اقتحامات إسرائيلية متنوعة ومنهجية عدوانية موحدة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 18/01/23 | 14:05تتعدد جرائم الاقتحام الإسرائيلية وتتنوع، وتختلف أشكالها وتتكرر، وتتباين حدتها وتتطرف، ويكثر الداعون إليها والمنظمون لها، ويزداد المشاركون فيها والمؤيدون لها، وترعاها الحكومة وتحميها الشرطة، ويُؤَمِن الجيش لها الطريق ويضمن سلامة المستوطنين، ويطلق جنوده النار على الفلسطينيين ويقتلهم، والقنابل المسيلة للدموع ويخنقهم، ولا يتردد في الاعتداء عليهم واعتقالهم، دون تمييزٍ بينهم أو تحييدٍ لبعضهم، في صيرورةٍ من العدوان لا تنتهي، وإصرارٍ على البغي لا يتوقف، وكأنهم في سباقٍ مع الزمن ضد كل ما يتعلق بالفلسطينيين ويرتبط بهم، ورغم سلاحهم الفتاك وتفوقهم اللافت فإنهم يخافون الفلسطينيين ويخشون مواجهتهم، ويلجأون إلى القوة وكثافة النيران لصدهم وإرهابهم، ومنع مقاومتهم وكسر إرادتهم.
لا تقتصر عمليات الاقتحام الإسرائيلية على المسجد الأقصى وباحاته، وإن كانت هي أشهرها وأكثرها، ومحل اهتمامهم ومنطلق أطماعهم، إذ إنهم يتطلعون إلى السيطرة عليه والتحكم فيه، ومقاسمة الفلسطينيين أماكنه ومزاحمتهم أوقاته، وتغيير معالمه وتبديل حقائقه، وتزوير واقعه وتحريف حكايته، وصولاً إلى هدمه من أساسه، وإنهاء وجوده وإزالته من مكانه، تمهيداً لبناء الهيكل الثالث المزعوم مكانه، واستعادة مُلك سليمان وهيكله، وتابوت موسى وعصاه، وفي سبيل ذلك فإنهم لا يتوقفون عن عمليات الاقتحام المحمومة، ولا تقوى القوانين الدولية على ردعهم، ولا يستطيع المجتمع الدولي منعهم، بل يساعدهم بالسكوت عنهم، ويشجعهم بصمته على المزيد من جرائمهم.
لا تقل أشكال الاقتحام الإسرائيلية الأخرى عنفاً وشدةً، وقسوةً وعدواناً، وحقداً وغدراً، وظلماً وإرهاباً، فهم يعتدون بصورةٍ يوميةٍ دائمةٍ ومنتظمة على الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، الذي لم يعد فيه موطئ قدمٍ للفلسطينيين، ولا موضع لسجود المسلمين، إذ سيطروا على أغلب مساحته، وتحكموا في المصلين فيه والداخلين إليه، وأخضعوا محاريبه ومنابره لقرارهم، ومنعوا الأذان إلا بإذنهم، وأدخلوا إلى باحاته زانياتهم وغانياتهم، وعاثوا فيه فساداً رقصاً وصخباً، وعقدوا فيه حفلات قرانهم وختان أطفالهم، وزرعوا فناءه بمقاماتهم، وزوروا شواهدها بأسماء أنبيائهم وزوجاتهم، وأسماء ملوكهم وقادة جيوشهم.
أما قبر يوسف في مدينة نابلس فهو وجهتهم وقبلتهم، وهدف عدوانهم اليومي واقتحامهم المتكرر، يقصدونه بالمئات، ويزحف نحوه المستوطنون، ومعهم الجنود وعناصر الأجهزة الأمنية، التي لا يعنيها غير حماية المستوطنين وإسنادهم، بينما يقتحمون فناءه، ويؤدون فيه طقوسهم الدينية التي لا تخلو أبداً من الدماء الفلسطينية النازفة، حيث يستشهد أمامه وخلال الدفاع عنه وصد جموع المستوطنين عنه شبانٌ فلسطينيون، يافعون وبالغون، ومعهم شيوخٌ ومسنون، وغيرهم ممن يهبون للدفاع ويسرعون للصد والمواجهة، غير آبهين بقوة العدو واستعداداته، وسلاحه وتجهيزاته.
كما أن مقابر الفلسطينيين الإسلامية والمسيحية كلها فهي محل أطماع الإسرائيليين وعدوانهم، إذ يرونها أرضاً خاليةً يحتاجونها، ويخططون لجعل بعضها حدائق ومنتزهات، أو قضمها بشق الطرق فيها وتوسيع الشوارع بها، فما سلمت منهم مقابر القدماء ولا مدافن المعاصرين من أبناء القدس المسيحيين والمسلمين، فكانت مقبرة مأمن الله عنواناً مستمراً لعدوانهم، ومحطَ أطماعهم، في الوقت الذي يحاولون فيه طمس معالمها، وتزوير شواهدها، وإضفاء الصفات اليهودية على بعضها.
أما ما يتعلق بحياة الفلسطينيين اليومية ويمس عيشهم وحاجتهم، ويسد رمقهم ويطعمهم، ويحافظ على كرامتهم ويؤويهم، فإن سلطات الاحتلال تضعها في مقدمة أولوياتها اليومية وأنشطتها العدوانية، فهي تقتحم البيوت الآمنة، تخربها وتعيث فساداً فيها، وتمزق أثاثها وتحطم ممتلكاتها، وقد تقتل أهلها وتخرج منها ساكنيها، وتدمرها أمام عيونهم وتنسفها وهم ينظرون إليها.
وكذا الحال مع البساتين والحقول، والأشجار والمزروعات، وخاصةً أشجار الزيتون الشاهدة على وجود الفلسطينيين وعمق انتمائهم إلى أرضهم وبلادهم، التي تصبغ الأرض بهم وتنسبها إليهم، فإنهم يحرقونها أو يقتلعونها من جذورها، ويجرفون أرضها أو يفتحون المياه العادمة عليها وعلى مختلف البساتين، لتغرق مزروعاتهم وتلوثها بقاذوراتهم ومخلفاتهم، بما لا يجعلها وثمارها صالحة أو مفيدة، ويقوم بهذه العمليات الاستفزازية المستوطنون والمتطرفون القوميون والدينيون على السواء، بينما ترعاهم الحكومة ويحميهم الجيش.
عاد الإسرائيليون إلى عهد العصابات الصهيونية الأولى، شتيرن والأرجون والهاجاناة، التي كانت تعتدي على الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتجتاح بيوتهم وحقولهم وبساتينهم، وتدنس مقدساتهم وتنتهك حرمة مساجدهم، وتسمم مياههم وتردم آبارهم، وكأنهم جميعاً قد تعاهدوا على إعلان الحرب على هذا الشعب، وتواصوا على المضي في مسلسل الاقتحامات والانتهاكات، ظانين أنهم بهذا سيصلون إلى أهدافهم، وسيجبرون الفلسطينيين على التسليم بمخططاتهم، والقبول بواقعهم، وما علموا أن الفلسطينيين قد تعاهدوا قبلهم، وأعطوا الله عز وجل وشعبهم وأمتهم موثقاً لا يخلفونه ولا ينكثونه، أن يدافعوا عن أرضهم حتى التحرير، وأن يقاتلوا في سبيلها حتى التطهير، وأن يتمسكوا بها مهما علت الكلفة وعظمت التضحية.