كلفةُ الاحتلال تزدادُ وفاتورةُ العدوان ترتفعُ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 09/10/22 | 15:22باتت الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة قلقة جداً مما يجري في فلسطين، فقد ازدادت عمليات المقاومة، وارتفت نسبة المؤيدين لها والمنخرطين فيها في أوساط الفلسطينيين عموماً، وانغمست كتائب الأقصى، وهي الجناح العسكري لحركة فتح في المقاومة المسلحة، وتفلتت عناصر كثيرة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وانخرطت مع خلايا المقاومة التابعة لمختلف القوى الفلسطينية، ونفذت بالتعاون معها أو وحدها، عملياتٍ عسكرية نوعية، توجع منها الاحتلال وتأذى، وألحقت به خسائر كثيرة، فهي مدربة ومؤهلة، ولديها خبرة وعندها أسلحة وذخيرة، ويسهل عليها التنقل وتجاوز الحواجز الأمنية، والوصول إلى مناطق لا يقوى عليها غيرهم، ولديها من الغيرة والحس الوطني ما يكفي للتضحية والبذل دفاعاً عن الأرض والوطن والشعب والحقوق والمقدسات.
الدماء الجديدة التي ضُخت في صفوف المقاومة، سواء كانت من مجموعات حركة فتح العسكرية، أو من عناصر القوى الأمنية الفلسطينية، ومعها الجناحين العسكريين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس، وغيرهم من الشباب الثائر، الذين يميلون إلى تنفيذ عملياتٍ فرديةٍ، دون تنسيقٍ مع القوى الفلسطينية، من الذين يصفهم العدو بـــ”الذئاب المنفردة”، ويخشى منهم أكثر من خشيته من الخلايا المنظمة، قد أحدثوا جميعاً نقلة نوعية في عمليات المقاومة، واستطاعوا أن يخلقوا حالة تنافسية وتكاملية إيجابية، أفادت المقاومة وحققت إنجازاتٍ أكبر.
أمام هذا الواقع المستجد الذي لم يكن يحلم بمثله الاحتلال أبداً، وهو الذي نفذ على مدى سنواتٍ طويلةٍ سلسلةً من الإجراءات الأمنية والوقائية والاحترازية، وشن عملياتٍ كثيرة كالسور الواقع وكاسر الأمواج، للقضاء على مختلف أشكال المقاومة، وتفكيك مجموعاتها، وإحباط عملياتها، وتسهيل أنشطة جيشه في المناطق، دون أن يكون لدى قيادته أي خوفٍ أو قلقٍ من إمكانية تعرضهم للخطر، كإطلاق النار أو وقوعهم في كمائن وتعرضهم لاشتباكاتٍ قد تعرض حياتهم للخطر قتلاً أو أسراً.
بدأ العدو في ظل تنامي عمليات المقاومة وانتشارها، يعيد حساباته بدقةٍ أكثر وحذرٍ أشد، فهو لم يعد يستطيع أن يتمتع بمزايا الاحتلال، ويستفيد من الأرض والخيرات، ويحكم المواطنين ويذل السكان، دون أن يتكلف ضريبةً موجعة، ويقدم خسائر حقيقية مؤلمة، يدفعها من أمنه واقتصاده واستقراره وسمعته وحياة جنوده ومستوطنيه.
فقد باتت عمليات المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية خطاً متصلاً لا ينقطع، وسلسلة متوالية من العمليات النوعية لا تتوقف، بل تنتقل من جنين ومخيمها إلى القدس وبلداتها، ونابلس وأحيائها، والخليل وبيت لحم، وقباطية وسلفيت وقلقيلية وطوباس، وكل مكانٍ في الضفة الغربية، ولعل آخرها كانت في حي شعفاط في مدينة القدس، التي نجحت في قتل مجندة وإصابة ثلاثة آخرين بجراحٍ خطرة، تؤكد للعدو أن لاحتلاله أرضناً ثمناً، ولعدوانه على شعبنا ضريبة، ولاغتصابه لحقوقنا وتدنسيه لمقدساته وحصاره لنا، فاتورةً كبيرةً من الدم والمال يجب أن يدفعها، وتبعة ومسؤولية كبيرة يجب أن يتحملها وحده ويغض الطرف عن نتائجها.
أما أن يحلم باحتلالٍ مجاني، أو كما يسميه البعض بـــاحتلال “سبعة نجوم”، يحقق من خلاله ما يريد ويتمنى، وينفذ مخططاته ومشاريعه، ويصادر أرضنا ويستنزف خيراتنا، ويستولي على أموالنا، ولا يجد مقاومةً تذكر أو معارضة تصد وتمنع، أو يجد من يسهر على أمنه، ويطمئن على سلامته، ويقوم على خدمته وتأمين عدوانه وتسهيل اقتحامه، ويتولى نيابة عنه ملاحقة المقاومين واعتقالهم، وتفكيك مجموعاتهم ومصادرة أموالهم، وإغلاق مؤسساتهم، والتصدي لهم والاشتباك معهم نيابةً عنه، بما لا يكبده خسائر في الأموال أو الأرواح.
هذا ما لن يناله أو ينعم به أبداً، ولعله بات خبيراً بالشعب الفلسطيني وعالماً به، فهو لا يستكين على الظلم، ولا يقيم على الخسف، ولا يقبل بالاحتلال ولا يتعايش معه، وسيبقى يواجهه ويقاتله، ويكبده خسائر مادية، ويفجعه في مستوطنيه وجنوده حتى يرحل، أو يدرك أن ثمن البقاء مكلفٌ، وضريبة الاحتلال موجعة ولا يقوى عليها، ولعل البيانات اليومية، واحصائيات جيشه ومؤسساته الأمنية، تخبره يقيناً، بالأعداد والأسماء، أن فاتورة احتلاله تزداد، وأن ضريبة عدوانه ترتفع.