قراءة ناقدة لقصة “صوت ذاك الآخر ” للكاتبة جميلة شحادة
تاريخ النشر: 06/01/23 | 18:16أهدتني الصديقة الكاتبة، جميلة شحادة، إصدارها الجديد: “سأنزل في هذه المحطّة” في فترة تزاحمت فيها متطلّبات مهنتي وحفِلت ببرامج واحتفالات استقبال الأعياد ورأس السنة الميلادية. لكنّ عنوان الكتاب وغلافه كذلك، جذباني، فقررتُ أن أجد الوقت كي أستكشف ما بين دفتي هذا الكتاب. وبما أن الكتاب هو عبارة عن مجموعة قصصية فقد سهّل عليّ المهمة، بمعنى، أنه يمكنني قراءة قصة واحدة على الأقل كلمّا سمح لي وقتي بذلك. وذهبت مباشرة الى القصة التي عُنون الكتاب بها: “سأنزل في هذه المحطّة” فأعجبتني وفتحت شهيتي على قراءة المزيد من الكتاب، فوجدتُ نفسي قد أتممتُ قراءته في جلسةٍ واحدة. لكنّ القصة التي لفتت انتباهي وقرّر ت أن أكتب قراءتي عنها للكاتبة، هي قصة: “صوت ذاك الآخر”، حيث تدور القصة بين طبيب نفسي يدعى حكم، ومريضه شعبان. وقفت عند هذه القصة، تأملت ما جاء فيها، فأخذتني الى دلالات رمزية تكمن وراء سردها، وربمّا، لأننا نشهد هذه الأيام تشكيل حكومة جديدة تثير القلق في نفوس معظمنا.
وأبدأ بالأسماء، التي باعتقادي لم تخترها القاصة، شحادة لشخوص قصتها عبثًا. حيث أطلقت على الطبيب النفسي، “حَكَمْ”، وهو مشتق من الفعل (حَكَم). لترمز به الى الحكومة، أو كل من يمثل السلطة الحاكمة. أما “شعبان” فهو يمثل الشعب. ويسأل السؤال هنا: لماذا رمزت الكاتبة للحكومة أو السلطة الحاكمة بالطبيب النفسي؟ هل يُعقل أنها قصدت أن السلطة الحاكمة هي مصدر علاج لإضرابات النفس عند الشعب، وهي التي تسانده وتدعمه وتوفّر له الراحة في ضيقه؟ لا أظن. فهذه السلطة الحاكمة تعيش في برجها العاجي بعيدًا عن الشعب، حيث دلّت الكاتبة على ذلك بعيْش الطبيب “حكم” في قصرٍ بعيدًا عن الناس، وهو لا يستقبل أحدًا إلا بحسب بروتوكول معروف للجميع. اقتبس من القصة: “والأصدقاء لا يأتون لزيارتي في القصر إلا بترتيب مسبق للزيارة”. ما الذي أتى بكَ الى هنا يا شعبان”؟ ” ألا تعرف أنني لا أستقبل زبائني هنا”؟ (ص 74)
فيجيبه شعبان: “أنت طبيبي وعليك أن تستقبلني في أي وقتٍ وفي أي مكان. (ص 75). وكأن الكاتبة تشير هنا الى مسؤولية السلطة الحاكمة تجاه الشعب. وفي موقع آخر من ذات الصفحة يقول شعبان للطبيب حكم: “أنا أدفع لك المال لتحلّ أزمتي وتخلصني من الحالة التي أنا فيها. عليك أن تريحني من الوجع الذي أشعر به”. وربما ترمز الكاتبة بذلك الى دفع المواطن للضرائب، والى ضائقة الشعب اقتصاديًا والتي حتمًا تؤدي الى معاناته والى خلق أزمات اجتماعية، نفسية، ثقافية… والى تفشي العنف بين الأفراد والجماعات، والى انفصامٍ في ذات ونفس الكثيرين من أفراد الشعب، نتيجة صراعهم النفسي ما بين تصديقهم للوهم الذي تغذيهم به السلطة الحاكمة مثل: مصلحة الوطن قبل مصلحة الفرد.. بين تصديقهم لصوت دواخلهم: “لا عيش بدون كرامة”، “كما تكونوا يولّى عليكم”…
كانت مهمة الطبيب أن يقمع صوت شعبان الداخلي كلّما علا، بإعطائه حقنة مهدئ، ويزيد من بث الوهم في نفسه بأنه مختلٌ ويحتاجه ليعدل اختلاله. وهذه ربمّا، دلالة تشير بها الكاتبة الى غرس السلطة الحاكمة الوهم في نفوس الأفراد، وخلق الفوضى والإضرابات بينهم، كلمّا شعرت بتمرد الأفراد، ورفضهم لواقعهم، ومطالبتهم بتغييره للأفضل، وتخليهم عن سلطة لا يعنيها مصلحتهم. لكن بما أن “للصبر حدود”، كما غنّت كوكب الشرق أم كلثوم؛ فإن صبر شعبان قد وصل الى حدّه أيضًا ورفض حقنه بحقنة المهدئ. أقتبس: “انتفض شعبان ووقف قِبالة حكَم وراح هو الآخر يصرخ: – لتعلم أني لست مجنونًا. لست مجنونا. لست مجنونا… ص 77.
وتنهي الكاتبة قصتها: “صوت ذاك الآخر” بنهاية مفتوحة، ولو أنه لن يكون صعبًا على القارئ أن يستشف ماهية هذه النهاية، وهي تمرّد شعبان على طبيبه حكم. أقتبس: “كان حكم يخطو ببطء نحو شعبان، وكان الأخير يخطو ببطء الى الخلف ويصرخ: لست مجنونًا، قلت لك أنا لست مجنونًا… ودوّى صوت طلقة في فضاء الغرفة واختلط بزمجرة الريح العاصفة التي راحت تخترق نافذة الغرفة وتطيّر ستائرها”. فهل هذه النهاية هي دعوة للثورة على مصدر الوهم، والقلق، والظلم وعدم الأمن والأمان وعدم المساواة…؟
بقلم: منى شحادة
6.1.2023