اليمينُ الإسرائيلي لم يَعُدْ والتطرف الصهيوني لم يَغِبْ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 05/11/22 | 11:24مخطئٌ من يظن أن الكيان الصهيوني قد تغير، وأن سياسته قد تبدلت، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة قد صدمت الفلسطينيين وأخافتهم، وفاجأت دول العالم وأربكتهم، وأنها جاءت عكس التوقعات ومخالفة للعادة، وأن المنتخبين منبتين عن أصولهم ومختلفين عن أسلافهم، وأن أفكارهم العنصرية جديدة وسياساتهم الفاشية مستحدثة، وأن من كان قبلهم كانوا وسطيين معتدلين، ولم يكونوا متطرفين متشددين، ولا عنصريين فاشيين.
كما أننا لسنا أمام “إسرائيل” جديدة، مختلفة عن سابقتها، ولا تشبه تاريخها، ولا تكرر ذاتها، ولا تعيد إنتاج سياساتها بتبديل وجوهها وتغيير أحزابها، رغم أن الكثير من المنتخبين ليسوا جدداً، بل كانوا موجودين وفاعلين، ولو أنهم كانوا في المعارضة وخارج الحكومة، إلا أنهم كانوا حاضرين بأفكارهم، وطاغين بعنصريتهم، ويفرضون أنفسهم بتصرفاتهم، وفي مقدمة العائدين زعيمهم ورئيس حكوماتهم السابقة بنيامين نتنياهو.
الحكومات الإسرائيلية السابقة، ومعها قيادة الجيش الذي لا تتغير سياسته ولا تتبدل نظريته، وإن كانت أدواته تتطور ووسائله تتنوع، لم تتوقف يوماً عن أعمال الإرهاب وجرائم العنصرية والفاشية، فقد أرست الحكومات السابقة دعائم الدولة اليهودية القومية، وأنكرت حقوق الآخرين في العيش في فلسطين، وصادرت أرضهم وخربت ممتلكاتهم، وحرقت زروعهم وخلعت أشجارهم ودمرت بيوتهم، وقتلت رجالهم واعتقلت أبناءهم، وبنت مئات المستوطنات، وصادرت آلاف الدونمات، وسرقت المياه الجوفية وخيرات فلسطين النفطية والغازية، وحرمت الفلسطينيين وهم أصحاب الحق وأهل الوطن من كل حقوقهم المشروعة.
وهي الحكومات نفسها التي أطلقت يد المتطرف العنصري اليميني إيتمار بن غفير، وسمحت له بالإقامة في حي الشيخ جراح، والتضييق على أهله وطرد سكانه، وشكلت له حماية كاملة خلال عمليات اقتحامه المتكررة للمسجد الأقصى، وأيدته في حملته لطرد الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، وترحيلهم من مناطقهم، وسكتت عن حمله السلاح وتهديده المواطنين الفلسطينيين، وسمحت له بالتحريض والتعبئة، وتوجيه الجيش والمستوطنين نحو مزيدٍ من التشدد والتطرف في التعامل مع الفلسطينيين، وعدم التهاون معهم، أو التخفيف في تعليمات إطلاق النار عليهم.
أما بسليئل سموتريتش فقد كان وحزبه، كما إيتمار بن غفير، ممثلاً في دورات الكنيست السابقة، وكان له دوره وأثره، ومارس من موقعه تطرفه حتى النهاية، وعبر عنه بكل سفورٍ ووقاحةٍ، ولم يدخر وسيلةً أو سبيلاً في الإساءة إلى الفلسطينيين إلا استخدمها، ولم يستغن عن كل الأدوات القذرة في تنفيذ سياساته والتعبير عن رغباته، وبالتالي فقد كان موجوداً ولم يغب، وكان حاضراً فاعلاً ومؤثراً، بما لا يجعل من عودته إلى الكنيست أو احتمال مشاركته في الحكومة تغييراً في السياسة، أو تبديلاً في المواقف.
وبالعودة إلى حكومات نتنياهو السابقة، ألم يكن حليفه في بعضها القومي المتشدد أفيغودور ليبرمان، وكان وزيراً في أكثر من حكومةٍ، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية التي لعب فيها دوراً كبيراً في الانفتاح على الدول الأفريقية، وخلالها هدد مصر بتدمير سدها العالي، وتآمر عليها في سد النهضة مع إثيوبيا، وكذلك كان وزيراً للحرب التي كان ينفخ في رمادها ويسعر جمرها، ويدعو إلى إشعالها، وقتل قادة الفلسطينيين واستئناف سياسة الاغتيالات القديمة.
كذلك كان حليفه وربيبه نفتالي بينت، وهو اليميني المشدد، والصهيوني المتطرف، ومعه إيليت شاكيد التي لا تقل عنه تطرفاً وعنصرية، وكما كانت شاكيت وزيرة للعدل، فقد كان نفتالي بينت في ظل حكومة نتنياهو وزيراً للحرب، وكان كلاهما يدعوان إلى قتل الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، وكانا يسعيان إلى تشريع الاستيطان وتسريعه، وتأمين المستوطنين والاستجابة إلى طلباتهم، وتحقيق الحلم اليهودي باقتحام المسجد الأقصى والتمكين لهم في باحاته، وفرض تقسيمه على العرب أو الحلول مكانهم والاستيلاء على مقدساتهم.
لا تغيير حقيقي في العقلية الإسرائيلية أو الجبلة اليهودية، ولا تبديل في المنهجية العسكرية الاستيطانية للاحتلال، فالسياسات التي كانت ستبقى، والإجراءات التي كانت متبعة ستتواصل، والخطط التي رسمت ستنفذ، والمشاريع التي أقرت ستفرض بالقوة كما كانت تفرض، والممارسات القمعية المتبعة في التعامل مع الفلسطينيين ستستمر وقد تزداد وتيرتها وتضعف كما كان شأنها في الحكومات السابقة.
ربما يدرك الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن الجلبة المثارة حول نتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية جلبةٌ كاذبة وجعجعةٌ قد اعتادوا عليها وعرفوها، وخبروا سوءها وذاقوا مرارتها، وعانوا من قادتها وواجهوا سياستها، فهم لا يخافون من الاحتلال برمته، ويرونه عدواً مبيناً أياً كان قائده ورئيسه، ويعرفون أنه لا تغيير ولا تبديل في جوهرهم، كما لا اعتدال ولا وسطية في سياستهم، وأن تطرفهم إن غاب حيناً فهو لسبب، وأن عنصريتهم إن توارت مرةً فهي لغاية، فهم امتدادٌ لأصلٍ خبيثٍ، وخلفٌ لسلفٍ فاسدٍ، وذريةٌ لأقوامٍ ضالين، ويمينهم المتطرف ما غاب أبدً ليعود اليوم، وعنصريتهم البغيضة ما اختفت تاريخياً لتبرز من جديدٍ.