بدون مؤاخذة-هل بدأت الحروب الدّينيّة
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 08/01/23 | 10:33وصول اليمين المتطرّف وأحزاب فاشيّة للحكم في اسرائيل ليس غريبا ولا عجيبا، فالتّربيّة الصّهيونيّة تقوم على تربية اليهود على الخوف وعدم الثّقة بأحد؛ لتبقى أيديهم على الزّناد بشكل دائم ومستمرّ، وتقوم أيضا على غرس قِيَم الإستعلاء القوميّ والعرقيّ في عقول النّاشئة، حسب مقولة “اليهود شعب الله المختار”. مع التّذكير بأنّ الدّيانة اليهوديّة هي الدّيانة السّماويّة الأولى، ولم ولن يعترف أتباعها بالدّيانتين السّماويّتين اللاحقتين” المسيحيّة والإسلام”.
ومعروف أيضا أنّ الحركة الصّهيونيّة رفعت شعارا دينيّا “العودة لأرض الميعاد”؛ لتجميع يهود الشّتات في فلسطين وإقامة وطن قومي لهم، واستطاعت أن تحوّل الدّين إلى قوميّة، وهذه قضيّة غير مسبوقة في التّاريخ، ومن خلال امتلاكهم وسيطرتهم على طاحونة إعلام هائلة تغطّي العالم جميعه، وبدعم لا محدود من الإمبرياليّة الرّأسماليّة، التي تتعامل مع اسرائيل كقاعدة عسكريّة متقدّمة للحفاظ على مصالحها في الشّرق الأوسط، فقد أقنعوا العالم بأنّهم مقدّسون، وهم المالكون الوحيدون للحقائق الرّبّانيّة الإلهية. وقد ساعدهم في ذلك خنوع وخضوع أنظمة عربيّة نصّبتها القوى الإستعماريّة بعد تقسيم العالم العربيّ إلى دويلات.
لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه حول الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة التي يرأسها زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، والتي أفرزتها انتخابات 29 اكتوبر الماضي، وهي ائتلاف بين الليكود الذي حصل على 32 مقعدا في الكنيست، وتحالف مع أحزاب دينيّة متطرّفة” الحريديم” وحزبين فاشيّين بقيادة بن جفير وسوموريتش، وحصلت هي الأخرى مجتمعة على 32 مقعدا من مجموع 120 مقعدا، فهل جاءت هذه النّتيجة صدفة أم هي حصيلة التّربيّة المدرسيّة والتّوجيه الإعلاميّ المستمرّ منذ نشأت الحركة الصّهيونيّة وحتّى يومنا هذا؟
وإذا عدنا إلى تاريخ اسرائيل منذ نشوئها حتّى هذه المرحلة، فهل كانت الأحزاب الصّهيونيّة الحاكمة أحزابا معتدلة في يوم ما؟ وهل هناك فروق بين اليسار واليمين الصّهيونيّ؟
وللإجابة على هذا السّؤال يجدر التّذكير بأنّ حزب العمل الإسرائيليّ الذي يصنّف بأنّه من اليسار الصّهيونيّ، قد حكم اسرائيل منذ نشوئها في العام 1948 وحتّى العام 1977، فقد ارتكب هذا الحزب مذابح ضدّ الشّعب الفلسطيني في نكبة العام 1948، مثل مذابح دير ياسين، الطّنطورة، الدّوايمة وغيرها. وهو من شرّد أكثر من نصف الشّعب الفلسطينيّ “950 ألف” شخص عام 1948،-حسب إحصائيّات الأمم المتّحدة-، وهو من دمّر ومسح عن الوجود أكثر من 540 بلدة وقرية وتجمّع سكّاني فلسطينيّ، وهو من تحالف في 29 اكتوبر 1956مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثّلاثيّ على مصر. وهو من ارتكب مجزرة كفر قاسم في التّاريخ نفسه لتهجير الفلسطينيّين الذين بقوا في ديارهم تحت الحكم الإسرائيليّ، وهو من شنّ حرب العام 1967، واحتلّ ما تبقّى من فلسطين” الضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس وقطاع غزّة”، مع صحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السّوريّة. وحزب العمل الإسرائيليّ هو من بدأ الإستيطان في الأراضي العربيّة المحتلّة عام 1967.
فماذا ستستطيع حكومة التّطرّف اليمينيّ الحاليّة بقيادة نتنياهو أن تعمله أكثر من هذا؟ وهل لو فازت أحزاب المعارضة الصّهيونيّة الحاليّة بالإنتخابات كانت ستوقف الإستيطان في الأراضي المحتلّة؟ وهل كانت ستطبّق قرارات مجلس الأمن الدّوليّ بخصوص الصّراع الذي طال أمده؟ وهل كانت ستجنح للسّلم؟ وماذا فعلت حكومة بينيت لابيد السّابقة؟
وعودة إلى حكومة التّطرّف اليميني الحاليّة، والتي قامت بسنّ قوانين جديدة ستنهي أكذوبة ” اسرائيل واحة الدّيموقراطيّة في الشّرق الأوسط”.
ويلاحظ أنّ الغالبيّة في المجتمع الإسرائيليّ غير راضية عن هذه الحكومة، بل تتخوّف منها، ومنهم من يدعو إلى النّزول إلى الشّارع والتّظاهر لإسقاطها.
لكنّ خطورة هذه الحكومة هي عملها الدّؤوب لاستعجال المخطّط الصّهيونيّ طويل المدى. ورضوخ نتنياهو -الذي أكثر ما يهمّه هو مصالحه الشّخصيّة- لطلبات الأحزاب الدّينيّة والقوميّة الفاشيّة التي تحالف معها، وتجلّى ذلك يوم 3 يناير الحالي عندما سمح للوزير بن جفير باقتحام المسجد الأقصى المبارك، ودعواته لبناء الهيكل على أنقاض هذا المسجد الذي يعتبر جزءا من عقيدة المسلمين، ممّا أثار مخاوف وغضب العالم جميعه، بما فيه الولايات المتّحدة الأمريكيّة حامية اسرائيل وحليفتها الأولى. وإذا ما نفّذ نتنياهو تعهّداته للأحزاب الفاشيّة، وخصوصا ما يتعلّق منها بالمسجد الأقصى، فإنّ المنطقة وغيرها ستدخل في حروب دينيّة يعرف مشعلوها متى يبدأونها، لكنّهم لا يعلمون متى ستنتهي، لكنّها بالتّأكيد ستحرق الأخضر واليابس ولن ينجو من لهيبها أحد.