بدون مؤاخذة-التّعليم في فلسطين
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 30/09/22 | 6:52تعاني المؤسّسة التعليميّة بمراحلها المختلفة في فلسطين مشاكل عديدة، تحتاج جهودا كبيرة لحلّها. ومّما لا شكّ فيه أنّ للاحتلال دورا رئيسا في هدم المؤسّسة التّعليميّة في فلسطين، ومن المشاكل التي تعيق التّعليم في بلادنا:
نقص في المدارس النّموذجيّة والصّفوف الدّراسيّة: غالبيّة المدارس في بلادنا تفتقر إلى أبنية نموذجيّة لتسهيل العمليّة التّعليميّة، فالصّفّ الدّراسيّ يجب أن يكون واسعا كأن تكون مساحته على الأقلّ 6م×6م. وألّا يزيد عدد تلاميذ الصّفّ الواحد عن 30 تلميذا في أسوأ الحالات، وأن يكون للصّفّ نوافذ للتّهويّة، وأن يكون مجهزّا بمكيّفات للتّدفئة شتاء وللتّبريد صيفا. وأن يكون في المدرسة قاعة للنّشاطات، غرفة إدارة، غرفة للمدرّسين، غرفة للسّكرتاريا.
نقص حادّ في الملاعب والسّاحات: معروف أنّ الأطفال والفتيان والشّباب يحتاجون اللعب لتفريغ طاقاتهم، ومفروض أن يكون في المدارس ساحات لاصطفاف التّلاميذ، وملاعب لبعض الألعاب الرّياضيّة ككرة اليد، وكرة القدم، وهذا ما تفتقر إليه مدارسنا.
نقص حادّ في رياض الأطفال: هناك نقص بائن وكبير لرياض الأطفال في مدارس الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وهذا يؤثّر على الإعداد السّليم للأطفال لدخول المدارس.
نقص حادّ في جوانب علميّة وثقافيّة: ومدارسنا تحتاج إلى المختبرات العلميّة، وسائل الإيضاح والمكتبات المدرسيّة والحواسيب الكافية للتّعليم، ففي عصرنا صار الأمّي هو من لا يعرف استعمال الحاسوب.
اختيار المعلّمين: يجب ألّا يخضع تعيين المعلّمين ومدراء المدارس والمشرفين التّربويّين لشروط أمنيّة، ويجب ألّا يُستثنى شخص من ممارسة التّدريس بناء على رأيه السّياسيّ أو معتقداته.
التّأهيل: Teacher is borne “المعلّم يولد معلّما” هذا مثل انجليزي، فليس كلّ من حمل شهادة جامعيّة يكون مؤهّلا للممارسة التّدريس، وهناك شروط يجب أن تتوفّر في المعلّم منها: قوّة الشّخصيّة، الأسلوب في طرح المعلومة، والكفاءة العلميّة. فهل تتوفّر هذه الشّروط في معلّمينا كافّة؟
التّخصّص: يجب أن يكون المعلّم مؤهّلا في المادّة التي يدرّسها، فمن غير المعقول مثلا أن يقوم معلّم متخصّص باللغة العربيّة بتدريس الجغرافيا والتّاريخ والتّربيّة الدّينيّة، على اعتبار أنّها موادّ ثانويّة وغير هامّة.
أساليب التّدريس: الحصول على الشّهادة الجامعيّة ليس كافيا كمؤّهل للمعلّم، لذا يجب توفير دورات يحاضر فيها أكّاديميّون مختصّون مؤهّلون، لتدريب المعلّمين على أساليب التّعليم الحديثة التي تبتعد عن التّلقين، وتعتمد على الإقناع، وكما قال أرسطو:” العلوم موجودة، وتحتاج لتذكير الدّارسين بها”.
رواتب المعلّمين: يجب توفير رواتب تتناسب ومستوى المعيشة، وتوفّر حياة كريمة للمعلّمين، كي يتفرّغوا لمهنتهم، فمن غير اللائق مثلا أن نرى معلّما يعمل سائق سيّارة أجرة بعد دوامه المدرسيّ، وقد يضطر لأخذ بضعة قروش كأجرة نقل لأحد تلاميذه.
المناهج: هناك ملاحظات كثيرة على المناهج الدّراسيّة المعمول بها في مدارسنا، فبأيّ حقّ مثلا يستثنى تعليم الفلسفة؟ وهل تُبنى مناهجنا على فلسفة تعليميّة واضحة تخدم الثّقافة العربيّة وصحّة الإنتماء للوطن وللأمّة وللإنسانيّة؟ وبأيّ حقّ يُسمح للمحتلّ وللمموّلين بمراقبة مناهجنا الدّراسيّة، علما أنّ ثقافتنا تقوم على التّسامح وتخدم الثّقافة الإنسانيّة؟ في حين لا أحد يعترض على المناهج الإسرائيليّة التي تطرح” صورة العربيّ على أنّه سيء شكلا ومضمونا، فهو البشع، معقوف الأنف، أسنانه صفراء، قذر لا يستحم، لا يعرف الصابون، يبصق بفنجان القهوة لتنظيفه، ويمسحه بيده قبل أن يصبّ القهوة للضّيف إكراما له، قاتل، مغتصب، جبان، يجب قذفه بالحجر كالكلب المسعور وإلا سيهاجم النّاس إلخ من صفات غير إنسانيّة” [ انظر دراسة ديمة السّمان حول معركة الثّقافة والتّعليم في القدس].
حرمات المؤسّسات التّعليميّة: للمؤسّسات التعليميّة حرمات لا تقلّ أهمّيّة عن حرمات دور العبادة والمستشفيات والبيوت السّكنيّة، لكنّ الاحتلال لا يحترم حرماتنا ويستبيحها متى يشاء، وهذا يؤثّر على نفسيّة المعلّمين والتّلاميذ وعلى تحصيلهم العلميّ.
قوانين التّعليم: جميل أن يكون هناك قوانين تمنع تعنيف التّلاميذ لفظيّا أو جسديّا، ولحماية التّعليم والمؤسّسة التّعليميّة يجب أن تكون هناك أيضا قوانين رادعة تحمي المعلّمين والمدارس من التّلاميذ ومن أولياء أمورهم.
ما العمل: نعي تماما الظّروف الصّعبة التي يعيشها شعبنا وسلطتنا الفلسطينيّة التي تعاني ضغوطات كبيرة من الأقربين ومن غيرهم، لكن هذا لا يمنع أن تتكاتف الجهود لتصحيح المسيرة التّعليميّة؛ كي ينهض شعبنا ويتمكّن من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة، وما الفارق بين الدّول والشّعوب المتقدّمة وبين الدّول والشّعوب “النّامية” إلا فارق تعليميّ، ولكم أن تتصوّروا أنّ الدّخل القوميّ لدولة مثل بلجيكا التي عدد سكّانها ستّة ملايين، ويعتمد اقتصادها على صناعة الأخشاب وصيد السّمك وتعليبه، يعادل دخل السّعوديّة أكبر منتج للنّفط في العالم.