الأسير أحمد تيسير عارضة يتمختر في يافا
حسن عبادي - يافا/حيفا
تاريخ النشر: 24/12/22 | 14:33استضاف مقهى يافا لصاحبه ميشيل راهب مساء الخميس الفائت حفل إشهار ديوان “خلل طفيف في السفرجل” للشاعر الأسير أحمد تيسير عارضة. أدار الحفل محمد شقيق الأسير الحرّ أحمد، ألقى الفنان نضال خطيب (مجنون الطنطورة) كلمة أحمد نيابة عنه، كانت مداخلة رئيسة للمحامي الحيفاوي حسن عبادي حول الكتاب وعلاقته بأحمد، ألقى د. نبيل طنوس كلمة الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل-48، وألقى الفنان جميل عمرية كلمة ممثّل الحركة الأسيرة نادر صدقة، وألقت نانا عارضة قصائد من الديوان ورافقها على العود الرائع باسم سرحان، وألقى د. نبيل طنوس قصيدة “الوردة البيضاء” لعريس الحفل أحمد عارضة وكانت كلمة لزميل الأسر ناصر أبو خضير (الأسير المقدسيّ المحرّر) حول أحمد وعلاقته به.جاء في كلمة الأسير أحمد عارضة (من معتقل ريمون الصحراوي) : “سلاماً وبرداً وعشقْ؛ دوما أكون مُطالبا بإعداد كلمة تُتلى على مسامع من حضر للاحتفاء بي وبنصي، لأتحرر عبر هذه الكلمة، فأراني جالسا أشارك كأيِّ حاضر بينكم. لاذَ من ضجيج الحياة بالشعر. ذلك أصعب ما يمكن لي فعله على الإطلاق، لسبب وحيد وبسيط. هو أنني لم أعتد بعد على فكرة العودة إلى زنزانتي بعد انتهاء كل أمسية وحفل أو ندوة تُعقد من أجل شعري.هذه المرة، وهذه المرة فقط، لم يكن الأمر يتعلق بالصعوبة على إطلاقها، إذ إنني لم أفكر بالأمر حين اقترحت على الصديق الرائع حسن عبادي أن يكون مكان حفل إطلاق الكتاب هو (يافا) مسقط قلبي، وقِبلة كلَّ عباداتي. ذلك يدفعُ للخوفِ والإرباك قليلاً. فيافا ليس كمثلها شيء. لا لأنني أكتبها دوما كبسملةٍ وحيدة. وليس لأنني أنتمي إليها وأنتهي إليها، أو لأن عظام أجدادي تختلط بترابها، إنما لأنها يافا وحسب. يافا التي رأيتها في المنام تبكي عليّ وأنا أجذبُ ذيل فستانها راجياً إياها بالعودة إلي. وتبين لي حين صحوتُ بأنني أنا من هاجرها. وهي التي بقيت كما هي.لن أطيلَ عليكم أكثر أحبتي غير أن الكلام ما كان ليستقيم دون أن ابوحَ (سلاما وبرداً لعينيّ يافا) وكذلك لن يستقيم دون شكري لكم جميعا على حضور هذه الأمسية -نيابةً عن يافا -ثم إنني لن أتمكن من تفويت فرصة شكري للإنسان الاستثنائي صاحب القلب الكبير الأستاذ الحيفاوي حسن عبادي الذي لن تفيه الكلمات حقه علينا نحن معشر الأسرى الكتاب، وقد فتح لنا بدل الكوَّةِ نافذة، وشرَّعها على النور ليُدخلها ويدفئ بردنا ،،، كم انت بروعتك يا حسن لا تشبه الكثيرين!!وأخيرا لا يمكنني إلا أن أكون ممتنا للثنائي الرائع والجميل (محمد ونانا) الذين طوقاني بدعمهما ومحبتهما ولم يبخلا عليّ بالجهد والوقت فلتكن يافا وحدها فاتحة الشعر والعشق الأبدي… وخاتمة الهجرات الطويلة”.
وجاء في كلمة المحامي الحيفاوي حسن عبادي: “قال لي أحمد: “فرحتي لن تكتمل إلّا حين أعود مع الديوان ويكون الإشهار في يافا” وها نحن اليوم نلتقي لنحقّق له أمنيته وحلمه ونطلق ديوانه هنا في يافا. وكأنّي به يحلّق في فضاء مقهى يافا، يطلّ علينا بابتسامته الخجولة، يسترّق النظر والسمع من الأعالي، رغم القضبان. شكرًا أحمد على هذه الكلمات وعلى اللمّة في يافا… يافا تجمعنا.أحمد شاعر مرهف الإحساس رُغم عتمة الزنازين، أحمد شاعر أسير، هو المهاجر والمُهجَّر والمغامرُ والشهيدْ، هو في وطنه مهاجر، شبح بلا جسد، ورغم ذلك تبقى يافا-أم الغريب المبتدأ والخبر… نعم؛ الحريّة خير علاج للسّجين.أعيد وأكرّر مثنى وثلاثًا ورباع؛ تحرير البلاد بتحرّر آخر أسرانا.الحريّة للعزيز أحمد ولكافّة رفاق دربه الأحرار”.وجاء في كلمة د. نبيل طنوس (عضو الأمانة العامة الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين الكرمل 48): ” يقوم المحامي حسن عبادي بمشروع مميز مع الأسرى داخل سجون الاحتلال وهو مساعدتهم في إصدار كتبهم التي كتبوها داخل زنازين السجن والاحتفاء بإشهارها. بالإضافة لإشهار الإبداعات الأدبية للأسرى قام بمشاركة الكاتب والباحث فراس حج محمد بإعداد وتحرير كتاب “الكتابة على ضوء شمعة” والذي يحتوي على مقالة للأسير أحمد عارضة بعنوان “الكتابة وطقس الكتابة” (ص 16). وهي إحدى شهادات الأسرى الــ 36 في الكتاب من جميع الانتماءات الفصائلية والذين مَرّوا بتجربة الاسر: كيف كتب كتابه؟ ما هي الظروف؟ ما هي الصعوبات؟ لماذا يكتب ولمن؟ باسم الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل 48 اشكر الحضور الكريم واشكر الكاتب المحامي حسن عبادي على هذا العمل الذي يمثلنا ونحن أول من يدعمه في هذا للاستمرار إيمانًا منّا بأن الكتابة هي عامل تحرري والحرية هي خير علاج للأسير.”
وجاء في كلمة الأسير نادر صدقة: ” كنا صغارا عندما كنا نسمع أو نتابع مغامرات البحث عن الكنوز، وأول ما علق في أذهاننا عنها حقيقة العلاقة الطرديّة بين قيمة الكنز ومشاق رحلة البحث عنه، بين حجم الغنيمة ووعورة سبيلها، وهذا حالنا مع الكنز الماثل بين أيديكم في هذه الأمسية. فالوصول اليه على البُعدين الموضوعي والذاتي يشابه إلى حد بعيد مشاق الوصول إلى جزر الكنوز وكهوفها، ناهيك عن خفايا الأحاجي والرموز وعفاريت الرفض وغيلان الحصد.فعلى الصعيد الموضوعي يقبع شاعرنا في بطن الحوت، وللتخفيف من دراما الاستعارة فهو كما تعرفون أسير في سجون الاحتلال الذي سُرق منه عمره وحريته كما سُرقَت أرضه ويافاه، وكلكم يدري مدى صعوبة الوصول إلى قلب هذه الكهوف واكتشاف كنوزها، ناهيك عن مدى صعوبة إخراج هذه الكنوز من هناك رغما عن غيلان الواقع التي تغدو أمامها غيلان الأساطير قطط أليفة.اما على الصعيد الذاتي فإن كنز هذه الأمسية قابع في خبايا كتلة بشرية صلدة من الحس الغاضب والحلم النزِق والرهف النافر. إنما تحضرني هنا حقيقة ان الأوتار لا تعطي نغما لائقا إلا بعد أن تشتد حتى النزق، وصديقي ورفيقي الشاعر أحمد العارضة لا يشبه شيئا بقدر ما يشبه الوتر.وبالعودة إلى الموضوعي والذاتي لا بد من التنويه إلى أنّ كثيرا من الانتاجات الثقافية التي تخرج من السجون يتم تقييمها في كثير من الأحيان احتكاما للظرف الموضوعي الذي انتجها…يعني… بقليل من الموضوعية. فالتعاطف وتفهّم الظروف والرغبة في الدعم والتشجيع كلها مؤثرات تحرف مؤشر القيمة عن حياديّته، لكن لا بد من الاعتراف بأن الموهبة في المحصّلة تملك بُعدًا ذاتيا بامتياز، والموضوعي على كل دوره وحضوره لا يخلقها، وشاعرنا الليلة هو موهبة تستطيع فرض نفسها بحياد كامل على كل ناقد في هذا المجال.فهو ليس أسير شاعر إنما شاعر أسير، يعتصره جنون النضال والكفاح والحنين والعودة ليخرج منه رحيق الغضب والحب والشعر، وأخيرا وفوق الجميع رحيق الحلم. وقد قيل عن الحالمين أنهم إن عاشوا فليس لهم من مأوى سوى السجون أو الجنون، لكن ما نحن بدون الحلم، وبدون الحب، وبدون غواية الشعر وجنون الاستعارة، وما نحن ومَن نحن وأين نحن بدون الأمل؟في الختام، أود باسم شاعرنا وباسم كل المناضلين الأسرى التوجه بالشكر العميق إلى تلك الأيادي الحرة التي رغبت وحاولت واستطاعت الوصول إلينا رغم قيود القهر لتساهم في تحرير وإطلاق وعودة مواهب القيد ولو حتى بالاستعارة.” لتكون الكلمة الأخيرة لإبراهيم عارضة (شقيق أحمد) الذي شكر بدوره الحضور والقيّمين على هذا الحفل وبعده كان توقيع الديوان (قام بتوقيعه، نيابةً عنه، المحامي حسن عبادي وأفراد العائلة).ومن الجدير بالذكر أن الإعلامية جيفارا البديري وطاقم الجزيرة قد قاموا بتغطية الحفل.الحريّة لأحمد عارضه ورفاق دربه الأحرار.