الفارق بيننا وبينهم مثل الفرق بين الطهارة والرذيلة
بقلم: الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 04/12/22 | 15:47خلال نضال (السود) ضد (البيض) في جنوب أفريقيا من أجل حقوقهم، التقيت في منتصف سنوات الثمانينات بقيادي شاعر من “منظمة المؤتمر الافريقي” التي كانت تعتبر المرجع الرئيس لنضال أصحاب البشرة السوداء في جنوب أفريقيا أيام كانت عنصرية. وبالرغم من أن اسمه غاب عن ذهني، (وهي حالة غريبة على ذاكرتي) لكن بعض ما قاله لي لا يزال عالقاً قي ذاكرتي، المليئة بحكايا النضال وأقوال قادة مناضلين عرباً وغير عرب، لأن ذاكرتي الفلسطينية المنشأ مبرمجة فقط على استيعاب كل ما هو وطني وترفض كل ما يتنافى مع الوطنية.
في قصيدة له يخاطب فيها “السيد الأبيض” يقول هذا الشاعر (الأسود) في مطلعها:” أنا أنا ..وأنت أنت/ أنا لا يمكن أن أكون أنت وأنت لا يمكن ان تكون أنا/ سأظل أنا أنا وأنت أنت”. ما قاله الشاعر المناضل ينطبق حقاً على مجتمعنا الشرقي العربي المحافظ. فنحن في مجتمعنا نبقى نحن وهم في مجتمعهم الغربي يبقون هم والفارق بيننا اجتماعيا مثل الفرق بين الطهارة والنجاسة، فهم في أفكارهم عنصريون فوقيون منحطون أخلاقياً لا قيم لهم، ونحن عكسهم تماما، رغم وجود “ثلة” من المتخلفين في مجتمعنا يعتبرون الغرب الاستعماري مثالاً لهم وينادون بالسير على طريقه. الحضارة عند الغرب، تعني توفير مساحة واسعة من الحرية للشذوذ الجنسي، الذي تقاومه الأديان الثلاثة قي كتبها الدينية الأساسية (القرآن، الانجيل والتوراة).
والغرب يتهم الإسلام بما يسميه “الإرهاب” لأن تعاليم الإسلام تتناقض مع سلوكيات الغرب وترفضها. والغرب يعتبر نقسه سيدا لهذا العالم ويريد التحكم فيه كما يشاء، ونظريات فلاسفة وأدباء وأيضاً حملة بعض السياسيين والإعلاميين والحقوقيين الأوروبيين تصب في هذا الإطار. انهم يريدون ان يكون الغرب معياراً للأخلاق والقيم التي تعتبر وسيلة هدامة لمجتمعنا المحافظ، ويريدون أن يكون الغرب مثالاً للحضارة والرقي ونموذجاً للأخلاق، وهو بعيد كل البعد عنها. لكن ما صدق به الغرب هو عنجهيته التي ينادي بها علناً ودون حياء وخجل. إسمعوا ما يقول السياسي الإسباني جوزيف بوريل، ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية: “أوروبا حديقة العالم وأغلب بقية العالم غابة”. هذه النظرة الإستعلائية، هي رؤية واضحة تدل على ان أوروبا (بنظرهم) هي منبع الحضارة وما تبقي من العالم هو جزء مُتخلف يجب عليه الإلتحاق بهذا المنبع حتى لو كان استعمارياً محتلاً عديم الأخلاق.
وبما أن التاريخ لا يكذب، فلا بد من التذكير بأقوال مشاهير من التاريخ: الفيلسوف اليوناني أرسطو تحدث في زمنه عن رؤية مُعبّرة بالفعل عن وجهة نظر كل الأوروبيين، والتي لخصها مُخاطبًا تلميذه اسكندر الأكبر: “ثقافتنا هي الأفضل، حضارتنا هي الأفضل، رجالنا هم الأفضل، وكل الآخرين برابرة”. وبهذه الروح العنصرية الاستعلائية الغربية، كما يرى أحد المحللين، انطلق إسكندر الأكبر اليوناني الوثني غازيًا الشرق، وانطلق هرقل الأكبر الروماني المسيحي مجتاحاً الشرق، وسار على دربهما كل الغزاة القادمين من الغرب، أمثال: فريدريك الأول الألماني الصليبي، ونابليون بونابرت الفرنسي الكاثوليكي، وأدموند ألنبي البريطاني الإنجيلي، وجورج بوش الابن الأمريكي البروتستانتي. فلسفة تفوّق العرق الأبيض الغربي على الآخرين في هذا العالم، أكدها فلاسفة وأدباء انتجتهم النازية، والفاشية، والعنصرية، والإمبريالية، والصهيونية. في دراسة له بعنوان (المركز والأطراف) قسم المؤرخ البريطاني الأمريكي باري بوزان العالم إلى قسمين: الأول: مركز (متحضر) هو الغرب، والثاني أسماه أطراف (متخلفة) هو بقية العالم، ووصف المركز بأنه مُهدد بزحف الهجرة من الأطراف، قمة العنصرية. والفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما قال ذات يوم: “ما وصل إليه الغرب بقيمه الليبرالية ونظامه الرأسمالي هو قمة الحضارة الإنسانية”. بمعنى لولا وجود الغرب لما كانت هناك حضارة. فأي استعلاء كاذب هذا؟ هم يبقون هم ونحن نبقى نحن والفارق بيننا مثل الفرق بين الطهارة والنجاسة.
وأخيراً…
المشكلة، بل المصيبة، وجود “حفنة” من كائنات بشرية متملقة ومنافقة في مجتمعنا تأخذ الغرب مثالاً لها رغم دعوته لضرب قيم هذا المجتمع، الذي يتعرض لتخريب وهدم تحت ستار نشر “الديمقراطية” و”المساواة”.