متنفَّس عبرَ القضبان (65)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 10/10/22 | 13:15بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّبت الصديقة فاطمة كيوان: ” لكم هو موجع ومؤلم هذا الأسر وهذا البعد عن البيت والأطفال والعائلة. كان الله بعونهم شد من أزرهم. الحرية للأسرى جميعا. وزادك الله قوة للتخفيف من جراحهم”.
وعقّبت الصديقة زهرة محمد: “لها ولكل أسيراتنا الماجدات …الحرية والحياة التي تليق بنضالهن يا رب. نعم، لا نريد لأي منهن أن تفوز بلقب (عميدة الأسرى). لقد خُلقن للحياة والحب والعطاء …كما أسرانا الرجال. وليس للبقاء خلف قضبان الكيان، ومصادرة أعمارهم وأحلامهم وأمانيهم …كل الحب والاحترام لهن، ولهم جميعاً …ولك أستاذ كل التحيات القلبية، مع الشكر الكثير لجهودك المبذولة مع أقدس قضايانا “…
“سما صارت تمشي”
التقيت صباح الخميس 15 أيلول 2022 في سجن الدامون/ أعالي الكرمل بالأسيرة بشرى جمال محمد الطويل (اعتقال “جديد” منذ 21.03.2022 لكونها صحافيّة وناشطة مستهدفة).
تناولنا بدايةً كتاب “الكتابة على ضوء شمعة” وإطلاقه في معرض الكتاب الدولي بعمان والتغطية الإعلاميّة حوله، وكتاباتها التي حالت الاعتقالات المتكرّرة دون إنجاز الكتاب، كما حرمتها تلك الاعتقالات من إكمال تعلّمها الجامعي والحصول على البكالوريوس.
كلّ اعتقال مختلف عن سابقه وله خصوصيّته، يزيدها ثقة وعنفوانًا وأملًا، وحدّثتني مطوّلًا عن وضع زميلات الأسر ولسان حالها يقول: “ما بدّي أكون عميدة أسيرات.. بدّي أروّح”، من حقّنا نتحرر، نروح ونيجي.
طمأنتها على صحّة العائلة، وسما بتمشي، وأوصلتها سلامات الجميع، ووضع أزهار والإهمال الطبي محور اللقاء، والأسيرات النابلسيّات الجدد؛ تحرير وفلسطين وولاء ومريم.
تناولنا وضع الحركة الأسيرة عامّة، والأسيرات خاصّة وكيفيّة تناولها والتعامل معها وضرورة أنسنة قضيّة أسرانا.
تحدّثنا عن “الكوانتوم” ووعدتها بإيصالها رواية الصديق أحمد أبو سليم التي تحمل هذا العنوان.
“نايا ونتالي”
بعد لقائي ببشرى أطلّت الأسيرة لينا صدقي محمد أبو غلمة (اعتقال “جديد” منذ 22.06.2022).
حدثّتني بحرقة عن لحظة الاعتقال وردّة فعل طفلتيها التوأمين؛ نايا ونتالي، وعيد ميلادهما يصادف يوم 21 أيلول، بعيدة عنهما كما هو حال زوجها/ والدهما، نضال، المعتقل في سجن مجيدو، وصرختهن الحارقة: “ليش رحتوا وتركتونا؟”.
التقت بعاهد (عم زوجها) في البوسطة، وكان حلمها أن تلتقيه “برّا”، فهو الحاضر دائمًا رغم الغياب، ووصفت لي شعورهما ساعة اللقاء، وهذا يحدث فقط في فلسطين!
أخبرتها بدوري عن الحملة العالميّة التي أطلقناها (التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين) حين اعتقالها، ممّا رفع من معنوياتها وشدّ أزرها، وشعرت بأنّها ليست مجرّد رقم.
حدّثتني عن دورة تنس الطاولة والدبكة ومناقشة رواية “الشيخ والبحر” لأرنست هيمنجواي مع زميلات الأسر.
لينا ممنوعة من الزيارة ممّا يثقل عليها أكثر وأكثر وكم تتوق لاحتضان نتالي ونايا ويؤلمها أنها لن تكون معهما في عيد ميلادهما القريب.
“السندباد الأسير”
بعد لقائي ببشرى ولينا التقيت بالأسيرة إسراء رياض جعابيص، اللقاء السادس لنا في الأشهر الأخيرة.
بادرت لتبارك إصدار “الكتابة على ضوء شمعة” وتابعت ما نُشر حوله، حفل التوقيع في عمان وإطلاقه في رابطة الكتّاب الأردنيين في عمان وإربد، وبعد ذلك في القدس.
حدّثتني بلهفة عن التعلّم داخل جدران السجن، دور خالدة جرار وجامعة النجاح وأثره عليها وعلى زميلات الأسر.
أخبرتني ببحث التخرّج “أثر التعلّم الجامعي على الحركة النسويّة بالمعتقل” لتشكر كلّ من ساهم ومد يد العون كما تشكر جمال الرجوب الذي زوّدهن بورق الدوالي.
طلبت إيصال السلامات لوليد الهودلي آمله بتواصل أدبي وثقافي مستقبليّ.
تناولنا مطوّلًا مشروعها الثقافي وإصدار قريب لها.
أخبرتها بنيّة الدكتور عبد الحميد صيام بالتواصل مع أهلها لنقل قصّتها ومعاناتها للمحافل الدوليّة.
قرأت على مسامعي أشعار مهداة لحسن عبادي وفراس حج محمد وكلّ الأسرى المشاركين في كتاب “الكتابة على ضوء شمعة” تحمل عنوان: “السندباد الأسير”
“أسير وبأدب السجون خبير
سندباد على بساط الأحلام يطير
يكتب بقلمه ليسافر لأرض الضمير
ثائر وللثورة ثوار يثير
بحروف على السطور تصير
يوثّق أحداثًا بالوصف والتعبير
فرصة ينتهزها لأجل الكثير
ليس بأسير الأسر أسير
إذا كان ببصيرته بصير
بالعلم طريقه ينير
ليصمد في وجه سجن وسجان حقير
فالتحدّي صمودٌ وثباتٌ للأسير
بمنحه من محنة من رب العالمين
لكنّ عزيزاتي بشرى ولينا وإسراء كل التحايا، والحريّة القريبة لكُنّ ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا/ أيلول 2022