قراءة متأنية في الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة (الدورة 25 للكنيست)
بقلم البروفسور إبراهيم أبو جابر
تاريخ النشر: 24/11/22 | 12:03أفرزت الانتخابات الإسرائيليّة الأخيرة للكنيست أل 25 عودة حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو للحكم بعد مضيّ 3 سنواتٍ، كانت حُبلى بالتجاذبات السياسيّة بين المعسكرين، معسكر اليمين ومعسكر ما سُمّي بمعسكر التغيير، الطرف الخاسر في انتخابات نوفمبر 2022، بعد تراجع تمثيل ما يُطلقون عليه اليسار الإسرائيلي بعدم تمكّن “حركة ميرتس” من اجتياز نسبة الحسم.
نتائج الانتخابات الأخيرة أكّدت هيمنة أحزاب اليمين وأحزاب أقصى اليمين، مع تراجُعٍ واضحٍ “لأحزاب الوسط والأحزاب اليساريّة”، وكذا الأحزاب العربيّة، وهو ما يحمل الكثير من الدلالات التي يمكن إجمالها على النّحو التالي:
أولاً، محوريّة حزب الليكود وقوّته في الشارع الإسرائيلي، فرغم كلّ التُهم وملفّات الفساد المتّهم بها نتنياهو زعيم الحزب، والحرب الإعلاميّة التي شُنّت ضده، ومعارضة بعض رموز حزبه له، وما رافق ذلك من مواجهاتٍ مع الجهاز القضائي بالذات المحكمة العليا ودوائر سلطويّةٍ كثيرةٍ، إلاّ أنّه تمكّن من مواصلة قيادته للحزب، والحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست تمكّنه من تشكيل الحكومة.
نجح نتنياهو وفريقه في توظيف مجموعةٍ من القضايا لصالح الفوز في الانتخابات، مثل: اللعب بعواطف الكثيرين من المصوّتين اليهود من خلال إخافتهم من استمراريّة ما سُمّي بحكومة التغيير، التي تضم مكوّناً سياسياً عربياً، ناهيك عمّا قام به من إقناع “بن غفير” و “سموترتش” بتوحيد صفّهما وتأسيس كتلةٍ انتخابيةٍ واحدةٍ هي الصهيونيّة المتدينّة، ممّا أدى لحصولهما على 14 مقعدًا، وأيضاً ما قام به من مصالحة في صفوف القوى المتديّنة الأخرى.
ثانياً، تصاعد اليمين المتطرّف في السياسة الإسرائيليّة: تدلّ نتائج الانتخابات الأخيرة بشكلٍ واضحٍ على عمق التحوّلات التي شهدتها المؤسّسة الإسرائيليّة في السنوات الأخيرة، وأدّت إلى صعود وربما هيمنة اليمين الديني المتطرّف على المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تُرجم بحصول كتلة “الصهيونيّة الدينيّة” بقيادة ” بن غفير وسموترتش” على المكان الثالث بعد الليكود ويش عتيد (يوجد مستقبل) في الكنيست.
ثالثاً، تراجُع “اليسار الإسرائيلي”: واجهت الأحزاب المُسمّاة باليساريّة صعوباتٍ كبيرةٍ في الانتخابات الأخيرة؛ حيث تراجع حزب العمل من 7 مقاعد إلى 4 فقط، وهو الحزب المُؤسّس للمؤسّسة الاسرائيليّة، كما فشل حزب “ميرتس” لأوّل مرّةٍ في تخطي نسبة الحسم 3.25% من الأصوات الصحيحة للبقاء في الكنيست.
ولعلّ أبرز الأسباب التي تقف خلف تراجع تمثيل “أحزاب اليسار” في الانتخابات؛ نجاح نتنياهو في حشد أحزاب معسكره خلفه في قائمةٍ انتخابيّةٍ واحدةٍ، لكي تتمكّن جميعها من اجتياز نسبة الحسم، في حين دبّ الخلاف في صفوف المعسكر المنافس له الذي يقوده لابيد بشأن جُملةٍ من القضايا، مثل: رفضه مشروع خفض نسبة الحسم الى 2%، وفشله في توحيد حزب العمل وميرتس.
رابعا، ارتفاع نسبة التصويت في لدى العرب: وقد وصلت نسبة التصويت في المجتمع العربي إلى نحو 54%(منها 12% على الأقل للأحزاب الصهيونية)، وهي نسبةٌ لم يتوقّعها أحدٌ، ففي انتخابات 2021 تراجعت نسبة التصويت إلى 43%، وبدا واضحاً أنّ حالة الإحباط من التأثير على السياسات الإسرائيليّة، وتفكّك القائمة المشتركة بشكلٍ نهائيٍ عشية الانتخابات، سوف تؤدي إلى عزوف الناس عن التصويت، أو بقاء النسبة المنخفضة كما في دورة الانتخابات الماضية.
ولكن ما حدث هو العكس، فقد ارتفعت نسبة التصويت، ويعزوه البعض إلى عدّة عوامل، أبرزها؛ التنافس الشديد بين القوائم الثلاث، الجبهة الديمقراطيّة والعربيّة للتغيير، والتجمّع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربيّة الموحّدة أولاً، يضاف لهذا وصول تهديدات اليمين الاستيطاني المتطّرف بزعامة “إيتمار بن غفير” إلى المجتمع العربي، وتكشّف مخطّط الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، لإحباط التصويت عند العرب، وهذا شكّل عامل استفزاز للعرب ثانياً.
ويتمثّل العامل الثالث في خوض التجمّع الوطني الديموقراطي لانتخابات الكنيست وحده، فقد حفّز التجمّع قطاعاتٍ عربيّةٍ للتصويت له كتيار يملك خطابًا سياسيًا مختلفًا في الكنيست لا يقبل لعبة التأثير ضمن المعسكرات الإسرائيليّة، مما دفع قطاعاتٍ في المجتمع العربي تؤيّد هذا التوجّه للتصويت بعد غياب إطار سياسي يخاطب العرب بهذا الخطاب، بالإضافة إلى التضامن مع التجمّع بسبب ما اعتُبر “مؤامرةً” عليه من الجبهة الديموقراطيّة والحركة العربيّة للتغيير.
ويتمثّل العامل الرابع في استجداء القوائم العربيّة للناس وتخويفهم لهم في يوم الانتخابات للخروج للتصويت، لا سيما بعد ما ورد من معطياتٍ ومعلوماتٍ عن ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع اليهودي، والخطر الذي يتهدّد جميع القوائم العربيّة، وهذا صبّ في صالح القائمة العربيّة الموحدة وحزب التجمّع.
أمّا العامل الخامس فهو مفعول المال السياسي في الانتخابات، وتأثيره على المستوى الفردي، بخاصةٍ في النّقب. فالحديث يدور عن مبالغ كبيرةٍ بالدولار الأمريكي تمّ تحويلها عبر البحار من قبل أغنياء من يهود أمريكا وجمعياتٍ صهيونيّةٍ وغير صهيونيّةٍ، ومن دولٍ إقليميّةٍ بهدف رفع نسبة التصويت في الداخل الفلسطيني.
خامساً، عدم وجود هيئة مقاطعةٍ كإطارٍ جامعٍ وعنوانٍ يمثّل التيّار الداعي لمقاطعة انتخابات الكنيست الاّ حزب الوفاء والاصلاح، مما دفع بعض المترددين إلى التصويت، مع العلم ان شريحة المقاطعين لا يُستهان بها في الداخل الفلسطيني، فنسبة الذين لم يشاركوا في التصويت في انتخابات 2022 من الفلسطينيين في الداخل هي 46% تقريبًا.
وأخيراً، فمنّ تداعيات هذه الانتخابات أنّها ستفرز حكومةً يمينيّةً متطرّفةً ستؤثر سلبياّ على مستويات مختلفة، مثل: تهديد القدس والاقصى، مستقبل المحكمة العليا، وتمرير فقرة الغلبة، والاستيطان، ومسألة العلاقة بين الدين والدولة، ومشروع ضم الضفّة الغربيّة للمؤسّسة الإسرائيليّة، وقضيّة النّقب والموقف من فلسطينيي الداخل ككل، الاّ أنّنا على ثقةٍ تامةٍ “أنّ دوام الحال من المحال”، فكما اختفى بن غوريون وشارون وبيغن ورابين وغيرهم كثير، سيغيب بن غفير وسموترتش ونتنياهو وغيرهم عن المشهد السياسي، فلا تنازل عن ثابتٍ واحدٍ من ثوابتنا، ولا مساومة على حقٍ واحدٍ من حقوقنا الشرعيّة أبداً.