علي الوردي من خلال وعاظ السّلاطين – معمر حبار
تاريخ النشر: 18/09/22 | 11:09مقدمة القارىء المتتبّع:
الكتاب: “وعاظ السّلاطين”، للأستاذ علي الوردي، دار الوراق للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2017، من 297 صفحة.
وضع صديقنا الأديب البليغ sadam housseyn medjahed، الكتاب تحت تصرفي. وكان من قبل صديقنا العراقي Mustafa Alaumari ، قد طلب منّي أن أقرأ الكتاب.
ويظلّ صاحب الأسطر يفتخر بكونه قرأ الكتاب الورقي الذي وضعه تحت تصرفه صديقه الجزائري حسين الذي أحسن إلينا، ويفتخر بكونه يمتثل لنصيحة صديقه العراقي مصطفى الذي اصطفى لنا الكتاب، وطلب منّا بضرورة قراءته. والحمد لله على نعمة صديق يعرض الكتاب، وصديق ينصح بقراءة كتاب.
مفاتيح لفهم شخصية الوردي:
انتقد الوردي، عبر المقدمة والفصلين الأوّل الثّاني، الشيوخ الذين يضربون الأطفال الذي يعلّمونهم حفظ القرآن الكريم. ويستنكر عليهم بشراسة غير مبرّرة ضربهم للأطفال. وهي نقطة جلية لفهم شخصية الوردي، ولذلك وقفت عندها، رغم أنّها ليست جوهر الكتاب، لكنّها حسب -القارئ المتتبّع-، مفتاح الشخصية، لفهم الكتاب والكاتب.
الثورة عند الوردي تعني -حسب قراءتي-، كلّ ماقام به أتباع أسيادنا آل البيت ضدّ غيرهم، وبغضّ النظر عن مكانتهم ومنزلتهم. وما دونهم فهم الظلمة، الذين يتطلبون إقامة ثورة ضدّهم. وهذا مفتاح من مفاتيح فهم شخصية الوردي.
ممّا وقفت عليه، وأعتبره مفتاحا لفهم شخصية الوردي، هو: من مدح أسيادنا آل البيت لايدخل ضمن دائرة الوعاظ الذين يذمهم الوردي. وكلّ من يمدح غيرهم بغضّ النظر عن مكانتهم، ورفعتهم، ومنزلتهم العالية، فهو عند الوردي من الوعاظ الذين يجب محاربتهم، والتضييق عليهم، والتّحذير منهم، وحرمانهم، وعدم استشارتهم، وفضحهم، وطردهم، وسجنهم، وكشف مثالبهم، لأنّهم -في نظر الوردي-، من الوعاظ.
أعجب الوردي بـ: “الثوار؟!” -كما يسميهم-، لأنّهم هم الذين قتلوا سيّدنا عثمان بن عفان، وأعجب بهم لأنّهم هم الذين اختاروا سيّدنا علي بن أبي طالب خليفة. ويرى أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب معجب بقتلة سيّدنا عثمان بن عفان، أي “الثوار؟!” كما يسميهم الوردي.
ممّا وقفت عليه أنّ مصطلح “الثّورة”، الذي ظلّ يستعمله الوردي طيلة صفحات الكتاب، يعتبر -حسب قراءتي- من مفاتيح فهم شخصية الوردي.
يرى الوردي أنّ القول بخلق القرآن، ليس جريمة تستحقّ العقاب. ويستنكر على الحكام، الذين عاقبوا الذين قالوا هذا القول، مبرّرا ذلك بقوله: “ولا ذنب له إلاّ قوله بأنّ القرآن مخلوق”.
يدافع الوردي عن الزنادقة بتعبيره، والذين يصفون الطواف حول الكعبة ب: “البقر”، ويستنكر تعامل الفقهاء بشدّة معهم.
علي الوردي وعلاقته بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
قال الأستاذ علي الوردي: “قضى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الأغنياء في عهده”.
أقول: ليست من مهام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم القضاء على الأغنياء ولا الفقراء. وبقي الأغنياء من أمثال أسيادنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم.
يرى أنّ المسلمين الأوائل من “المؤمنين المخلصين”.
أقول: المسلمين الذين أسلموا فيما بعد يعدون من “المؤمنين المخلصين”. ويعتمد الوردي على هذا التمييز، ليفرّق بين أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا. وكبار الفاتحين من الذين أسلموا فيما بعد كأسيادنا خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا. وطبيعي جدّ أن يكون هناك خلاف بين الأوّلين والآخرين.
ذكر الوردي حديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “إنّ الله يبعث لهذه الأمّة عند رأس كلّ مائة سنة من يحدّد لها دينها”، وعقّب قائلا: “فالنبي يعترف إذن بأنّ كتاب الله وحده لايكفي لمنع الأمّة من الانحراف”.
أقول: النظرة الجديدة إلى كتاب الله تعالى مطلوبة، ومحمودة. ولا يعقل بحال أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يلغي الوحي الذي أنزل.
قال الوردي: لقد حرم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الولد الذكر، فساءه ذلك طبعا. ولعلّه آثر أن يتّخذ عليا بمثابة ابنه، بعد أن فقد ابنه سيّدنا القاسم في بدء حياته الزوجية”.
أقول: رضي سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما قسمه الله له، حين لم يرزقه الولد الذكر. ولا يليق أن يقال في حقّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّه أنّه “أساءه ذلك؟!”. من زاوية أخرى، فقد سبق لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أن تبنى سيّدنا زيد بن حارثة، رحمة الله ورضوان الله عليه قبل البعثة. وتكفّل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بسيّدنا علي بن أبي طالب، هي مسألة عائلية تتعلّق بضيق اليد، وقلّة الحاجة، والتكافل الأسري، ولا علاقة لها إطلاقا وأبدا بالبنوة، وأنّ سيّدنا علي بن أبي طالب سيعوّض سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الإبن الذكر الذي حرم منه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما ذهب إلى ذلك الوردي. ثمّ إنّ الإبن الذكر يأتي عبر الزواج، وقد كان هذا متاحا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ولم يعرف عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تزوج لأجل الولد الذي حرم منه، ورضي به، ولم يسأم أبدا ومطلقا، كما ذهب إلى ذلك الوردي.
اتّهام الوردي لأسيادنا الصحابة:
استعان الوردي بالجاحظ، لشرح قول القائد الفاتح الحجاج بن يوسف الثقفي رحمة الله عليه: “العراق أهل الشقاق والنفاق”. ثمّ قال: الشام متزن، لأنّ أشراف قريش سكنوه. والعراق مضطرب، لأنّ المهاجرين والأنصار سكنوه.
أقول: هذا استنتاج خطير جدّا، يحطّ من قدر أسيادنا المهاجرين والأنصار رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، وينصب ضمن الفريق الذي لايعترف بأسيادنا الصحابة، ويتّهم بقتل سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم، والتولي يوم الزحف، والاستيلاء على الخلافة.
يستهزئ الوردي من اتّباع أسيادنا الصحابة، ويقول: أيّهما نتّبع، أيّ الصحابة تريدون أن نتّبع: سيّدنا عثمان أم سيّدنا أبا ذر؟
أقول: نتّبع كلّ أسيادنا الصحابة ودون تمييز: الحاكم منهم والمحكوم، الغني والفقير، الرجل والمرأة، الكبير والصغير، القائد والجندي، الأوّل الذي أسلم والأخير الذي أسلم. وبهذا، نغلق باب التفرقة بين أسيادنا الصحابة الذي يسعى إليه الوردي.
أقول: يتحدّث الوردي عمدا وبإسهاب، عن الماضي الجاهلي لبعض أسيادنا الصحابة كسيّدنا معاوية بن أبي سفيان، رحمة الله ورضوان الله عليه، ولا يتطرّق للماضي الجاهلي لبعض أسيادنا الصحابة.
أقول: الجميع عاش فترة الجاهلية التي سبقت الإسلام. وكان عليه أن لايستثني أحدا حين يتطرّق لماضيه، كما فعل العقاد مع العبقريات.
أقول: يعتمد الوردي، وعبر صفحات الكتاب، على تخميناته لإثبات حقده الدفين ضدّ أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جمبعا.
اتّهام الوردي لسيّدنا عمر بن الخطاب:
أقول: حتّى وهو يثني على قوّة، وعدل سيّدنا عمر بن الخطاب، اتّهمه الوردي بقوله: “وكثيرا ماكان يخطئ ويتطرف في أعماله”.
يقول الوردي: ألغى سيّدنا عمر بن الخطاب “المؤلفة قلوبهم”، كرها وبغضا في قريش.
أقول: ألغى سيّدنا عمر بن الخطاب “المؤلفة قلوبهم” من الاستفادة من أموال الزكاة، والغنائم لأنّ الإسلام انتشر، وأصبح في قوّة ومنعة. بينما في البداية، كانوا ينالون حقّهم من الزكاة، لأنّ الإسلام كان ضعيفا من حيث العدد والعدّة، وكان بحاجة إلى تأليف قلوبهم، وكسب ودّهم، واستمالتهم إليه. والمسألة إذن، لاعلاقة لها ببغض سيّدنا عمر بن الخطاب لقريش، كما ذهب إلى ذلك الوردي.
اتّهام الوردي لسيّدنا عثمان بن عفان:
أقول: بالغ الوردي في اتّهام سيّدنا عثمان بن عفان رحمة الله ورضوان الله عليه، حين اتّهمه زورا وكذبا وبهتانا، بأنّه يوالي عائلته على حساب الأمّة، وبأنه يبذر أموال المسلمين على عائلته. وكيف يعقل ذلك وهو الغني قبل الهجرة، وقبل الغنائم والخلافة، وهو الذي أنفق ماله كلّه لتجهيز الجيوش.
أفرط الوردي كثيرا في حقده على سيّدنا عثمان بن عفان، حين اتّهمة بمحاباة أهله، وأنّه لايحسن التسيير، ومبذر للأموال، وحارب سيّدنا أبي ذر ولم يأخذ بنصائحه، وخالف طريقة الخليفة الأوّل والثّاني في كيفية التّعامل مع المال، والأغنياء، والمسلمين الأوائل.
أقول: مايجب معرفته أنّ لسيّدنا عثمان بن عفان طريقة في تسيير الحكم، والمال علينا أن نحترمها، وليس بالضرورة أن يكون نسخة للخليفة الأوّل والثّاني، ولكلّ طريقته.
وسيّدنا عثمان بن عفان رجل دولة، وسيّدنا أبي ذر الغفاري رجل زاهد، فلا يجب الخلط بينهما، وكلّ له طريقة في كيفية تسيير الحكم، والمال، والأثرياء، والفقراء.
وصف الوردي سيّدنا عثمان بقوله: “ويبدو أنّ عثمان لم يكن بذلك الرجل الحكيم”. أقول: سيّدنا عثمان بن عفان حكيم في تسيير الحكم، والمال. وطريقته تختلف عن طريقة أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب، ولكلّ طريقته حسب الوسائل والظروف والاعتقاد.
سقط الوردي في نفس الجريمة التي سقط فيها احميدة عياشي، حين وصف المجرمين الذين اغتالوا سيّدنا عثمان بن عفان بـ: “الثوار؟!”. وقد رددت على العياشي حينها، بـ: 4 مقالات، و16 منشور سنة 2015 عبر صفحتي. وتبقى صالحة للرّدّ على الوردي، ودون حذف ولا تغيير.
يفرد الوردي فصلا لسيّدنا عمار بن ياسر رحمة الله ورضوان الله عليه، وفصلا لسيّدنا علي بن أبي طالب رحمة الله ورضوان الله عليه. وتحدّث وبإسهاب، وطيلة صفحات، وفصول الكتاب عن سيّدنا أبي ذر رحمة الله ورضوان الله عليه. والسؤال: لماذا دون غيرهم من أسيادنا الصحابة رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
تفضيل علي الوردي لسيّدنا علي بن أبي طالب:
يتحدّث الوردي باستمرار عن عظمة أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
ممّا وقفت عليه، أنّ الوردي يقيس أسيادنا الصحابة بمقياس سيّدنا علي بن أبي طالب. فهذا الصحابي عظيم لأنّ علاقته جيّدة بسيّدنا علي بن أبي طالب، وذاك الصحابي ظالم وغير عادل وصاحب فتنة، لأنّ علاقته -في نظر الوردي- سيّئة بسيّدنا علي بن أبي طالب.
قال الوردي: “إنّ دين المساواة، الذي جاء به محمّد بن عبد الله ، دفن مع علي بن أبي طالب في قبره”.
أقول: لم يدفن دين المساواة مع التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى. كيف يدفن بموت أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وسيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد ، وسيّدتنا البكر المجتهدة الصّادقة الصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة، وسيّدتنا حفصة بنت سيّدنا عمر بن الخطاب، وسيّدتنا فاطمة الزهراء، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
أقول: حين يريد الوردي أن يذكر عيوب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، يقول: يقال. وحين يريد أن يذكر محاسن سيّدنا علي بن أبي طالب، يقول: يقال.
يقول الوردي: ومن أعجب الأمور أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب لايكترث بأمر القصاص من قتلة سيّدنا عثمان بن عفان حين تولى الخلافة. وكان فوق ذلك يرعاهم ويحبّهم ويعيّنهم في المناصب المختلفة، ورعاهم وولاهم الأعمال الكبيرة واستعان بهم في كثير من الأمور. ونجده يقف موقفا صارما تجاه من قتل رجلا من الموالي، بينما نراه غير مكترث تجاه من قتل الخليفة. ويعقّب بعدها بقوله: إنّ في الأمر لسرّا دفينا !.
يتحدّث الوردي عن اختلاف، وتضارب الأوّلين والآخرين، عن شخصية سيّدنا علي بن أبي طالب، ومنهم من جعل من سيّدنا علي بن أبي طالب إلها، ومعصوما.
ينقل الوردي عن سيّدنا ابن خلدون، رحمة الله ورضوان الله عليه، ويقول بالحرف: “فهو يرى أنّ عليا لم يتميّز عن بقية الصحابة في لباس أو حال. وقوله: الصّدّيق وعمر بن الخطاب، كانا أزهد من علي.
ينقل الوردي عن العقاد، ويميل لرأيه ميلة واحدة، ويتشبّث به، ويدعو إليه، حين يقول بالحرف: “يعتقد الأستاذ أنّ النبي كان يحب عليا ويحببه إلى النّاس لكي يمهد له سبيل الخلافة من بعده. والنبي، في رأي العقاد، لم يرد أن يفرض رغبته هذه على النّاس، إنّما أراد أن يختاره النّاس طواعية وحبا. وهو في الواقع رأي لايخلو من قوّة. ولست أرى حلاّ لهذه المشكلة إلاّ بالالتجاء إلى رأي العقاد”.
أقول: قرأت منذ عامين كتاب –فيما أتذكر-، كتاب “عبقرية الإمام علي”، للأستاذ عباس محمود العقاد، رحمة الله عليه، ولا أتذكر أنّي قرأت مانقله الوردي عن العقاد.
أخطأ الوردي، لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين، بعث للجن والإنس ولم يبعث لعائلة، ولا لتعيين أفراد عائلته حكاما على المسلمين.
أقول: من الكذب، والزور، والبهتان الزّعم أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أوصى بالخلافة لأسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، والحسن، والحسين وغيرهم، فإنّ ذلك ممّا لايليق بعظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبعالميته، وبخلود الإسلام، وأنّ الدين دين الله تعالى وليس دين أسرة، وأنّ الحكم للمسلمين وليس لعائلة، ومهما كانت منزلتها.
قال الوردي: كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يلمّح بالخلافة لسيّدنا علي بن أبي طالب إلاّ أنّه لم يصرّح بذلك. ودافع الوردي عن رأي العقاد بقوّة، واعتبره الأفضل.
أقول: هذا اتّهام خطير من الوردي لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بأنّه لايستطيع أن يصرّح بأقواله وأفعاله، خاصّة في أمر جلل كخلافة المسلمين، فيتّخذ من التّلميح وسيلة. وهذا سلوك الضعفاء وليس الأقوياء، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوي يعتمد على التصريح طيلة حياته، لأنّه مكلّف بالتبليغ، وحاشاه أن يكون ضعيفا يعتمد على التلميح.
أضيف: وددت من الوردي، أن يطبّق مقولة “التلميح عوض التصريح” على أسيادنا الصحابة، الذين تنطبق عليهم نفس القاعدة.
نظلّ نحب سيّدنا علي بن أبي طالب، لحبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ونظلّ نتقرّب إلى الله تعالى بحبّ أسيادنا آل البيت رضوان الله عليهم جميعا.
قال الوردي وبالحرف: “ومما تجدر الإشارة إليه أن قريشا لم تبايع عليا. إذ لم يبايعه إلا الثوار الذين قتلوا عثمان”.
أقول: مازال الوردي يعتبر قتلة سيّدنا عثمان بن عفان، أنّهم “ثوار؟!”، وأنّ القتلة هم الذين بايعوا سيّدنا علي بن أبي على الخلافة.
يرى الوردي أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب، كان ثائرا ولم يكن خليفة.
أقول: أفهم الآن سرّ إعجاب الوردي بالقتلة “الثوار؟!”، الذين قتلوا سيّدنا علي بن أبي طالب. وافتخار الوردي بـ: “الثوار؟!”، لأنّهم بايعوا سيّدنا علي بن أبي طالب على الخلافة. وافتخاره بسيّدنا علي بن أبي طالب، لأنّه تمّ اختياره كخليفة من طرف “الثوار؟!”.
أضيف: أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب، كانوا ثوارا ضدّ الوضع، ودون أن يطلق عليهم أحد ذلك اللّقب، ولم يطلبوه ولم يسعوا إليه. وقد تجلى ذلك -كمثال- في حرب الردة، والمؤلفة قلوبهم، والإصرار على التمسّك بجيش سيّدنا أسامة بن زيد، والإصرار على أنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، والصّدّيق يومها يخاطب سيّدتنا فاطمة الزهراء، بنت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وزوج سيّدنا علي بن أبي طالب، وأم أسيادنا الحسن والحسين، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
قال الوردي: لم يقبل سيّدنا علي بن أبي طالب المساومة في الحكم.
أقول: لم يقبل أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب المساومة في الحكم. ألا ترى معي الصّدّيق، وهو يعلن الحرب على أصحاب الردة، ويقول: والله لو منعوني عقال بعير، كانوا يقدّمونه لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقاتلتهم عليه. وسيّدنا عمر بن الخطاب، وهو يعزل سيّدنا خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، والقائد الفاتح العظيم.
قال الوردي: “كتب على -آل البيت- الفشل في كلّ سبيل سلكوه إلاّ سبيل الشهادة”. وقال بالحرف: “والظاهر أن الحسين كان يريد أن ينتحر”.
اتّهام الوردي لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان:
أقول: يستنكر الوردي على المؤرخين، مقارنتهم بين سيّدنا علي بن أبي طالب، وسيّدنا معاوية بن أبي سفيان، رحمة الله ورضوان الله عليهما. ويرى أن لامجال للمقارنة، والفرق شاسع، ويطالب بالتوقف عن المقارنة. ثمّ يخصّص فصلا بأكمله للمقارنة بينهما، ويعطي التفوّق لسيّدنا علي بن أبي طالب، ويرى أنّ سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، تفوّق على سيّدنا علي بن أبي طالب في الميدان السياسي، والدهاء السياسي الذي امتاز به سيّدنا معاوية بن أبي سفيان.
قال الوردي: استعمل سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، رحمة الله ورضوان الله عليهما الرشوة مع سيّدنا أبي ذر الغفاري، ليضمن ولاءه وسكوته.
أقول: هذا من الكذب والزور الذي استعمله الوردي. والحقيقة أنّ سيّدنا معاوية بن أبي سفيان، كغيره من أسيادنا الصحابه، كانوا يتقرّبون إلى الأوائل الذين أسلموا من الصحابة، لسبقهم وفضلهم ومكانتهم. وسيّدنا معاوية بن أبي سفيان، كان في غنى عن الرشوة التي زعمها الوردي.
يصف الوردي سيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله ورضوان الله عليه، بأنّه “أدهى العرب وأبعدهم نظرا وأعظمهم حيلة”، ثمّ يصفه بكلّ الخبائث والنقائص، ويشبّهه بموسيليني، وهو الذي نقل ثناء سيّدنا ابن خلدون لسيّدنا معاوية بن أبي سفيان رحمة الله عليهما.
تفضيل الوردي لسيّدنا معاذ بن جبل
وصف الوردي سيّدنا أبا ذر الغفاري رحمة الله ورضوان الله عليه بـ: “دعوته الاشتراكية”، و “الحركة الاشتراكية التي دعا إليها أبو ذر”.
أقول: يذكّرني زعم الوردي الكاذب، بالتبرير للاشتراكية يومها بـ: “اشتراكية سيّدنا أبي ذر”، ونحن أطفال. وكنّا -وما زلنا- نستهجن هذا الرأي المضحك الشنيع من وعاظ السلاطين يومها، إذ بي أقرأ للوردي، وهو ينقل نفس السذاجة والحماقة دون ردّ ولا تكذيب، وينضم بهذا إلى قافلة وعاظ السّلاطين، التي استنكرها الوردي، ووقع فيها، وبرّر لها، ودافع عنها.
تفضيل الوردي لسيّدنا عمار بن ياسر:
ممّا وصلت إليه وحسب الوردي، أنّ سيّدنا عمار بن ياسر، عارض الخليفة سيّدنا عثمان بن عفان رحمة الله ورضوان الله عليه، وعارضه في أن يكون خليفة، وفي الوقت نفسه كان يرى أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب أحقّ بالخلافة منه، ووقف بقوّة إلى جنب سيّدنا علي بن أبي طالب ضدّ سيّدنا عثمان بن عفان.
أقول: أعترف، أنّي لأوّل مرّة أقف على حقيقة تأليه سيّدنا عمار بن ياسر من طرف البعض، وتفضيله على أسيادنا الخلفاء الرّاشدين، والصحابة.
أعجب الوردي بسيّدنا عمّار بن ياسر، لأنّه قتل سيّدنا عثمان بن عفان. وذكر أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب أعجب بجرأة سيّدنا عمّار بن ياسر لقتله سيّدنا عثمان بن عفان. ولا أراني أبالغ إذا قلت، أنّ الوردي أفرد فصلا بأكمله لسيّدنا عمّار بن ياسر، لأنّه قتل سيّدنا عثمان بن عفان، كثناء وإعجاب بما قام به من قتل.
قال الوردي: كان سيّدنا عمّار بن ياسر يرى أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب أحقّ بالخلافة وهو صاحبها الشّرعي، وليس سيّدنا عثمان بن عفان. وكان يحرّض النّاس على بيعة سيّدنا علي بن أبي طالب بكلّ سبيل، ويحرّض النّاس ضدّ سيّدنا عثمان بن عفان. وكان سيّدنا عمّار بن ياسر، مع سيّدنا علي بن أبي طالب، ضدّ سيّدتنا البكر الطّاهرة الفقيهة المجتهدة الصّادقة الصّدّيقة بنت سيّدنا الصّدّيق أمّنا عائشة رحمة الله ورضوان الله عليها في موقعة صفين.
قال الوردي وبالحرف: “كان عثمان يتّهم عليا وعمارا وعبد الله بن العباس بتحريض النّاس عليه”.
أقول: يعارض الوردي المؤرخين في كون ابن سبأ اليهودي، هو الذي قتل سيّدنا عثمان بن عفان، ويرفض هذا الرأي جملة وتفصيلا، ويستهزئ بأصحابه، ويراهم من “وعاظ السّلاطين”، ويؤكّد على أنّ قاتل سيّدنا عثمان بن عفان هو سيّدنا عمّار بن ياسر، ويفتخر بذلك افتخارا شديدا، ولذلك تراه يفضّل سيّدنا عمّار بن ياسر على غيره من أسيادنا الصحابة.
أقول: لايرى الوردي أنّ التقية نفاق، لأنّ سيّدنا عمار بن ياسر الذي مارس “التقية؟!” ليس منافق. ولكن يرى أنّها من الإضافات التي أضافها الشيعة لعقيدتهم، وأفسدتهم.
ممّا وقفت عليه، وأذكره لأوّل في حياتي، أنّ الشيعة يعتمدون على التقية كعقيدة، ومن أسباب ذلك، أنّ سيّدنا عمار بن ياسر -في نظرهم-، مارس “التقية؟!” مع قريش، فأبدى الكفر وأخفى الإسلام، ولذلك تراهم -وكذا الوردي-، جعلوا من سيّدنا عمار بن ياسر إلها، وأفضل من أسيادنا الصحابة. ويعارضون بشدّة -ومنهم الوردي-، كلّ من يعتبر التقية نفاقا، لأنّه -في نظرهم-، يعتبر ذلك اتّهاما لـ”تقية؟!” سيّدنا عمار بن ياسر بالنّفاق، والتقية -في نظرهم- ليست نفاقا، و”تقية؟!” سيّدنا عمار بن ياسر ليست نفاقا.
الوردي وأبو جهل:
يعاتب الوردي الذين يعاتبون أبا جهل بكلّ نقيصة، ويرى أنّه لايختلف في شيء عن أسيادنا الصحابة، وكلّ ماهنالك أنّه توفى مبكرا ولم يسلم، وأسيادنا الصحابة أسلموا وماتوا على الإسلام. ولو بقي وأسلم ولو يوم الفتح لأمسى من كبار أسيادنا الصحابة.
أقول: لانلوم الشخص لذاته، إنّما نلوم معاداته ومحاربته للإسلام والمسلمين. فالشرك والإيمان هو الفاصل، وليس الشخص. ونظلّ نتمنى لأيّ شخص أن يسلم، ويموت على الإسلام، ويحزننا أن يموت على الكفر، سواء قبل الفتح أو بعده. ومن أسلم وجاهد بماله ونفسه وسيفه كان سيّد الصحابة، سواء أسلم قبل الفتح أو بعده.
بغض الوردي لقريش:
يستنكر الوردي على قريش بأنّها أسلمت، ويرى في إسلامها أضرارا بالغة، وباستثناء حسنة واحدة.
أقول: من نعم الله تعالى أنّ قريش لم تسلم في بداية الإسلام وهي التي حاربت، وطاردت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسعت لقتله، ومن معه من أسيادنا الصحابة، وحتّى لايقال انتصر الإسلام بفضل عشيرته صلى الله عليه وسلّم. والقاعدة في ذلك، لافضل لأحد على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلاّ الله تعالى.
يتعجّب الوردي من كون قريش لم تحارب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذي حطّم آلهتهم، ويرى أنّ ذلك من غير المعقول.
أقول: الأمر عادي جدّا، لأنّ قريش يوم الفتح لم تكن تملك العدد والعدّة، خاصّة وأنّ مكّة وسادتها وقادتها وكبارها أسلموا ودخلوا في دين الله تعالى ولم يعد لها القوّة، ولا المال، ولا النفوذ، ولا النفس الطويل وقد فقدت كبارها، وانهزمت وحيدة ومجتمعة، وليس كما قال الوردي، بل وليس كما تمنى الوردي.
تفضيل الوردي لتوقيف سيّدنا عمر بن عبد العزيز للفتوحات الإسلامية
أثنى الوردي وبشكل كبير على سيّدنا عمر بن عبد العزيز رحمة الله ورضوان الله عليه، لأنّه أوقف الفتوحات الإسلامية، ولأنّها انحرفت عن مقاصدها، وغاياتها التي وضعت لأجلها.
أقول: ممّا وقفت عليه، أنّ الوردي أعماه حقده للأمويين، ولفضائلهم -دون نكران السلبيات-، حين راح يمدح كلّ من يخالف الدولة الأموية ولو في عظائم الأمور، كالفتوحات الإسلامية التي قامت بها، وقادها القادة العظام. فهو يثني على سيّدنا عمر بن عبد العزيز لأنّه أوقف الفتوحات التي قامت بها الدولة الأموية، وبقيادة القادة الفاتحين العظام. وحسب الوردي، فإنّ سيّدنا عمر بن عبد العزيز أفضل من القائد الفاتح الحجاج بن يوسف الثقفي رحمة الله عليه، لأنّه أوقف الفتوحات، والحجاج قاد الفتوحات. ودون أن يدري، جعل الوردي من القائد الفاتح الحجاج بن يوسف، أفضل من سيّدنا عمر بن عبد العزيز، لأنّه قاد الفتوحات وسيّدنا عمر بن عبد العزيز أوقفها، ومهما كانت الأسباب.
أقول: ظلّ الوردي يتحدّث عن سلبيات الفتوحات الإسلامية، وما زال يدافع عن توقيف الفتوحات الإسلامية من طرف سيّدنا عمر بن عبد العزيز، رحمة الله ورضوان الله عليه. والسبب، أنّ الوردي حاقد على الأمويين، وحاقد على إنجازاتهم العظيمة ولو كانت الفتوحات الإسلامية، وعلى كلّ القادة الفاتحين العظام. ومن قال أنّ الفتوحات الإسلامية شابها بعض الأخطاء فهذا أمر عادي، وكلّ الدول العظمى وهي في صعودها وقوّتها وعظمتها، تتسلّل إليها بعض الأخطاء. والأمويين ليسوا بدعا من الأمم.
الوردي والدولة الأموية:
قال الوردي: كان الشيعة وأهل السنة في عهد الدولة الأموية، يؤلفون حزبا واحدا. وكلاهما كان يثور ضدّ الدولة. الشيعة بسيوفهم، وأهل السنة بالأحاديث النبوية. وكان أهل الحديث ضدّ الفاسدين من الحكام.
قال: أهمل الأمويون أهل الحديث، واهتموا بالشعراء كما يفعل البدو تماما. وسجّل أهل الحديث مثالب الأمويين، وفضائل أعدائهم، وذهبت الأشعار التي قيلت في مدح الأمويين، بذهاب الأمويين.
أقول: ممّا فهمته، أنّ الوردي يبغض بغضا شديدا أسيادنا ابن حزم وابن عربي، رحمة الله ورضوان الله عليهما، ويتعامل مع سيّدنا ابن حزم باحتقار واستصغار، لأنّهما -في نظره-، من أنصار الأمويين.
قال الوردي: النزاع بين الشيعة وأهل السنة اتّخذ شكل التعصب لآل النبي من جهة ولأصحاب النبي من الجهة الأخرى.
اتّهام الوردي لهارون الرشيد:
سلك الوردي طريق الكذب والزور والبهتان، حين وصف هارون الرشيد رحمة الله ورضوان الله عليه، بكلّ أنواع الفجور، والجواري، والتبذير، والفساد، والغناء، والخمر. وأنّ أموال الفتوحات من غنائم كانت تذهب لشراء الجواري، وينعم بها على الأصحاب، وكرّر ذلك طوال الصفحات. ويصفه بقوله: “فهو وأمثاله من المترفين الطغاة”.، و “كان دنيئا مترفا سفاكا” .
أقول: يتّهم الوردي هارون الرشيد، بكونه يكره سيّدنا علي بن أبي طالب وأشياعه، من قبل أن يتولى الخلافة. وأضيف: ظلّ الوردي يتّهم سيّدنا هارون الرشيد طيلة صفحات الكتاب
اتّهام الوردي للعثمانيين:
تحدّث الوردي وباستمرار عن جرائم العثمانيين في المشرق العربي. ويرى أنّ “وعاظ السّلاطين”، من أسباب فساد حكام الدولة العثملنية، وذكر في سبيل ذلك أمثلة كثيرة.
قال الوردي: سلاطين الصفويين لايختلفون اختلافا أساسيا عن سلاطين العثمانيين.
اتّهام الوردي لسيّدنا القرطبي:
يصف الوردي سيّدنا القرطبي رحمة الله ورضوان الله عليه بـ: “الغباوة”، وهو يفسّر آية “إنّ الذين يكنزون الذهب والفضّة..”، وقد أعدت قراءة تفسير سيّدنا القرطبي، فوجدته لاعلاقة له بتهمة الوردي له، بكون سيّدنا القرطبي يبرّر اكتناز الذهب والفضة للحكام والفقراء على حساب الفقراء.
نظرة الوردي للتأثير البالغ للصفويين على الشيعة
قال الوردي: إذا أراد الشيعة وأهل السنة أن يتحدوا، فليرجعوا إلى شعار الثورة على الظلم في شتى صوره… لافرق في ذلك بين الظالم الشيعي، أو الظالم السني.
قال الوردي: الصفويين خدّروا مذهب التشيع وروّضوه.
أقول: لايفرّق الوردي بين الصفويين الذين قضوا على المذهب الشيعي وجعلوا منه ألعوبة، والأيوبيين الذين قضوا على الفاطميين، ويرى في ذلك تطابقا وتشابها.
قال الوردي: كان الفرس قبل ظهور الصفويين من أهل السنة والجماعة، والصفويين هم الذين أرغموا الفرس على التشيع، وذكر قائمة من أسيادنا أئمة الحديث، والفقه، والتفسير، واللّغة وكلّهم من الفرس.
تحدّث الوردي عن عيوب الشيعة وبالتّفصيل، وعن علم وتجربة ومعاينة شخصية بالغة الدّقة، ويقين، فحصرها في النّقاط التّالية: عقيدة الإمامة للمعصومين، وعقيدة المهدي المأخوذة من معنى سيّدنا المسيح، والتقية، وعزاء سيّدنا الحسين.
قال الوردي بعد هذا التّفصيل العلمي الرّاسخ الممتع: إنّ التشيع الحاضر مملوء بالخرافات، وهنا مكمن الخطر.
قال الوردي: رغم أنّ الفقيه الشيعي مجتهد، إلاّ أنّه لايجتهد فيما يخالف العامة، خشية أن تثور العامّة عليه. ورغم أنّ الفقيه الشيعي المجتهد تحرّر من عبودية الحكومة، لكنّه أصبح عبدا للعامّة.
قال الوردي: ولو درسنا الحركة التي قام بها محمد عبده، نجد أنّ الذي بذر بذرتها ورعاها فقيه شيعي، هو السيد جمال الدين الأفغاني.
أقول: لاحظ كيف يطلق الوردي، لقب “السيد” على جمال الدين، وكيف يذكر الأستاذ محمد عبده دون لقب. وهذه عقيدة من عقائد الوردي، وهو يتعامل مع الأسماء والرموز المختلفة، ودون أن يفصح عنها. والقارئ المتتبّع يدرك ذلك جيّدا.
قال الوردي: والأفغاني سيد علوي في إيران، وقد تلقى الأفغاني علومه الدينية والفلسفية في النجف. وعندما ذهب السيد جمال الدين إلى مصر أطلق على نفسه الأفغاني من باب التقية.
الواعظ علي الوردي:
قال الوردي وبالحرف: “الوعاظ “المتفرنجين” لايختلفون عن الوعاظ “المعممين” إلاّ بمظاهرهم الخارجية ومصطلحاتهم التي يتمشدقون بها. هؤلاء يصيحون “الدين.. الدين.. ياعباد الله!” وأولئك يصيحون “التمدن.. التمدن.. ياأبناء الفاتحين!”.
قال الوردي وبالحرف: “والوعاظ المتفرنجون لايقلون عن المعممين في ولعهم بالنصائح الفارغة”.
قال الوردي وبالحرف: “ذهب زمان السلاطين وحل محله زمان الشعوب”.
يرى الوردي أنّ الحاكم الظالم يعتمد على السيف والقلم.
أقول: الحاكم القوي يعتمد على السيف والقلم في فرض العدل. والمسألة إذن، في كيفية الاستعمال، والغاية العليا، والهدف المرجو، وتوجيه السيف والقلم توجيها فاعلا يخدم الأمّة والمجتمع، ويحقّق أمن وسلامة الجميع.
اعتبر الوردي من النفاق، واضطراب الشخصية، أن يتأثّر الحاكم بالموعظة في حينها، ثمّ يعود لشأنه بمجرّد انتهاء أثر الموعظة.
أقول: كلّ المجتمع على هذه الصورة، ولا يسمى نفاقا ولا اضطرابا، وقد اشتكى أسيادنا الصحابة هذه الحالة، إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأقرّهم عليها، ولم ينكر عليهم ذلك، باعتبارها طبيعة بشرية لايمكن تجاوزها.
أقول: يستهزئ الوردي وبشكل مستمر من دور الوعاظ، ويرى أنّ دورهم لايساوي شيئا.
أضيف: تقوم الدولة والمجتمع على: سيف الحاكم، وموعظة الواعظ. والدولة القوية تعتمد على الواعظ فيما تعجز عنه، والواعظ يعتمد على سيف الدولة فيما يعجز عنه. فلكلّ دوره، ولكلّ حدوده، ولكلّ عظمته، ولكلّ نقائصه. لكن تبرير الوعاظ لفساد السّلطان جريمة لاتغتفر، ولا يمكن بحال تبريرها.
محاسن الأستاذ علي الوردي من خلال “وعاظ السّلاطين”:
قال الأستاذ علي الوردي: أبدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تشاؤما في أواخر حياته، وقد استتبّ له الملك، وانتصر على أعدائه، واستقرّت دولة المدينة. أقول: ومن عجيب ماوقفت عليه: أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أبدى تفاؤلا عجيبا وهو في مكة يعاني، ومطارد، ومهدّد بالقتل، وفي المدينة وهو محاط بالأحزاب.
ويرى أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب، كان معجبا بطريقة تسيير أسيادنا الصّدّيق، وعمر بن الخطاب، ويأخذ منهما، ويعتبرهما قدوة في حسن التسيير.
تحدّث الوردي عن دفاع سيّدنا علي بن أبي طالب عن سيّدنا الصّدّيق. وتحدّث عن حبّ سيّدنا عمر بن الخطاب لسيّدنا علي بن أبي طالب، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا.
يرى الوردي أنّ هناك أحاديث في فضائل سيّدنا علي بن أبي طالب، لكن الغلاة أضافوا إليها ممّا ليس منها، فجعلوا منه الإله.
قال الوردي وبالحرف: “أخلص علي لأبي بكر وعمر من بعده، كما رأينا. والظاهر أنّ علي لم يتألم لفوات الخلافة منه على عهد أبي بكر وعمر”.
أعجبني قوله في أنّ العرب لاتقصد بالعدد العدد لذاته، إنّما تقصد المدّة الزمنية. وشخصيا أميل لهذا الطرح، وذكرته من قبل لمن حولي، وأذكره الآن لأوّل مرّة.
أقف مع الوردي في مناهضته للفاسدين من الحكام. وأقف معه في محاربته للفاسدين من العلماء والفقهاء، وما يُطلقُ عليهم هو مصطلح: “وعاظ السّلاطين”.
أقف معه في استنكاره الشديد لكلّ من يبرّر باسم الدين لفساد الحاكم، والعالم والفقيه معا.
أقف معه في كون العربي بدوي بطبعه ولو سكن ناطحات المريخ، وتصرفاته انعكاس لهذه البداوة، رغم أنّ قيم الإسلام تناقض قيم البداوة التي تسكنه.
أقف معه في كون العربي والمسلم، يعاني ازدواجية رهيبة في القول والفعل.
أقف معه في كون الحاكم الفاسد نتاج الفقيه والعالم الفاسد، الذي برّر له فساده باسم الدين. وأضيف: وفساد العالم الفقيه من فساد الحاكم، الذي أنعم عليه كلّما برّر فساده.
قال الوردي: لم تظهر الازدواجية في القول والفعل، أثناء خلافة أسيادنا الصّدّيق وعمر بن الخطاب رحمة الله ورضوان الله عليهما، لأنّ الأمّة كانت يومها مشغولة بالفتوحات الإسلامية.
أضيف: نفس الموقف وقفه الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، ومن زاوية أخرى في بعض كتبه حين قال -فيما أتذكر-: لم تظهر الخرافات في الصدر الأوّل من الإسلام، لأنّ الأمّة يومها كانت مشغولة بالفتوحات الإسلامية.