من وحي أمسية للشاعر المسرحي د. ضرغام جوعيه
تاريخ النشر: 11/12/22 | 12:02النكوص نحو الأنا والشهادات ورخص العمل
من وحي أمسية للشاعر المسرحي د. ضرغام جوعيه
يحتار المرء وهو يقف على منّصة تكريم لكاتب أو إشهار لكتاب فيما يقول. السائد وبعد أن صارت أمسيات التكريم والإشهار عنوان الحراك الثقافيّ عندنا، أن المداخلات فيها تقتصر وعلى الأغلب الغالب على مديح المُكرّم وتمجيد المُشهَر.
يقيّض لي أحيانًا أن أقف هذه المواقف، وها أنا أقف على منصّة كهذه محاولًا جهدي أن أجعل من مداخلتي تحمل إضافة رسالة أو قولًا، أومن بهما، حول المشهد الثقافيّ عندنا، راميًا خميرتي صوب الجدار متمنيّا أن تلصق وإن لم يحالفها الحظ فستُبقي علامة على الأقلّ، أو أن أرمي اجتهادي ولو كان نصيبي أجرًا واحدًا فاعلًا قانعًا غير طامع.
لن أتناول في هذه التحيّة \ العجالة: أحاديثَ ضرغام اللّيست نبويّةً فهذه متروكةٌ للشاعرة ميساء الصحّ عضوِ أمانة الاتّحاد المتداخلة الناقدة. ولكّني وجدت نفسي ميمّمًا شطر ديوانه الأوّل: “سأعاتبُكِ حتّى تكوني قصيدة” الصادر عام 1997، لأقولَ: ضرغامُ هو ما كان في القصيدةِ الفاتحة وما زال على ما يبدو بعد الربع قرن هذا، فيكتب حينها تحت عنوان: “برج الحمل”:
(سيرتاح نجمي على تلّة في سفوح الجليل \ فتكبر فيّ القصيدةُ، ويشرد منّي الأصيل \ وتكتب بعضُ الجرائد:
“… على جثّة هامده، رسالةُ حبّ
ووردةٌ ذابله،
ومبلغٌ من العطر والذكرى…”
يرتاحُ نجمي وتكبر فيّ القصيده \ على تلّة في سفوح الجليل)
الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل 48، الشريكُ في هذه الأمسية الاحتفائيّة، هو التنظيمُ الثقافي الأكبر والأشمل على ساحتنا العربيّة الثمانوأربعينيّة، هو التنظيمُ الوحيد الذي ينضوي تحت مظلّته كاملُ الطيف العربيّ الفلسطينيّ على اختلاف انتماءات أفراد هذا الطيف الفكريّةِ والسياسيّة والاجتماعيّة، تجمعُهم الثقافة العربيّة الفلسطينيّة الموحَّدةُ والموحِّدة.
الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل48، هو صاحبُ الباعِ الطويلِ في إطلاق فعّاليّات ثقافيّةٍ لم تشهدْها ساحتُنا؛ هو مطلقُ الشرارةَ الأولى للاحتفاء بيوم اللغة العربيّة العالمي ال-18 من كانون الأوّل، بعد الاعتراف الأمميّ بها عام 2012 دون أن يلتفت قبلَ الاتّحاد أحد لذلك، وهو مطلق المؤتمراتِ الثقافيّةِ القطريّة السنويّة، وكذا المهرجانِ القطري للشعر؛ مهرجان أيّار، ومؤتمرِ أدب الأطفال ومجلسِ أدب الأطفال، ومؤتمرِ الأدب النِسْوي والنسائي احتفاء بيوم المرأة، وهو صاحبُ الفصليّة الورقيّة الوحيدة الثابتة وصاحبُ موقع الكرمل 48 الإكتروني، وهو وهو… وما كان ليتأتّى كلُّ هذا الكمّ الكيفيّ من النشاط لولا الكُثر أمثالُ الشاعر ضرغام جوعيه الذين وجدوا أماكنَهم ومكانتَهم في صفوف الفعل الميدانيّ.
حين نجح رعيلُنا الأدبيّ الأوّل وبعد ثلاثين عامًا على النكبة وقيام دولة إسرائيل، بعد أن تخطّى الكثيرَ من العقباتِ الداخليّة الذاتيّة والخارجيّة الغيرويّة، حين نجح في إطلاق تنظيم الحركة الثقافيّة، لم يتوانَ أحد منهم عن الانتظام في أحد التنظيمين اللذين أقيما؛ اتّحادُ الكتّاب العرب في إسرائيل، ورابطةُ الكتّاب الفلسطينيّين في إسرائيل. لم يتوانَ أحد لأنّ الكلَّ وبغض النظر عن الانتماءات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، رأى أن دور الكاتبِ يتعدّى الإنتاجَ وفقط، يتعدّى الوعظَ وفقط، يتعدّاهما إلى العمل الميدانيّ بتنظيم الحراك والحركة الثقافيّين في مواجهة التحدّيات الكبرى التي واجهنا حينها ونواجه اليومَ وأصعب؛ فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا.
اليومَ نحن نعيش نكوصًا نحو الأنا وعلى حساب النحن. حوّلت الغالبيّةُ فينا الشهاداتِ إلى مجرّد رخص عملٍ واستغلالِ فرص تمكينٍ ذاتيّة. وفي حقلنا الإبداعيّ موضوعِ أمسيتنا هذه والزخمِ التضخّمي من الأمسيات، استفحلت الأنا لدرجة أن صار كمٌّ كبير من الكتّاب وفي كلّ المجالات الكتابيّة يعتقد ويؤمن أن دورَه هو يقتصر على الكتابة وحسب “وكفى المؤمنين شرّ القتال” وما على الناس إلّا أن تقرأ ما يَكتب وتحاول أن تستفيد منه هو الواعظُ منبعُ الإفادةـ، وإن لم تقرأ أو قرأت قلّتُها ولم تفهم فالتوك فيها طبعًا، تمامًا كما الشيوخُ الوُعّاظ، وما الفارقُ إلّا أنّ هذا يعظ بالأساس بلسانه ومرجيّتُه سماويّة وذاك بقلمه ومرجعيّته وضعيّة حاسبًا أنّها سماويّة، هؤلاء وأولئك نكصوا نحو الأرائك الوثيرة والصوامع المغلقة تاركين العمل الإبداعيّ الميداني، فهم أعلى مرتبةً.
هذا الكلامُ موضوعٌ لدراسة مُعمّقةٍ وليس لمجرّد كلمة في احتفاء ثقافيّ، ولكن لا بدّ ممّا ليس منه بدّ، لعلّ من يرعوي!
وعود على بدء، والعود أحمدُ.
بغضّ النظر إن كان أو لم يكن ضرغام بعد مضيّ الربّع قرن هذا على ما كان يوم بدئه، فضرغام اختار الميدان وافتراش التراب بدل الصوامع وافتراش الأرائك، في قوله وفي فعله.
ضرغام ابتدأ و”برج الحمل” في ديوانه الأولّ قائلًا:
(يرتاح نجمي وتكبر فيّ القصيده \ على تلّة في سفوح الجليل)
وأنهى في ديوانه هذا في “نهاية”:
(سيرتاح قلبي وتكبُر فيّ القصيده \ على تلّة في سفوح الجليل)
فهنيئا لك… وهنيئًا لنا بك.
سعيد نفّاع
الأمين العام للاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين- الكرمل48
3 كانون الأوّل 2022