ياسر عرفات الأب وحافظ الأسد الجلاد.. في الذكرى 18 لرحيل أبو عمار
كتب: الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 12/11/22 | 11:02مرت يوم أمس الذكرى الثامنة عشر لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي توفي في الحادي عشر من شهر نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2004 عن عمر ناهز 75 عاما، في مستشفى “كلامار” العسكري في العاصمة الفرنسية باريس. “أبو عمار” رئيس منظمة التحرير الفلسطينية منذ 1969حتى 2004، وثالث رئيس يتقلد هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1964 وكان القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات الفلسطينية التي أسسها مع رفاقه في عام 1959.
لقد عرفت الراحل عن قرب في بيروت والتقيته أيضا في عواصم عربية وأوروبية. كنت أختلف معه في بعض الأمور السياسية، وكثيراً ما كتبت مقالات وجهت له فيها انتقادات ولا سيما على السكوت عما يفعله البعض من المنافقين حوله. ولهذا بعث أحد هؤلاء وهو السفير الفلسطيني السابق في تونس حكم بلعاوي رسالة إلى الأمن التونسي، طلب فيها عدم السماح لي بدخول تونس. وهذا ما فعلوه عندما أعادوني في العام 1992 على نفس الطائرة التي أقلتني إلى تونس قادمة من برلين. والسبب لأني تحدثت عن فساد بلعاوي وأمثاله.
أبا عمار بقي رئيسا فلسطينياً 35 سنة لكن حكمه اختلف عن حكم الدكتاتوريين العرب. لم يشبه أحد في الحكم، كان حالة مميزة في الأداء السياسي فلسطينيا وعربيا ودولياً. شعبه أحبه رغم بعض الأخطاء، وهل يوجد إنسان معصوم عن الخطأ؟ الحكام العرب تهافتوا عليه واحترموه كثيراً، رغم تآمر البعض عليه. والعالم تعامل معه كممثل شرعي للفلسطينيين، رغم أنف إسرائيل. وبما أن طبيعة القضية الفلسطينية هي حالة منفردة، كما قال الصديق الزميل حسن صبرا أحد كبار الصحفيين اللبنانيين، لذا من المنطقي ان يكون رمزها خلال اربعة عقود منفرداً ايضاً، وإلا لما استطاع الاستمرار قائداً فلسطينياً.
بعد خروج الثورة الفلسطينية من الأردن نتيجة الإصطدامات الدامية التي حدثت في جرش في شهر أيلول عام 1970بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، اتخذت المقاومة الفلسطينية من بيروت مقراً مركزيا لها. الراحل عرفات لم يكن لاجئاً سياسياً في لبنان بل كان يحكم في لبنان ويتحكم في سياسة لبنان بفضل حنكته وبراعته السياسية. كان الشعب اللبناني يحبه كثيراً ولا سيما سكان أهل الجنوب، لأن مطقة الجنوب كانت معسكرات لقوات الثورة الفلسطينية، وكان الكثير من أبناء الجنوب يتلقون رواتب شهرية بما فيهم قادة وتنظيمات وكذلك في بيروت التي شهدت تنامي الحركات الوطنية بدعم الراحل عرفات.
عندما وقعت الحرب الأهلية اللبنانية في شعر أبريل/ نيسان عام 1975 كان الراحل ياسر عرفات موجودا في بيروت التي كانت تعتبر بصورة غير مباشرة عاصمة أبو عمار. فكان يخرج منها ويعود إليها كرئيس. وكان له فها من المؤيدين بين القادة ما يفوق عدد المؤيدين للرئيس اللبناني وقتها. في العام 1975 دخل الجيش السوري لبنان تحت مظلة قوات الردع العربية بضوء أخضر من الجامعة العربية. وبدأت هذه القوات السورية تعيث فسادا في الأرض اللبنانية .
وإذا كنا صريحين مع أنفسنا نستطيع القول أن ياسر عرفات حكم لبنان بصورة غير مباشرة وكان محبوباً شعبيا لكثرة الملايين التي يصرفها على الشعب اللبناني بينما النظام السوري فعل العكس تماما، وبشهادة لبنانيون فإن ياسر عرفات حكم في الجزء الخاص به في لبنان بمنطق الاب، بينما حكم حافظ الاسد بمنطق الجلاد.
نظام الأسد نهب عشرات مليارات الدولارات بينما كان عشرات الاف اللبنانيين، ينعمون سنوات عدة بمئات الملايين التي كانت تصرفها منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، الأمر الذي أنعش الحياة الاقتصادية في المجتمع اللبناني، الذي دمره الوجود الفلسطيني مادياً ومعنوياً وأخلاقياً.
وأخيراً…
لم أكن يوماً عضوا في أي تنظيم فلسطيني، حتى أني كثيراً ما جاهرت بمواقفي المعارضة لسلوكيات سياسية للراحل عرفات، لكن (شئنا أم أبينا) كان بنظر الشعب الفلسطيني الرمز والقضية، فرحل الرمز وبقيت القضية، ومن خلفه في الحكم لا يعمل من أجل القضية بل ضدها وبتنسيق أمني مع أعدائها. رحم الله الرئيس عرفات.