غزوة أحد.. تسيير مكان، وعدد الرماة، والمهمة
معمر حبار
تاريخ النشر: 21/12/22 | 7:10غزوة أحد.. تسيير مكان، وعدد الرماة، والمهمة، وبراعة سيّدنا خالد بن الوليد من خلال كتاب نور اليقين 19-
العظمة في اختيار المكان، وعدد الرماة:
وضع سيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم خمسين من الرماة، وقال لهم: “لاتبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تبرحوا”. 136
أقول: تكمن عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في كونه يعرف جيّدا نقاط القوّة والضعف، لدى جيشه وجيش العدو. فاختار خمسين راميا ووضعهم فوق جبل أحد لحماية ظهر المسلمين. وظلّ يوجّه توجيهاته العسكرية بعدم النزول لأرض المعركة ومهما كانت النتائج من حيث الخسارة أو الربح.
عدد الرماة خمسون، وعدد جيش المسلمين في حدود سبعمائة مقاتل. مايعني أنّ عدد الرماة مقارنة بالعدد الكلي للجيش، يمثّل نسبة قليلة جدّا، وبـ 7% من العدد الإجمالي للجيش، ورغم ذلك فالضربة الموجعة جاءت من العدد القليل جدّا الذي يكاد لايذكر.
يفهم من هذا، أنّ العبقرية العسكرية -إذا صحّ تعبيري-، لاتكمن في عدد الجيش فقط، إنّما تكمن في العدد المناسب للمهمّة التي يقوم بها، وفي المكان المختار لتلك المهمّة والعدد.
رغم كلّ هذا الإلحاح، والإصرار من طرف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بعدم مغادرة الرماة أماكنهم ومهما كانت الأسباب، إلاّ أنّ بعض الرماة في الأخير لم يتقيّدوا بالأوامر العسكرية وخالفوها، فكانت النتيجة في غاية السّوء، وما لم يتوقعه جيش المسلمين، حيث أصيب بضربة مؤلمة جدّا، وبالغة القسوة والشدّة.
تكمن عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في كونه اختار خمسون راميا دون غيرهم، واختار لهم المكان المناسب وهو جبل أحد، والمهمة المناسبة للعدد والمكان وهي حماية ظهر المسلمين.
عظمة سيّدنا خالد بن الوليد:
في المقابل، تظهر العبقرية العسكرية لسيّدنا خالد بن الوليد، رحمة الله ورضوان الله عليه، حين ظلّ يراقب المعركة عن قرب، ورفض أن يقحم عدد الجنود الذين تحت إمرته، وصبر مدّة من الزّمن، وهو الفارس الذي يعرف جيّدا متى يُقبل ويتريّث ويدبر.
رأى خللا واضحا لدى صفوف جيش المسلمين، حين نزل بعض الرماة من أماكنهم المحدّدة، فاستغلّ سيّدنا خالد بن الوليد الثّغرة أحسن استغلال، وبسرعة خاطفة، وقدرة فائقة، ومهارة عسكرية واضحة حيث انقضّ على جيش المسلمين، وأوقع فيهم قتلا وجرحا، بعدما كانت المعركة منذ قليل لصالح المسلمين.
هاهو جيش المسلمين يعاني الخلل، والفوضى، والاضطراب بسبب عصيان بعض الرماة للأوامر العسكرية، واستغلال سيّدنا خالد بن الوليد لهذا العصيان لصالحه، وصالح قريش.
غزوة أحد هي صراع العدد، والمكان، والمهمة:
خمسون راميا فوق جبل أحد، مقابل عدد من جيش سيّدنا خالد بن الوليد بجوارهم يترقبهم. ومهمتهم أن لايبرحوا أماكنهم مهما كانت النتائج، ومهمة جيش سيّدنا خالد بن الوليد متابعة ومراقبة مهمة الرماة عن قرب وباهتمام بالغ.
النتيجة، أنّ بعض الرماة فشلوا في المكوث في مكانهم، وأداء مهملتهم. وسيّدنا خالد بن الوليد نجح في المكوث في مكانه، وفي أداء مهمته.
غزوة أحد هي صراع وتنافس بين اختيار مكان، وعدد، ومهمة. والعظمة، والقدرة في تسيير هذه العناصر بفاعلية، وبأقلّ الخسائر الممكنة. وقد نجح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تسيير بكفاءة عالية، وفاعلية عالية. ونجح سيّدنا خالد بن الوليد في تسييرها ولو مؤقتا، وبمهارة عسكرية فائقة.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار