دير الأسد تقول: وداعًا للمختار أحمد علي طه الأسدي
ميسون أسدي
تاريخ النشر: 31/12/22 | 9:48*توفى اليوم 30/12/2022 السكرتير الأول للحزب الشيوعي في دير الأسد الأستاذ احمد علي طه الأسدي (أبو علي) الملقب بالمختار، عن عمر ناهز الـ 89 عامًا وتم دفنه في مقبرة دير الأسد الساعة… وهذه مقتطفات من لقاءات أجريتها معه على فترات متباعدة:
درس أبو علي من الصف أول حتّى الثامن في مدرسة البعنة، وفي سنوات الخمسينات قلة من الاشخاص درسوا حتّى المرحلة الثانوية وهو كان واحد منهم. ويقول: كنّا ننتظر الباص ليأتي من منطقة صفد ونسافر به حتّى العياضية، المفرق الذي يتجه إلى قرية كفر ياسيف ونمشي سيرًا على الاقدام حتّى مدرسة يني في كفر ياسيف.
الحزب الشيوعي في دير الأسد
حنا إبراهيم وأبو محمد حسن بكري هما من أسّسا الحزب الشيوعي في دير الأسد، ويقول أبو علي: انا كنت أول شيوعي في دير الأسد والحاكم العسكري آنذاك أرسل لي لمقابلة عنده وهو يعرف كل تاريخي السياسي وما أن رآني حتّى أهّل بي، “اهلا بالمختار”. جلست معه وقال لي “طلب واحد لا غير اطلبه منك، ان تترك الحزب” فقلت له صعب أنا المسؤول عن الحزب وأنا سكرتيره… بعد أسبوعين جاءني فصل من وزارة المعارف وطاردتني الشرطة، كما طاردت رفيقي المربي نمر مرقص على الخيل من بيت إلى بيت ومن زاوية إلى أخرى، ورأيت أم عبد الخالق أسدي، فقلت لها دبريه خبئيه في بيتك، بيتها تحت بيتنا، خبأته على السدّة وألقت عليه حصيرة. جاء البوليس على بيتي، فأخبرتهم بأنً نمر مرقص هرب في ذلك الاتجاه فتبعوه، كانت حياتنا صعبة بسبب ملاحقة البوليس للشباب. في سنوات الخمسين طاردونا بلا رحمة.
أجواء جبل المغر الساحرة
دير الأسد بلدي تقع على سفح جبل المغر من سلسلة جبال الجليل الجو الجبلي في دير الأسد أوحى لكل امرأة في الدير ان تغني وللكثير من الشباب والشعراء للغناء بالأفراح من أمثال أبو سعود وأبو غازي وغانم وصالح حرب والركن وأبو الركن ورفعات وغيرهم.
محمود درويش كان جارنا
سكنت عائلة درويش بقرب بيتنا ومحمود تربى بيننا، وكنت انا واخوه أحمد في صف واحد، درسنا في كفر ياسيف وسكنّا في نفس الغرفة، محمود درويش قضى مرحلة شبابه الأولى في دير الأسد، كان هادئ وذو تأملات، وحي الشعر نزل عليه في قريتنا في بيئة دير الأسد وبين أهل دير الأسد، بلدنا جوّها جو شعري، للأسف الشديد هناك ذكريات مهمة مع الشاعر محمود درويش الذي لم يحمد ويذكر أهل البلد لأسباب مشروعة وتخصّه… فقد كان واحد من أهلنا، وينام في بيتنا وعاش وترعرع في قريتنا، محمود نطق الشعر في الدير أيام أبو غازي وأبو سعود، عندما كنت أنا في صف الثاني عشر كان هو في الصف التاسع وحين غنى أبو سعود وقال:
نحن في دير الأسد شيّدنا دار
عمدانها من الزجل والأشعار
صارت بلدنا للشعر كعبة
يقصد اليها سائر الزوار
حضور محمود درويش للحفلات في الدير وجلوسه في منطقة الجلسة وجبل المُغر صقلت موهبته الشعرية الأولى.
مصادرة الأراضي
عند حدوث النكبة واحتلال أراضينا، كنت ابن 14 عاما جمعونا وقتلوا أربعة من شبابنا من الدير والبعنة وهجروا العديد منّا إلى لبنان وقسم كبير للمعسكر وتمركزنا في منطقة البيّارة والسُكن، خلال خمس أيام، توجه كل من أبو سعود الأسدي وقاسم حسين الأسدي إلى جبر الداهش واتفقوا معه على ارجاع أهل الدير لبيوتهم ومن وصل إلى لبنان راحت عليه.
كانت بلدتنا منطقة مناورات واستولوا عليها وصادروا منّا منطقة المحاجر التي كانت تنتج أفضل الحجارة في الشرق الأوسط، وعشرات المنتفعين الذين عملوا في المحاجر. حطت السلطة عينها على الأراضي وصادرتها وبعد المصادرة مرّ بن غوريون في طائرته فوق المنطقة ورأى القرى العربية وبدأ برنامج تهويد الجليل. أنا وزوجتي انتصار محمد طه، كنّا أول من سكن في منطقة البيارة حينها، ضحك منّي أصدقائي متسائلين: “كيف ستسكن في هذه المنطقة الوعرة المليئة بالحيوانات البرية” ولكني سكنت في بركية وزرعت الأرض بأشجار الحمضيات وبعدها انتقل قسم من العائلة وسكنوا إلى جانبي، وبفضلنا اليوم يسكنها مئات العائلات، قسم منهم بلا ترخيص وقسم حصل على الترخيص واليوم منطقة البيارة من أهم الحارات الجديدة في دير الأسد.
ادعكوا بيجيك دللوه بخزيك
الدلال غير جيد، “ابنك ادعكوه بيجيك، دللوه بخزيك”… الشوارع مليئة بالسموم والسلاح، السياسة الاسرائيلية معنيّة بتدميرنا، لا تهتم إذا قتلنا بعضنا سيرا على مقولة “فخار يكسر بعضه”، إذا طير من لبنان دخل أراضينا يمسكوه، فكم بالحري آلاف من قطع السلاح مع الشباب والشرطة لا تعلم بها، هي تعلم، لكنّها مغمضة عينها لأنهم معنيين بتدميرنا. البيت الذي لا يوجد به مكتبة وأولاد يقرأون ليس ببيت، لذلك أنصح كل بيت بالقراءة والكتابة والانتباه للبيت، المكتبة هي زينة البيت المكتبة صيدلية العقل وبها كلّ أنواع الأدوية للعقل.
شعر بلدنا في غزة ومأكولاتنا هي الأفضل
ذهبنا رحلة منذ أكثر من عشرين سنة زيارة وفد من أهالي البلدة لزيارة مدينة غزة، دخلنا إحدى المطاعم وطلبنا كلّ ما لذّ وطاب وعندما انتهينا، قال لي زميلي صالح حرب: من صاحب المطعم فناداه وبدأ صالح حرب بالزجل والشعر يمدح به صاحب المحل ومطعمه وبعد أن أنهى شعره، قام صاحب المطعم وطبع قبلة على جبينه ولم يوافق أن ندفع قرشًا واحدًا بعد ان استمع الى أجمل الشعر وارقه من صالح حرب.
أفضل أكلة كبّة تجدها في قرية يركا ولكن أهل يركا شهدوا لنا بأن كبّتنا أزكى وأنا أحب الكبّة وخاصة كبة أهل يركا ولكنها لم تعجبني مثل كبة الدير، الأكل والفرح والترح في بلدنا له طعم ولون آخر، أحب الشاغور والجليل وحيفا وكل تراب فلسطين ولكن مثل دير الأسد لا يوجد قرية في منطقتنا.
عشنا في بلدنا على الفلاحة والزراعة، وخزنا الغلال للشتوية مثل النمل. حياتنا كانت دون قلق وهموم مثل اليوم، نعمل القطين والخبيصة والزلابية وكانت العائلات تعيش باللذة والنعيم، اليوم تغيّر الحال وبات القلق والأرق يقدّ مضاجعنا بسبب الخطط الشيطانية التي تخططها السياسة العليا لقتل أخلاقنا وشبابنا وهدم البنية الاجتماعية بالأسلحة والآفات الأخرى المخططة لنا.
***
لم يعد الموت يستطيع أن يفاجئني كثيراً بعد أن زادت خبرتي في الحياة وتقدم بي العمر.
قائمة الأصدقاء والأحباء والرفاق والأقارب والمعارف ألذين فقدتهم أطول من أن أستطيع تعدادها
رحلت يا خالي أبو علي، محملا بالحب، سلام إلى روحك الطاهرة التي عانقت تراب الجليل.