القضاء على ظاهرة العنف في المجتمع العربي لا يقتصر على تطبيق القانون فقط
تاريخ النشر: 31/01/23 | 11:52عيدو لوطن – مدير عام جمعية الروح الطيبة للعمل التطوعي
تستمر مظاهر العنف في المجتمع العربي في التفاقم خلال الفترة الأخيرة، حيث واكبنا مؤخرا الشجار الكبير الذي نشب عند مدخل مستشفى سوروكا في بئر السبع، واعمال العنف التي وقعت عند مدخل مستشفى نهرياـ حادثة الطعن الذي تعرضت له امرأة من سكان منطقة الجليل، اشعال النيران والتسبب بحرائق متعمدة، إطلاق النار وما الى ذلك. المعطيات الجافة التي تقف وراء هذه الحالات تعتبر في غاية القلق حيث تم تسجيل أكثر من 100 ضحية لحالات العنف منذ مطلع العام الماضي في المجتمع العربي، وعلى الدولة والمجتمع العربي عدم التسليم بتاتا مع هذه الظاهرة.
ان العلاج الجذري لظاهرة العنف في المجتمع العربي يتطلب عمل متتالي وتصميم من قبل الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون واستثمار الموارد الجمة للتعامل بلا هوادة مع الجريمة ومنع حالة القتل القادمة. مع هذا فان علاج الجريمة غير كافي، اذ انه يعتبر غيض من فيض، وبموازاة ذلك يجب العمل لتوفير العلاج المناسب لهذه الظاهرة. هذا العمل بتطلب برنامج واسع بالتعاون مع السلطات، جهاز التعليم، حركات الشبيبة، الجمعيات والمؤسسات المجتمعية. هنالك أيضا دور للفئات العديدة الأخرى بالتعامل مع مظاهر العنف ومعالجة ظواهر السلوك العنيف الذي يؤدي الى الجريمة والتي بدورها تمس بالجمهور الواسع الذي يدأب على الحفاظ على القانون بأغلبيته.
يتمتع المجتمع المحلي بمعرفة أفضل وأقرب بالتحديات الموضوعة أمامه، وكذلك يدرك تمام نقاط قوته، لذلك يمتلك في كثير من الأحيان المفتاح والقدرة على مواجهة هذه التحديات وحلها بأكثر الطرق كفاءة. تحقيقًا لهذه الغاية، يتحمل المواطنون في المجتمعات المختلفة أيضًا مسؤولية أن يصبحوا ناشطين ومبادرين وقائدين للمساعدة في حل المشاكل. فلكي يكونوا ناجحين، يجب أن يحصلوا على الأدوات المناسبة، والتدريب الملائم، والدروس التعليمية، حتى يتمكنوا من المساعدة بأنفسهم للمجتمع الذي ينتمون إليه.
وفي إطار نشاطنا المستمر في جمعية “الروح الطيبة”، نشهد طيلة الوقت تنامي المبادرات في المجتمع العربي التي تستند الى العمل التطوعي. على سبيل المثال، وحدة “اليد المجتمعية” – وعي الوحدة التطوعية التي تستند الى التطوع القائم على التدريب، حيث يخضع المتطوعون فيها للتدريب المطلوب والملائم قبل البدء والشروع بعملية التطوع. تعمل طريقة التطوع هذه من خلال السلطة المحلية التي تقوم بتجنيد متطوعين من مواطنيها، الذين يخضعون للتأهيل في 4 مجالات الاكثر تحديا، هذه المجالات التي تقلق راحة المجتمع العربي: الأول، تقديم الإسعافات الأولية – يستغرق رجال الإنقاذ وقتًا طويلاً للوصول إلى مكان وقوع الاصابات، والتي قد تؤدي إلى الخسائر في الأرواح البشرية، ومن هنا تكمن أهمية تقديم الإسعافات الأولية بأسرع وقت ممكن. الثاني، خلق بيئة أكثر أمانًا للأطفال – هناك 3 أضعاف من الحوادث المنزلية في المجتمع العربي، والثالث – تشخيص السلوك العنيف ومنعه، والرابع السلوك المالي الصحيح للأسرة والافراد.
في السنوات الثلاث الماضية، خضع أكثر من 1000 شخص من حوالي 40 بلدة في المجتمع العربي لدورات تأهيل ضمن برامج “اليد المجتمعية”. ناهيك عن كونهم تحملوا المسؤولية وعملوا من أجل مجتمعهم، نجد أيضًا أن شعورهم بالأمان زاد. على الرغم من النتائج الإيجابية في زيادة الوعي من خلال الاعمال والنشاطات التطوعية والقدوة الشخصية، فإن هذا لا يكفي. اذ انه يقع على عاتق سلطات الدولة واجب العمل جنبًا إلى جنب مع المجتمع وإنشاء آليات مشاركة عامة تشجع مشاركة المتطوعين من اصحاب المعرفة وممن يمتلكون الوسائل، وتدريبهم للعمل على الحد من العنف وحل النزاعات.
وبحسب التجربة في هذا المجال فأنه عندما يتم تسخير المجتمع المحلي، يصبح طرفًا مهتمًا ، وعندما يتم تحفيزه على نشاط تطوعي مستهدف ، يصبح شريكًا مركزيًا ، ونتيجة لذلك ، مما يضب ايضا في مصلحة القيادة المحلية، التي تكسب الثقة و تقدير.
في نهاية المطاف، لدى المواطن القدرة على إحداث تغيير كبير، كما ان الحلول والأجوبة تعتبر في أيدينا نحن أيضًا. مشاركة الجمهور العام تصب في صالحنا جميعًا. العنف ليس قدرًا، وزيادة تطبيق القانون من قبل الشرطة فقط لن يؤدي إلى خلق بيئة آمنة. التغيير الأساسي في الإدراك والوعي في إطار التعاون متعدد الجهات، سواء من نظام التعليم وسلطات تطبيق القانون والقيادة المحلية وقبل كل شيء السكان أنفسهم، هو الذي سيعزز التكتل الاجتماعي ويجند المجتمع المحلي لتحقيق الهدف المشترك وهو الحد من العنف ومنعه من أن يتدهور إلى جريمة.
المطلوب من القيادة المحلية العمل على ان تكون قدوة ومثال شخصي من منطلق كونها قيادة، لتكون أداة تربط ما بين الدولة والسكان وأن تصبح عاملاً مساعدًا في بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين. يجب على المواطنين أن يقفوا ويتحملوا مسؤولية مستقبلهم ويشاركون في المجتمع، وهذا بالتوازي مع المطالبة المستمرة بفرض القانون في المجتمع العربي.
صورة المدير عام عيدو لوطم : تصوير عنبال مرماري