذي بين يديها عقب غزوة بدر، لفكّ الحصار التجاري المفروض عليها مجدّدا لخوض غزوة أحد، أوّلا ودائما. ولا يمكن بهذا وضع أخذ الثأر، والانتقام في المرتبة الأولى.

بعد موت زعماء وسادة قريش في غزوة أحد، أصبح أبا سفيان زعيم وسيّد قريش. وهو رجل تجارة، ومال، وأعمال، ويتعامل بمنطق الربح والخسارة.

الانتقام، والثّأر ليس من أولويات سيّد قريش الجديد، ولا يضعه في المرتبة الأولى، ويؤخّره دوما عن غيره من الأسباب، اللّهم إلاّ إذا اضطر إلى ذلك وأجبرته الظروف على ركوب الانتقام والثّأر.

المتتبّع لسلوك أبي سفيان، في كيفية تعامله مع عير قريش قبل غزوة بدر، يلاحظ أنّه تعامل مع غزوة بدر معاملة التّاجر، والمستثمر، ورجل الأعمال، ولم يتعامل معها كرجل حرب، ولا قائد معركة، ولا قائد سياسي. والمتأمل في غزوة بدر من النّاحية التّجارية، والاقتصادية، والمالية يلاحظ أنّ سيّد قريش الجديد، قد نجح من الناحية التجارية، والاقتصادية، والمالية، وأضاف أرباحا عظيمة لخزينة قريش، التي كانت بأمسّ الحاجة إليها. ويكفي أنّها استعانت بقافلة قريش الناجية في غزوة بدر، لتحمّل نفقات غزوة أحد وخوضها، قصد ضمان تدفق التجارة، وأمن وسلامة طرق التجارة.

نفس المنطق التجاري، والمالي، والاستثمار الذي سيّر به أبا سفيان ثروة وخزينة قريش في غزوة بدر، هو نفس المنطق الذي طبّقه في غزوة أحد، حين أمسى سيّد قريش، فجعل من ضمان تأمين طرق التجارة لقريش، وتدفّق السلع غاية قصوى، وهدفا ساميا، بحيث قدّمه على الانتقام، والأخذ بالثأر.

هذه قراءة القارىء المتتبّع، والتي لم تكن في صغره وشبابه، بل كانت معارضة تماما لما وصل إليه. ويعرضها الآن علانية، راجيا من أسيادنا النقاد والقرّاء، حفظهم الله ورعاهم تنبيهه، وتوجيهه، ونقده، وتصحيح أخطائه التي وقع فيها، وتقديم أفضل ممّا قدّمه، وأحسن ممّا عرضه. ولهم بالغ المحبّة، والشكر، والاحترام، والتّقدير.
—

الشلف – الجزائر

معمر حبار