السورُ الواقي في نسختِه الجديدة وطبعتِه الثانية
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 15/09/22 | 13:01أمام سيل عمليات المقاومة الفلسطينية، الشعبية والفصائلية، التي باتت تزداد أعدادها وترتفع وتيرتها، ويتنوع منفذوها، وتتشكل أسلحتها وتتطور أدواتها، ويتوسع إطارها من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها ووسطها، ويسقط فيها قتلى إسرائيليون وجرحى، وتضطرب الحياة وترتبك الحركة، ويشيع بين المستوطنين القلق ويسود في صفوفهم الخوف، وتعلن الأجهزة الأمنية عجزها عن السيطرة وتراجع قدراتها على الضبط وحفظ الأمن، ويحار المسؤولون الإسرائيليون عن وصف ما يجري وتفسير ما يقع.
تهدد حكومة يائير لابيد السلطة الفلسطينية بأنها ستنفذ في الضفة الغربية عمليةً عسكريةً جديدة، تشبه عمليتها الأولى التي نفذها أرئيل شارون عام 2002، وأطلق عليها اسم السوار الواقي، وفيها أعاد احتلال مدن الضفة الغربية، وبسط جيشه السيطرة الأمنية الكاملة على المنطقة المصنفة “A”، فضلاً عن سيطرته التامة على المنطقتين “B” و “C”، وأخضع الضفة الغربية بكاملها لإجراءاته الأمنية وسياساته العسكرية، وأصبح الجيش يجتاح متى يشاء أي منطقةٍ فيها، فيلاحق ويقتل ويعتقل، ويقتحم ويدمر ويخرب.
يهدد جيش الاحتلال المهزوزة صورته، والراحلة قيادته، والجديدة أركانه، في ظل تهديداتٍ متصاعدة شمالاً من لبنان وسوريا، وجنوباً من غزة ومقاومتها المتربصة، ونووياً من إيران ومشروعها، بأنه سينفذ المهمة العسكرية بنفسه، وسيجلب الأمن لمستوطنيه بيده، وسيفرض الاستقرار والهدوء في الضفة الغربية، في عمليةٍ جديدةٍ يطلق عليها اسم “السور الواقي 2″، وكأنه قبل اليوم لم ينفذ عملياتٍ عسكريةٍ قاسيةٍ لم تنته، فجيشه يجتاح ويقتحم، وأجهزته الأمنية تنفذ عملياتٍ نوعيةٍ، وفرقه المستعربة تقوم بعمليات إعدامٍ وتصفيةٍ علنيةٍ في الشوارع والطرقات، ويقوم الجيش بتأمين دخولهم وضمان خروجهم سالمين من مناطق المهمات الخاصة.
رغم هذه التهديدات المتصاعدة والتصريحات الإسرائيلية اللاهبة، التي لا يلتفت إليها الفلسطينيون ولا يعبأون بها، فهم يقولون للعدو “أعلى ما في خيلك اركب”، إذ لن يصيبهم أكثر أو أسوأ مما أصابهم، ولسان حالهم يقول “أنا الغريق فما خوفي من البلل”.
فالعدو لم يوقف في تاريخه حملاته العسكرية والأمنية عليهم، وما زالوا حتى اليوم يواجهون عمليته المستمرة المسماة “كاسر الأمواج”، التي لم تحقق شيئاً من أهدافهم، ولم تمكن رؤساء حكوماتهم من تسجيل نقاط كسبٍ لصالحهم، بل عكس ذلك أصابهم، إذ زادت عمليات المقاومة الفلسطينية حدة، وإن كانت أعداد شهدائهم في ازدياد، إذ لا يجد العدو سبيلاً لمواجهتهم إلا المزيد من القتل والاعتقال، وهذا سبيلٌ سلكه من قبل ولم يتوقف عنه، ولم يستفد منه أو ينجح فيه، وقد ذاق مرارته الفلسطينيون ولم يهزموا أمامه أو ينكسروا له ويخضعوا، ولم يخافوا منه ويجبنوا.
يبدو أن عيون العدو مفتوحة على جنين، محافظةً ومدينةً ومخيماً، ويريد أن ينفذ فيها، رغم خسارته المؤلمة وخزيه الشديد، ما نفذه ضد مخيمها عام 2002، فجنين توجعه وتؤلمه، وتواجهه وتتحداه، وتهزأ به وتتهكم عليه، وتحرجه وتستخف به، وتصمد في وجهه وتبزه، ورجالها يجوبون الآفاق يلاحقون جنوده ومستوطنيه، وينفذون في عمق المدن “الإسرائيلية” أكبر العمليات، ويسطرون بشجاعتهم أعظم الملاحم، وقد أعيته هذه المدينة التي يرتبط اسمها باسم عز الدين القسام، فتزداد بالنسب قوةً، ويتعاظم دورها بالأمل المعقود عليها عملاً، ويخشاها العدو ورجالها فعلاً.
إلا أن جنين لم تعد وحدها، فهذه نابلس تتنافس معها، وتتقدم عليها وتدعمها، ويخوض أبناؤها إلى جانب أبطال جنين عملياتٍ مشرفةٍ، يرسلون من خلالها رسائل عديدة، أولاها إلى العدو أن الضفة الغربية لن تخمد جمرتها، وأن مدينة جبل النار لن ينطفئ أوارها، وأن المقاومة مستمرة، والصمود باق، وأن التضحيات تزيدها قوة ولا تقعدها، وتجدد ثورتها وتضخ دماءً جديدةً في مقاومتها.
أما أخوات نابلس وجنين، فهن ضواري مثلهن، ويتربصن كشقيقاتهن، ويتهيأ أبناؤها لأن يكون لهم دورٌ في الصدارة، وسهمٌ في المقاومة، فهم يعلمون أن “وفي هذا فليتنافس المتنافسون”، وقد قرروا المنافسة، وأعدوا عدة المواجهة، وأياً كانت خطة العدو وعمليته، كاسر الأمواج كانت أو سوراً واقياً كررت، فإن المقاومة كفيلةٌ أن تنسي العدو برجالها وساوس السيطرة، وأحلام الهيمنة، وأماني الأمن ورجاء الاستقرار.
الضفة الغربية كما غزة وعموم فلسطين، يقولون بالدم والنار أنه لن يهنأ في فلسطين عدوٌ غازي، ولن يستقر في بلادنا وافدٌ مستوطنٌ، وعِبَرُ الزمان حاضرة ودروس التاريخ ماثلة، وكما سادوا وبادوا، وسُبُوا وطردوا، وأصبحوا ممالك سابقة وهياكل ساقطة، فإن التاريخ سيتكرر، والطرد سيتحقق، والسبي الجديد سيكون، والحق المشروع لشعب فلسطين سيعود، والنصر المكين لهذه الأمة سيتحقق، وحينها سيعلم الذين ظلموا عاقبة جريمتهم وخاتمة عدوانهم.