هل هي ظاهرة راسخة لنهضة اللّغة العربيّة أم حالة طارئة؟
بقلم: منال غانم مصطفى/ طمرة
تاريخ النشر: 08/02/23 | 7:03الحركة الأدبيّة النّاشطة للأدباء في المدارس!
هل هي ظاهرة راسخة لنهضة اللّغة العربيّة أم حالة طارئة؟
تشهد الساحة الأدبية في الآونة الأخيرة حركة جديدة، غير مسبوقة ولم نشهدها من قبل ألا وهي تلك الظّاهرة الّتي ينشط فيها أعضاء الاتّحاد القطريّ للأدباء الفلسطينيّين، والمقصود الزّيارات التّثقيفية والتّوعوية الجماعية للأدباء إلى المدارس والالتقاء بالطلّاب في كل المراحل التّعليميّة لتعريفهم على آدابهم العربيّة وبخاصّة أدبهم الفلسطينيّ من رموز أدبيّة وإبداعات ومؤلّفات وقصص وروايات وقصائد، بغرض تعزيز مكانة اللغة العربية في وجدان طلّابنا وأجيالنا النّاشئة وتحبيبهم بها، ولغرض رفع مستوى المعرفة في العامّة بثقافتنا القومية والإنسانية لتعزيز الانتماء الوطني في نفوسهم. فمن خلال تقديم عروض للقصة أو الرواية والفعاليات الأخرى في مجال الكتابة الإبداعية، بمضامين وأساليب تلائم شرائح الطلّاب كافّة، من خارج المنهج الدراسي الرسمي، وبذلك نستطيع تشجيع الطلّاب على المطالعة والاهتمام باللغة العربية وتعريفهم بالتراث الأدبي للحضارة العربية بما يشمل من قيم جمالية واجتماعية وخلقية وظروف تاريخية ومعانٍ إنسانيّة شعّت أنوارها على العالم. إنّ هذه الظاهرة التي نمّاها الاتّحاد القطري للأدباء الفلسطينيّين أقلّ ما يقال فيها أنّها تثلج الصّدر وتسعد الروح وتجعلنا أكثر اعتزازًا وافتخارًا بأدبنا وأدبائنا، بلغتنا وثقافتنا.
هذه الظاهرة لم تكن بهذا المقدار والكثافة من قبل، بل كنّا نرى نشاطات فرديّة تأتي من أفراد معيّنين من بين الأدباء، ومن أدباء يعملون ضمن السلة التربوية (סל תרבות ממשרד חינוך) المموّلة من قبل وزارة المعارف. إن وجود الأدباء ضمن رابط تنظيمي يربطهم مع بعضهم، كتنظيم يبرمج ويخطّط وينسّق الأمور بين الطواقم المدرسية والأدباء، وله لجنة خاصة مسؤولة عن النشاط المدرسي، يشكلّون عنوانًا للمدارس الراغبة في الاحتفال باللغة والأدب والثقافة، وجود هذا التّنظيم يسهم إيجابيًّا في الحفاظ على هذه الظاهرة ويضمن دوامها.
ومن المهمّ والضروريّ أن ندرك جميعًا طلّابًا وطواقم تعليميّة ومجتمعا أهمّية وجود هذه الظاهرة الإيجابيّة والنّافعة لطلّابنا بالأساس وللمجتمع الواسع. ففي أحد اللقاءات التي شاركت فيها مع مجموعة من رموز الأدب الفلسطيني المحلّي في إحدى المدارس الابتدائية، توجّهت بسؤال للطلّاب عن مدى معرفتهم بالأدباء الموجودين في المدرسة يوم اللغة العربية الذي يحتفلون به بالنشاطات والفعاليات المختلفة، ومن ضمنها زيارة الأدباء، وقد بلغ عددهم ذاك اليوم عشرين أديبًا، لقد أدهشني وأربكني حين كان جواب الطلّاب، إننا لا نعرف أي فرد من هؤلاء الأدباء، معرفتنا بهم تقتصر فقط على معلومات علّمها لنا المدرسّون قبيل زيارة الأدباء إلى المدرسة بوقت قصير استعدادًا للقائهم.
وفي الوقت نفسه أو من وجه آخر لم يكن الجواب مفاجئا لي، فإذا ما تصفّحنا كتب المناهج الرسمية المعمول بها في المدارس العربية، فإننا سنرى أن معظم النصوص الأدبية هي من إعداد مجموعة من المؤلّفين المحلّيين وتحتوي على نصوص لأدباء من العالم العربي، والقليل القليل تتكلم عن نص واحد أو اثنين لأدباء فلسطينيّين أو محلّيين.
لذلك على وزارة المعارف ومعدّي المناهج للغة العربية والأدب العربي تعديل المنهاج ليشمل أكثر موادّ من الأدب المحلّي وعلى مؤلّفي كتب المنهاج أيضا ضمّ نصوص أدبية محلّية، من كافة الأجناس الأدبية المختلفة، فأدبنا الفلسطيني المحلّي فيه كمّ هائل من الإبداع الجميل والراقي يضاهي بقيمته الفنّية والأدبيّة الأدب في العالم العربي وحتّى الأدب العالمي.
عندما توجهت وسألت مجموعات طلابية من صفوف الخامس والسادس وأيضا الثامن الإعدادي في ثلاث مدارس مختلفة من الجليل والمثلث عن مدى معرفتهم بالأدباء عامة، كان الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الأكثر حظًا، ثم تلاه طه حسين ونجيب محفوظ! أي لا يعرفون إلّا قلّة قليلة من الادباء.
في إحدى مقالاتي عن وضع القراءة والمطالعة عند الطلاب الصغار ذكرت أهمّية أن يتعرّف الطالب عن كثب وبالمواجهة المباشرة على الأدباء والشعراء وكتّاب القصّة المحليين، فإن هذا الأمر يزيد عند الطالب حبّ الاستطلاع ويثير شغفه ويزيد من متعته لمعرفة المزيد عن هذا الأديب الماثل أمامه ويجعله أكثر إقبالًا لقراءة مؤلّفاته، كما يلفت نظر مدرّس اللغة العربية للتوجّه إلى قراءة القصص المحلّية والإنتاج الأدبي عامة، وهذا ما يدل مرّة أخرى على عظمة ما يقوم به الأدباء من أعضاء الاتّحاد القطري للأدباء الفلسطينيّين وعلى عظمة هذه الظاهرة وعلى ضرورة الأخذ بيدها ودعمها مادّيًا ومعنويًا لتوسيعها وترسيخها وانتشارها لمصلحتنا الوطنية العامّة وللحفاظ على لغتنا وشخصيّتنا العربية المتميّزة في بلادنا هذه، فهي جزء من الكفاح من أجل حقّنا في الوجود والبقاء والتطوّر. فهل بعد هذا ثمّة شك في اعتبار هذه الزيارات للأدباء في المدارس بمثابة نهضة لتشجيع المطالعة والاهتمام باللغة العربية وتعزيز الانتماء إليها.
أم نحن كمجتمع عربي فلسطيني نريد إضعافها لتصبح حالة مؤقتة، يمكن أن تزول أو تموت لإهمالنا وفشلنا في أخذها إلى المزيد من البقاء والصمود بالتطوّر والازدهار؟!
ولكلّ ما سبق ومع أملي في النجاح ومع تحسّبي من الفشل في المهمّة الكبيرة هذه، ومن خلال مقالتي التي أعتبرها مساهمة متواضعة في هذا الشأن، أدعو الطواقم التعليمية من معلّمين، ومركّزين للغة العربية ومن مديري المدارس بالتوجّه الدائم لدعوة الأدباء إلى مدارسهم وإقامة الندوات للأهالي لبيان أهمّية اللغة العربية ولغرس محبّتها في النفوس من خلال تعزيز ثقافة المطالعة والاهتمام بالعربية لغة ووجودًا وثقافة حضارية، ومن أجل الحفاظ على مسيرة الأدب والأدباء وتنظيمهم الاتّحاد القطري حتّى تنمو الظّاهرة المثمرة وتزداد إيناعًا وإزهارًا وإثمارًا.
أتّفق مع الكاتبة المربية منال غانم مصطفى حول
ضرورة إدراج نصوص أدبية لأدبائنا المحلّين، وهذا
ما حرصتُ ضمن عملي في إعداد المناهج على تطبيقه،
ويمكن مراجعة كتب “المختار” للمدارس الإعداديّة للتأكّد
من ذلك. كذلك حرصنا على إدخال المطالعة الذاتيّة للطلاب
لإيماننا بأهميّة المطالعة في تحبيب اللغة وتعزيز مهاراتها
وترسيخ الهويّة والانتماء….