رواية الأرملة في ندوة اليوم السابع
تاريخ النشر: 10/02/23 | 9:43القدس: 9-2-2023- ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة المقدسيّة رواية “الأرملة” للأديبين المقدسيّين ديمة جمعة السّمّان وجميل السلحوت. صدرت الرّواية التي أخرجها ومنتجها شربل الياس عن مكتبة كل شيء في حيفا بداية هذا العام 2023، وتقع في 228 صفحة من الحجم المتوسط.
افتتحت الأمسية وأدارتها د.روز اليوسف شعبان فقالت:
صور لنا الكاتبان جميل السلحوت وديمة السمان، في روايتهما، حياة الأرملة في المجتمع العربيّ، وما يواجهها من صعوبات وتحديّات ومضايقات ومعاناة، بل ونبذ من قبل النساء الصديقات والجارات خوفا من أن يقع أزواجهن في حبّ الأرملة.
ندى ووردة امرأتان فقدتا زوجيهما. وردة عاشت مع زوجها في حبّ وسعادة وهناء، لكنّ هذه السعادة لم تدم. توفي زوجها وهي في ريعان الشباب إثر جلطة قلبية حادّة، تاركًا لها طفلا وطفلة.
كانت وردة فائقة الجمال وكانت مدرسة للغة الانجليزيّة في مدرسة في القدس. بعد وفاة زوجها عرض عليها والد زوجها أن يزوّجها من ابنه عمر “سلفها”، لكنها رفضت وانتقلت للعيش مع أهلها في شعفاط، ورفضت الارتباط بأيّ رجل لمدة سبع سنوات.
خلال هذه السنوات التقت وردة بالمهندس سامر الذي أحبّها خلال فترة التعليم الجامعيّ، لكنه سافر للعمل في دول الخليج وبعد عدة سنوات عاد؛ ليجدها قد تزوجت من صديقه عودة. وعندما تقدّم لخطبتها رفضت. خلال هذه السنوات السبع تعرّضت وردة للكثير من المضايقات وتوالت عليها عروض الزواج من أشخاص يكبرونها بعشرات السنين، لكنها رفضت وأصرّت على تربية ولديها.
بعد ذلك عادت فكرة الزواج تداعب أفكارها، وحين تقدّم لها سامر مرّة أخرى بعد سبع سنوات من الانتظار وعدته بالتفكير جديّا في الموضوع.
أمّا ندى فقد عاشت حياة قاسية مع زوجها صخر، الذي كان يعنّفها ويضرب ابنته براء، وقد كاد مرّة أن يقضي عليها لولا تدخل الجيران أبو عارف وأمّ عارف. كلّ ذلك لأن الشاب أمير الذي يدرس معها في الجامعة تقدّم لخطبتها وقال لوالدها أنه يعرفها من الجامعة.
فقد صخر ابنه عميد بعد أن هبّ لنجدة والده من مجموعة من الأشخاص قدموا إلى كراج صخر، تعرّض عميد لضربة سكين على قلبه وخرّ صريعا. أمّا صخر فقد مات بعد أن سقط عن الدرج المعلّق في إحدى البنايات، حيث رافق صديقه عنان لرؤية البيت الجديد الذي اشتراه عنان في القدس. وقد نصح عنان صخرا بعدم الصعود إلى الدرج لكن صخرا لم يصغ له.
بعد موت صخر ابتدأت معاناة جديدة للأرملة ندى. تقول ندى لابنتها براء:” لم أعد أحتمل يا براء. كل من أتعامل معه ويعرف أنني أرملة إمّا أن يتعامل معي بشفقة جارحة، أو إذا كان رجلا أشعر أنه ينتظر فرصة؛ ليتجاوز حدوده معي، أمّا النساء المتزوجات فأشعر أنهنّ يتجنبنني ولا يتحمسن إلى بناء علاقة صداقة معي”. ص 143.
قررت ندى الالتحاق بالجامعة المفتوحة، وتعلمت أيضا سياقة السيارة هي وابنتها براء، كما عملت ندى في حضانة للأطفال رغم أنها لا تحتاج للمال، إذ ترك لها زوجها إرثا كبيرا.
بدأت نساء الحيّ يحرضن أمّ عارف على ندى، وقد كانت تربطها بندى علاقة حميمة، وحين رأت أمّ عارف زوجها يصلح عطبا في عجل سيارة ندى ويوصلها وأولادها الى الروضة، قررت أن تقطع علاقتها مع ندى نهائيا خوفا على زوجها.
التقت ندى ووردة حين ذهبت ندى وبراء لتعزية المعلمة وردة” معلمة براء” لوفاة والدتها. توطدت عرى الصداقة بينهما وقررتا فتح حضانة حديثة حملت اسم “روضة التميّز والإبداع”، وقد تمّ توفير الزوايا التعليميّة والتربويّة المختلفة التي تسهم بتطوير ذكاء الطفل وتنمية مواهبه، وقد حظيت الروضة بإقبال كبير من قبل الأهالي.
تقدّم عنان مرّة أخرى لخطبة وردة، وقد تحدّث أولا مع ابنتها براء التي أجابته أن والدتها ترفض قطعيا الارتباط مرّة أخرى، لكنّ أمير خطيب براء شجّعها على التحدّث مع أمّها وتشجيعها على القبول، وهنا تقع براء في حيرة، من جهة هي تريد السعادة لأمّها، ومن جهة أخرى يصعب عليها تقبّل وجود رجل آخر في بيت أهلها بدلا من والدها. لكنّ صوت العقل غلب عاطفتها وحاولت إقناع والدتها. في بداية الأمر رفضت الأمّ عرض الزواج قائلة لابنتها:” لن أكون عبدة لأيّ رجل مرّة أخرى، أنا حرّة الآن، أعشق حريّتي لن أتخلّى عنها”. ص 217.
انتهت الرواية بأن طلبت وردة من ابنتها أن تخبر عنان أنها تحتاج إلى شهر كي تردّ على طلبه. فتجيبها ابنتها:” أدري يا أمّي أنك ستختارين الأفضل لك ولأسرتك، خذي وقتك جميعنا ننتظر.” ص 227.
محاور مهمّة في الرواية:
· لا شك أن موضوع الأرملة وما تعانيه من تحديّات وصعوبات هو المحور الأهم الذي سلّط الكاتبان الضوء عليه مع تبيان أحكام الشرع في كل ما يتعلّق بحقوق الأرملة، ودحض السلوكيّات التي يتبّعها الناس عن جهل ودون دراية بأحكام الشرع. مثل خطبة الأرملة في فترة العدّة التي تستمر أربعة أشهر وعشرة أيام، ووفق الشرع يمكن خطبة الأرملة بعد انتهاء مدّة العدّة فقط. مع ذلك فقد بيّن الكاتبان قدرة المرأة (في هذه الحالة الأرملة) على التحدّي والصمود والمواجهة، وحرّيتها في امتلاك قراراتها بالزواج أو بعدمه، كذلك حريّتها في العمل، فنجاح مشروع الأرملتين وردة وندى دليل على قدرة الأرملة على التحدّي والنجاح والإبداع في العمل.
· قتل المرأة على ما يسمّى شرف العائلة دون الرجوع إلى أحكام الشرع. وقد جاء في الرواية أن امرأة قتلت لمجرّد أنها ابتسمت في وجه شخص اشترى منها بضاعة في السّوق، وقد قتلها أخوها دفاعا عن شرف العائلة- كما يدّعي- علما أنه لوطيّ ويتعاطى المخدرات. فهل يقتصر الشرف على المرأة دون الرجل؟ لقد بيّنت الرواية حكم الشرع في الزّاني والزّانية دون تفرقة بين رجل وامرأة. لكن للأسف مجتمعنا يقاضي المرأة فقط لمجرّد وجود شكوك دون وجود إثباتات دامغة كما يقتضي الشرع. كما أشارت الرواية إلى وجوب تشجيع النّساء لبعضهنّ البعض وعدم تصديق الشائعات التي تكون مغرضة ومجحفة بحق المرأة. للأسف هناك نساء يحاربن بعضهنّ البعض ويؤيدن قتل النساء على خلفيّة شرف العائلة. قالت إحدى المعلمات بعد أن قرأت عن خبر مقتل امرأة تعيل أبناءها الثلاثة:” من تفرّط في شرفها تستحقّ الموت. باقي المعلمات اعترضن على هذا الكلام:” لعن الله شرف المجرمين القتلة إن كان لديهم شرف”. ص 80.
· تنتقد الرواية الدراما العربيّة التي تسيء للمرأة بشكل عام والمطلّقة والأرملة بشكل خاصّ:” في هذا المسلسل السخيف لماذا لم يجعل المخرج من الأرملة بطلة تتصدّى لكل العقبات وتتغلب على جميع التحديات وحدها؛ لتسجيل قصة نجاح؟ هذه المسلسلات بهذا الطرح الساذج ترسّخ المعتقدات البالية عند المجتمع وتثبّتها في عقول المشاهدين بدلا من تغيّيرها”. ص 148.
· المضايقات التي يتعرّض لها سكّان القدس من قبل الجنود وإغلاق الحواجز وتعذيب الشباب وضربهم، فقد خلّص عنان فتى من أيدي الجنود الذين انهالوا عليه ضربا وتعذيبا وكانت النتيجة اعتقال عنان:” أسرة وردة الساكنة في شعفاط على بعد أقلّ من كيلومترين لم يسمح لها بالدخول إلى القدس. انتشرت الحواجز الشرطيّة عند بوابات المدينة المقدّسة، ولم تسمح بدخول القدس القديمة إلا لساكنيها”. ص 19.
· الصراع القائم على القدس ومحاولة إسرائيل إضفاء الشرعية الدينية على القدس، في حين تثبت الحفريات أن آثار القدس شاهد على الحضارة الإسلامية المحضة بامتياز. ص 20.
· التضامن بين جميع سكان القدس وطوائفها:” إن بطاركة ومطارنة القدس أصدروا بيانا دعوا فيه إلى احترام دور العبادة في القدس، وأكّدوا أنّ المسجد الأقصى هو مكان عبادة مقدّس للمسلمين، ويجب احترام ذلك، واجتمعوا مع عدد من رجال الدين المسلمين”. ص 21.
· عدم احترام كبار السن خلافا للعادات والتقاليد التي كانت متّبعة في المجتمع قبل سنوات:” أبو عبد الرحمن بقي نصف ساعة في شارع صلاح الدين في انتظار مركبة؛ لتقلّه إلى بيته في شعفاط دون فائدة، وعاد أبو عبد الرحمن إلى شبابه حين كان يلاطف الصغير ويحترم الكبير ويحمل له سلّة ملآى بأغراض البيت”. ص 26.
· بناء مدارس وروضات توفر زوايا تعليمية وتربوية حديثة تسهم في تطوير ذكاء الطفل وتنمية مواهبه، وتلتزم بالمنهاج الفلسطيني الذي يحاربه الاحتلال الاسرائيلي.
· تسليط الضوء على علاقة الصداقة التي ربطت الأمّ ندى بابنتها براء، وهي بلا شك نموذج للعلاقات التربوية السليمة في الأسرة.
أسلوب السرد:
تنقسم الرواية إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول يتحدّث عن وردة، الفصل الثاني يتحدّث عن ندى، الفصل الثالث ندى ووردة. يبدو السرد في الفصول الثلاثة متنوّعًا بين السرد الذاتي لشخصيات الرواية وسرد الراوي، وهو تكنيك تميّز به تيّار الوعي، وهو يمزج سمات الكلام المباشر مع الكلام غير المباشر، وصوت الراوي مع صوت الشخصيّة، فبدلًا من أن يظهر في النصّ متكلّم واحد (الراوي أو الشخصيّة)، يمتزج فيه متكلّم ظاهر ومتكلّم خفيّ الأوّل هو الراوي؛ والثاني هو الشخصيّة. ويظهر الصوت الخفيّ للشّخصيّة ويشارك الصوت الظّاهر سيطرته على النص. وأحيانًا يكون الصوت الخفيّ هو المتكلّم الرئيس وتشكّل تقنيّات الاسترجاع والأحلام والهذيان والمناجاة وغيرها خلفيّة هامّة للسّرد، فتتداخل الأزمنة والأمكنة، ويتداخل الواقع بحلم اليقظة( غنايم، 1992، ص17). كما في المثال التالي:” وقفت تحت رشاش الماء تستحم والفرحة تغمرها، الماء ينساب من الصنوبر الذي يعلوها، يمرّ على رأسها وينحدر بفوضى عارمة على جسدها… ما لبثت أن طردت الفكرة من رأسها وهي تقول” العجلة من الشيطان”. فقالت سأستحمّ وسأرتدي أجمل الثياب سأعمل تسريحة الشعر التي يحبّها…..( ص 7).
وقد وظّفت في الرواية تقنيّات سرديّة حديثة أخرى، مثل: التذكُّر، التداعي، والحوار الداخليّ. وقد مُزج بين هذه التقنيّات التي أسهمت في استبطان العالم الداخليّ للشخصيّة المحوريّة وتصويره. ومن الأمثلة على التداعي والاستذكار ما يلي:” استذكر عبد الرحمن في طريق عودته اليوم الذي استشهد فيه القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل. تذكّر مذبجة دير ياسين التي حدثت في اليوم الثاني لاستشهاد البيك….”. ص 28.
” عادت الذاكرة بسامر إلى أيام دراسته الجامعيّة كان في السنة الثالثة الجامعية عندما التحقت وردة بالجامعة، وكيف لفتت انتباهه بسحر جمالها”.ص 50.
” في مخدعها سرحت وردة بذكرياتها عن رحلة الطفولة، استعادت صورة عودة وسامر وهما يعترضان طريقها دون إزعاج، ضحكت عندما تذكّرت عودة يصطدم بعامود هاتف منصوب على حافّة الرصيف وهو ينظر إليها”. ص 50-51.
المونولوج في الرواية:
يُعرّف المونولوج على أنه “نقل لكلام توجّهه إحدى الشخصيّات لنفسها. الضمير المسيطر عليه هو المتكلّم، وله مقدّمة غالبًا ما تشتمل على ضمير الذات” قال في نفسه”، “خاطب نفسه”،( القواسمة، 2006، ص 185): ويُعدّ استخدام تقنيّة المونولوج والكشف عن مكنونات النفس، وما يعتريها من مشاعر واحدة من تقنيّات رواية التيّار، التي تُعنى بتقديم الخارج من خلال الداخل؛ أي من داخل الشخصيّة وليس من خارجها، وهو نوع من أنواع الصوت المتداخل الذي يقدّم، كذلك، داخليّة (وعي) الشخصيّة من الداخل.(غنايم، محمود، تيّار الوعي في الرّواية العربيّة: دراسة أسلوبيّة، بيروت، دار الجيل، القاهرة، دار الهدى، ط2، 1414هـ-1993م).
وردت في الرواية مقاطع كثيرة من المونولوج، كما في الأمثلة التالية:” حدّثت براء نفسها:” لا أنا لست أنانية، أنا حاولت اقناعها بشكل جدّي وأنا أوّل من سأفرح لزواجها من العمّ عنان”. ص223 .
فسمعت صوتا داخلها يقول:” شتّان ما بين صخر وعنان، فهما شخصيتان مختلفتان، عنان إنسان حسّاس وراقٍ، في تعامله مع المجتمع، لقد لمست ذلك يا ندى فلماذا لا تعطي نفسك فرصة أخرى قد تعوّضك عن كل عذابات حياتك”. ص 219
اللغة في الرواية:
تشكّل اللغة في الرواية الجانب الأساسيّ في رسالة الإبلاغ، وتتفاوت مستويات اللغة في السرد بتنوُّع الشخصيّات فيه، وبهذا يكون على الكاتب الروائيّ استخدام جملة من المستويات اللغويّة التي تناسب أوضاع الشخصيّة الثقافيّة والاجتماعيّة والفكريّة، فقد تتضمّن الرواية العالم والطبيب والسياسيّ والعامل والسائق ورجل الأعمال الخ…، وعلى الكاتب استخدام اللغة التي تليق بكلّ من هذه الشخصيّات. وقد اجتهد بعضٌ من الروائيّين في تطويع اللغة؛ لجعلها لغة الحياة العامّة والحياة اليوميّة في أبسط مستوياتها وأدناها، وفي استخدام بعضٍ من الألفاظ من الحياة اليوميّة “مرتاض،1998، ص.111″.
استخدم الكاتبان في روايتهما، لغة مكتنزة بالصور والمشاعر، تختلط فيها اللغة الفصحى باللغة المحكيّة؛ لتبدو واقعيّة في تصويرها مشاعر شخصيّات الرواية. كما في الاقتباس التالي حين التقى أبو عوف مع جندي إسرائيلي: خج انت فين بروخ؟ شو بسوي هون؟ هات هويّة! ردّ عليه أبو عوف: انقلع يا ولد من أمامي.
– -خج انت واحد مجنون
قال عبد الرحمن غاضبا: وجع يخلع نيعك ونيع اللي خلفوك، جنون يضربك انت واللي ربوك.
قالت وردة:” ربنا يقطع البنات ويقطع عيشتهن”. ص 51.
وفي مثال آخر:” يا قليلات الأصل والله كندرتها أشرف منكن”. ص 70.
كما ورد في الرواية العديد من التناص المأخوذ من التاريخ والتراث والدين. فمن القرآن اقتبست أيات عديدة عن حكم الشرع في الأرملة . كما في الآية التالية:” والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف والله بما تعملون خبير(سورة البقرة: آية 234) ص 18.
كما وردت الكثير من الأمثلة الشعبيّة مثل: “جينا تنكحلها خلعنا عينيها”. ص 61. :” يا طبّال حط في طبلك”. ص70. :” اعمل خير وارمي في البحر”. ص 69.:” بوس اليدين ضحك على اللحى”. ص 56. :” جمل مطرح جمل برخ”. ص 60. :” كل فولة ولها كيّال”. ص 37. :” عزوبية دهر ولا رملة شهر”. ص 39 .:” ظل راجل ولا ظل حيطة”. ص 146. وغيرها الكثير.
كما استخدم الكاتبان التناص من كلمات الشاعرة فدوى طوقان:” أنا فراشة الحريّة، أنا عاشقة الحريّة، لا عاشقة الأزهار والمصابيح”. ص 218. كما ورد ذكر شهريار:” حب شهريار الشرقي مرادف لامتلاك المحبوب. لن أعود عبدة لشهريار”. ص 219.
إجمال:
رواية الأرملة للروائيين جميل السلحوت وديمة السمّان، رواية اجتماعيّة توعويّة بامتياز، سلّط الكاتبان فيها الضوء على مواضيع هامّة تتعلّق بالمرأة الأرملة، حقوقها، واجباتها، العقبات التي تعترضها، نظرة المجتمع لها وما إلى ذلك، وإظهار القوانين الشرعيّة المتعلّقة بالأرملة بالاعتماد على آيات قرآنية. وأن وفاة الزوج لا يعني قتل المرأة في الحياة، وإنما حقّها العيش بكرامة والتعليم والعمل وتحقيق الأحلام.
من خلال هذه الرواية أظهر الكاتبان معاناة سكان القدس في ظل وجود جنود وحواجز وتفتيش وتضييق الخناق على المواطنين، وأكّدا على ضرورة التآخي بين جميع سكّان القدس باختلاف طوائفهم، والعناية بالتعليم وبناء مؤسسات تعليمية حديثة تساهم في تطوير ذكاء الأطفال وتطوير شخصياتهم.
ظهر في أسلوب الكاتبين تقنيات روائية تعتبر من سمات الحداثة مثل: المونولوج( الحوار الداخلي) تعدّد الرواة، الاستذكار والاسترجاع، والتناص، كلّ ذلك بأسلوب شائق ولغة جميلة شاعريّة وأخرى واقعيّة.
وكتب محمود شقير:
محمود شقير
1
على أرضية مجتمع ذكوري متخلف مبتلى باحتلال إسرائيلي جائر، يكتب جميل السلحوت وديمة جمعة السمان رواية اجتماعية مكرّسة للدفاع عن النساء بشكل عام، وعن النساء الأرامل بشكل خاص.
ذلك أن هذا المجتمع الموصوف في الرواية يصبّ جام ذكوريته وتخلفه على النساء؛ باعتبار ذلك صونًا للعائلة ودفاعًا عن شرفها، وإلزامًا للمرأة سواء أكانت زوجة أم أختًا أم ابنة بالخضوع لهيمنة الرجل ولظلمه وغطرسته، وما ذلك بطبيعة الحال إلا للتأكيد على مجتمع غير سوي؛ يشوّه القيم الصحيحة التي ينبغي أن تسود في العائلة وفي العلاقة بين المرأة والرجل، وفي تربية الأبناء والبنات.
2
انطلاقًا من هذا المنظور؛ تتصدى الرواية بوضوح لكلّ ما يعيق المرأة الشرقية عن ممارسة حياتها على نحو صحيح، وهي، أي الرواية، تستعين، من أجل إيصال رسالتها التربوية الأخلاقية الاجتماعية إلى جمهرة القارئات والقراء، بآيات من القرآن الكريم وببعض الأحاديث النبوية وبمقتطفات من التراث شعرًا ونثرًا، وببعض الأحداث والممارسات المستفادة من الحياة اليومية للناس، وبمقتطفات من مؤلفات حديثة وأقوال مأثورة لكتاب معاصرين وكاتبات.
ولتقديم صور مشخّصة عن معاناة المرأة التي فقدت زوجها، وترمّلت وهي في سن الشباب، يقدّم الكاتب والكاتبة نموذجيّ الأرملة وردة والأرملة ندى، لنرى مقدار ما تعرّضتا له من تحرّش ومن شكوك ومن إهانات، ومن محاولات التحدّث باسميهما وتقرير مصير كل منهما على الضدّ من أرادتيهما، ما يجعلهما كارهتين للرجل نافرتين من تكرار تجربة الزواج؛ علمًا بأن زوج وردة كان محبًّا لزوجته طيبًا في معاملته لها، فيما كان زوج ندى قاسيًا عليها وعلى ابنتها.
3
ولقد أحسن جميل السلحوت وديمة جمعة السمّان حين قدّما نموذجين قويّين لامرأتين صمدتا أمام الضغوط الاجتماعية والعائلية، وتحدّت كلّ منهما المحاولات التي استهدفت النيل من كرامتها، ومن التعبير عن نفسها وعيش حياتها على النحو الإنساني الطبيعي الذي هو حق لها وليس منّة من أحد.
وبالطبع؛ كنت أتمنى وأنا أتابع السرد المكتوب بإيقاع سريع جذّاب ألا تتحوّل وردة وندى إلى نموذجين نسويّين معاديين للرجل، فتنتقل الرواية بهما من النقيض إلى النقيض، وبرغم أنهما تردّدتا كثيرًا أمام محاولات الارتباط التي بذلها سامر وعنان؛ وهما شخصان يقدران المرأة حقّ قدرها، ويحترمان حريتها ومكانتها في المجتمع، إلا أن خوفهما من سلبيات المجتمع الذكوري وآثاره السلبية عليهما، تبرر لهما هذا التردد، في حين أنهما لم تغلقا الباب في نهاية المطاف أمام فرص الزواج بهما من جديد.
4
لغة الرواية جيدة، تطغى على أسلوب السرد فيها نزعة إخبارية تقريرية تناسب طبيعة المشكلة الاجتماعية المطروحة والرسالة المتوخاة منها، وهي تنبض في حالات غير قليلة بمشاعر النساء الطامحات إلى حجز مكانتهن الصحيحة في المجتمع وفي العائلة، وفي كل موقع يحقّ للمرأة أن تكون فيه، ولعلّ من قرأ بعض روايات جميل السلحوت السابقة أو كلّها، ومن قرأ بعض روايات ديمة السمّان السابقة أو كلّها، أن يلاحظ أسلوب كل منهما، وبالتالي حصة كل منهما في الرواية التي بين أيدينا.
إذ أتوقع أن جميل السلحوت كتب النصف الأول من الرواية، وأن ديمة السمّان كتبت النصف الثاني منها، ولا بدّ من أنّهما تبادلا الآراء والاقتراحات حول صنيعِ كلٍّ منهما في هذه الرواية المشتركة التي جعلت همّها الأساس؛ الدفاع عن المرأة في مجتمع ما زال يظلم النساء.
وكتبت صباح بشير:
يحمل الغلاف لوحة لوجه امرأة جميل، ينسدل شعرها على جانبيّ وجهها ويغطى كتفيها.
تَبرُز هذه اللّوحة في الواجهة كنصّ بصريّ إيحائيّ؛ لتلتقي بموضوع الرّواية وتتوافق معه، فرغم سكون ألوانها إلا أن المتأمّل فيها يستشعر الحزن في نظرة العين الصّامتة الحائرة، فذلك الوجه الحزين وتلك النّظرات المنكسرة، تشير إلى حجم الخيبة والإنكسار النفسيّ للمرأة في مجتمعاتنا الذّكوريّة، وتأثير ذلك الإنكسار عليها، كما يشير اللون الأسود إلى معاناة البطلة وهمومها، ويعكس إحساسها بالفقد والغياب.
أمّا العنوان “الأرملة” فقد حقق دلالته الوظيفيّة والتّأويليّة، انسجم مع محتوى العمل وكان مفتاحا للأحداث وإيقاعا لنسقها الدّرامي، فعبّر عن مضمون النّصّ بشكل مباشر صريح.
تحكي الأحداث قصة الشّابة “وردة” التي تعمل معلّمة، جمعها الحبّ بزوجها “عودة” وأنجبا طفلا وطفلة، لكنّ سعادتهما لم تكتمل، فبعد وقت قصير من الزّواج توفي الزّوج بجلطة قلبيّة مفاجئة.
يغمر الحزن قلب الأرملة الشّابة، وتنزوي في شقّتها وكأنّها تعتزل الحياة، تستعيد ذكرياتها مع الفقيد وتفكّر بمصير طفليها، تقرّر متابعة السّير في طريقها ومواصلة الحياة لأجل طفليها الصغيرين، فترجع إلى عملها ودوامها المدرسيّ وهي ترتدي ملابس الحداد.
تتشكّل نظرة المجتمع لوردة، فالبعض يراها فريسة سهلة، والبعض الآخر لا يقدّر وضعها وحملها الثّقيل، وأنها تتحمّل مسؤوليّة تربية أطفالها بمفردها، فيبدأ الصّبر والمعاناة بعد أن عاشت حياتها بسعادة قبل وفاة زوجها، لكنّها لم تفقد الأمل، فتظلّ ترسم صورة المستقبل الواعد المشرق لها ولأطفالها، وفي النّهاية يكتب القدر لها فرحة جديدة بعد رحلة طويلة من المعاناة.
تتشابك الوقائع وتستمرّ مع مجموعة من الشّخصيات التي تتحرّك بين السّطور أمام عين القارئ، لتدفع به للتّفاعل أكثر مع الحدث، ولا شكّ أن الرّسالة التي حملها هذ العمل تنبثق من الواقع وتعود إليه لتصحيحه، فهي تصيب عمق الجرح وتصرّ على علاجه.
إذن فموضوع الرّواية واقعيّ، نُسج بزمرة من الحبكات المتماسكة والغنيّة بالدّلالات، ليعالج قضيّة متجذّرة ومتأصّلة، تعاني منها المجتمعات العربيّة بشكل عام.
تغوص الأحداث في أعماق المرأة؛ لتعبّر عمّا يعتمل في صدرها تجاه الرّجل، وما يحيط بها من مصاعب وأزمات، وكيف تنطلق مأساة الأرملة من عادات وتّقاليد بائسة، ومن قلب مجتمع لا يرحمها، يراقب تحرّكاتها ويترصّد لها، مصرّحا للآخرين التّدخل في شؤونها من منطلق الخوف عليها وعلى مصلحتها أو حمايتها، فتقع فريسة للمراقبة، والقمع واللّوم والضّغط الاجتماعيّ، وتعيش تحت سطوة العيب والممنوع والكبت والقهر.
كما تشهد الوقائع على حياة شخوص الرّواية وتجاربهم، أمّا البطلة فتتميّز باتّزانها رغم معاناتها الشّديدة، والألم جرّاء الفقد، فتعيش قانعة راضيّة بحلو الحياة ومرّها، تتمسّك بالأمل وبذّكرياتها القديمة؛ لتداوي جراحها ونفسها المكلومة.
كتبت الرّواية بأسلوب مباشر، يحمل القارئ إلى جوهر النّصّ دون إضافات أو زيادات، كما وصفت الشّخصيّات ومواقفها وأفكارها ووجهات نظرها إزاء الأحداث المحيطة بها، وانفعالاتها ومشاعرها ورؤيتها إلى محيطها. تطرّق الكاتبان إلى مجموعة من القضايا السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة، وأعلنا موقفهما منها بطريقة فنيّة، أمّا البناء فقد تميّز بالسّلاسة في التّعبير والوضوح وتسلسل الأفكار وبيان الألفاظ، وحضرت اللّغة سهلة بسيطة، بعيدة عن التّعقيد اللّغويّ والمعنويّ، تمّ توظيف التّناصات التّراثيّة والقرآنيّة وبعض المأثورات الشّعبيّة، ممّا أثرى الحوار وأدّى إلى تعميقه، ليغدو طيّعا ملائما للشّخوص وطبيعة أدوارها.
“الأرملة” رواية واقعية بكلّ ما جاء فيها، تسقط القناع عن وجه المجتمع وعاداته الرّديئة، تكشفه على حقيقته دون تجميل، وتبرز القيود التي يفرضها على المرأة، كما تحمل دعوة صريحة لها؛ لنبذ واقعها الصّعب وتشجيعها على التّخلّص من الهيمنة الذّكوريّة، التي ارتبطت بها عبر الزّمن.
وقال الدكتور عزالدين أبوميزر:
قبل كل شيء أريد ان أنوه أن الكتابة لدينا نحن العرب فردية، وطبعٌ فينا الاعتزاز بالفردية، ولكن في الآونة الأخيرة وبعد سقوط الدولة الاسلامية العربية وتشرذمها وانتشار التعليم رأينا مشاركات بين مؤلفين في إعداد كتب مدرسية علمية وتاريخية وكتب تتعلق بالأدب العربي، وظهر ما يسمى بالرسائل الأدبية بين الكتاب رجالا، ورجالا ونساء. وبين المغنين كالديو والحلم العربي، وبين الشعراء أخيرا اشتراك في تأليف قصيدة واحدة بين عشرة شعراء أو أكثر.
أمّا في الروايات فالعدد قليل أو أنا لا أعلم ذلك.
وحيث أن الكتابة الأدبية موهبة وقدرة على تطويع الجمل والكلمات، وتعتمد أحيانا المحسنات اللفظية والبيان الرائع وسعة الخيال والأسلوب والحبكة وغير ذلك الكثير، ممّا يجعل العمل الأدبي مميزا، ويختلف بين كاتب وآخر وله صبغات مختلفة سماها البعض كمن يعدون الطعام: بما أطلقوا عليه اسم النَفَس.
فمكونات ومقادير أي طبخة معروفة للجميع، ولكن الطعم يختلف من طبق لآخر بحسب ما اصطلحوا على تسميته: بالنّفَس عند التقديم.
وعودة إلى رواية الأديبين بعد قراءتي لها دفعة واحدة، رأيت أرملتين وليست أرملة واحدة، ولكل واحدة منهما عشيقان على اختلاف الأرملتين (وردة وندى) في وضعهما الاجتماعي والأربع عشاق كذلك. واختلاف الكاتبين أسلوبا وثقافة ونهجا في الكتابة بالاتفاق في نواح والاختلاف في أخرى، فلكل وجهة نظره في الحكم على الأشياء وأسلوب معالجتها، ممّا جعلني أستذكر مسلسلا مصريا عُرض علينا في القرن الفائت بعنوان: قصة وثلاثة عشر مؤلفا من كبار كتاب الروايات المصريين..
مع أن الفارق بين الرواتين كبير جدا من حيث عدد المؤلفين ونياتهم، وأنهم كانوا يحفرون لبعضهم ويضع الواحد منهم بذكاء العقد والحبكات الصعبة لمن يليه من الكتاب؛ ليظهر براعته ومقدرته على تعقيد الأمر عليه في كيفية ربط الأحداث ببعضها، فلا يظهر أي انقطاع في تسلسل العمل الأدبي والذي عمل عليه بذكاء كاتب السناريو الذي تلافى كل ذلك. لأنني لم أقرأها مكتوبة وإنما ممثلة، وفي روايتنا هذه لا يوجد كاتب سناريو. وتوجد النية الحسنة في إخراج شيء جميل للقراء.
لن أتكلم عن الكاتبين فشهادتي بهما مجروحة فأنا أحبهما وأجلهما من كل قلبي
وليس خفيا علي مقدرتهما على الكتابة بأسلوبين مختلفين، فلن يخرج الكاتب من جلده بين عشية وضحاها ويغير أسلوبه في الكتابة فجأة.
ولكنّ لي تساؤلات كثيرة حول الرواية منها التسمية مثلا:
أولا : الأرملة للدلالة على أي أرملة؟ ونرى بعد ذلك الحديث عن أرملتين ؟
ثانيا : كيف اتُّفق أن يكون لكل أرملة عاشقان ويكونا صديقين؟
ألم يكن من الممكن والأفضل أن تكون أرملة واحدة ومعها تتوالى أحداث القصة ولا تكونا أرملتين وقصتين؟ ونرى كَمّ التشابه بينهما كبيرا جدا. وكأن في ذلك نوعا من التكرار في المشاهد لا لزوم له.
ثالثا : وَلَتَجَنّبنا الشعور بهذا الانقطاع الذي ظهر بين القصتين وكأنا بقصة أولى غير مكتملة، لم يتم تسلسل أحداثها لترتبط بانسجام وسلاسة بالأخرى،
بل كان هناك قطع واضح وبداية مختلفة في الصفحة المئة واثنتين(102) وإن رُبط بينهما بعد فترة بإشارة ممن كتب القسم الثاني….وكأنه يذكر القارىء بالأرملة الأولى بحادث ترمل الثانية فيجمع بين القصتين بشكل غير مقنع أبدا في الصفحة المئة والخمسين من الرواية(150). ويترك النهاية مفتوحة للأرملتين بإشارة إيجابية ظاهرة.
كلا الكاتبين عالج النواحي اجتماعيا وإنسانيا ودينيا وأخلاقيا بما يتفق وحياتنا العربية الإسلامية، وما نحن عليه من عادات وتقاليد ومعتقدات من خلال شخوص الروايتين بشكل جيد وجميل، ولغة سهلة تخلو من الأخطاء اللغوية.
أبارك للكاتبين هذا الانجاز الرائع، وكم كنت أتمنى لو أكمل القسم الثاني من الرواية على نفس شخوص القسم الأول، وكنا حقا أمام رواية الأرملة كما سميت. وربما رأينا ألقا وإبداعا جديدا.
لم يخطر على بال الكاتبين وبالنا.
ولكنها التجربة الأولى لهما بالاشتراك بعمل روائي مع أنهما أكبر شريكين في تأسيس ندوتنا العتيدة، فالكاتب جميل السلحوت واسم الشيخ يحب أن نناديه به، والسيدة ديمة هي نوارة ورئيسة ندوتنا، تاجان فوق رؤوسنا.
ومن المغرب كتب الأديب حسن المصلوحي:
قبل أيام شاء القدر أن ألتقي بالصديقة الكاتبة ديمة جمعة السمان بالعاصمة المغربية الرباط، وقد عدت من هذا اللقاء بمغنم ثمين، فقد أهدتني روايتها الأخيرة المشتركة مع شيخنا جميل السلحوت “الأرملة”، مع إهداء كتبت فيه “إلى الكاتب الصديق حسن المصلوحي. مع الاحترام و التقدير. ديمة السمان 2023”.
قرأت الرواية على مهل منتشيا بملمس الأوراق الذي يزيد القارئ حلولا في النص وتماهيا معه، و قد نويت أن أكتب فيها قراءة ذات طابع فلسفي ذلك أن القضية أعمق بكثير من أن تكون قصة معاناة شريحة اجتماعية يلزم الدفاع عنها. لن أخوض في تلخيص تفاصيل الرواية التي اختارت لها نموذجين أنثويين وهما وردة وندى، و لكن سأحاول الحفر عميقا في ما وراء النص و شخوصه وأحداثه إيمانا مني بالحقيقة توجد دائما في “الماوراء” أو “المابعد”. لا شيء يحدث عبثا، لا شيء يحدث بالصدفة.
الرواية تصوير دقيق لمجتمع مغرق في الذكورية، وهي في حقيقة الأمر من حيث العمق لا تخص المرأة الشرقية فحسب، بل أيضا المرأة الغربية ذلك أن العقلية واحدة رغم أن وضع المرأة ظاهريا ليس واحدا في الحالتين. فالرواية توسلت بمعاول الهدم حتى تعري الحقيقة الكامنة التي يرفض هذا المجتمع المتخم “بالذكورية” أن يقرها.
حقيقة صادمة أن تتحول المرأة إلى “متاع”، متاع يدور في فلك الرجل الذكر الذي يستمرئ إخضاعها وقهرها وتحويلها إلى شيء. وهذا صلب الرواية وجوهرها في اعتقادي المتواضع، أن تفقد المرأة ذاتيتها وتصبح شيئا، أي بضاعة وسلعة معروضة في سوق الذكور، الذي لا يتوقف عن البيع والشراء، بالليل مثلما في النهار، فالمرأة كما صورتها الرواية مقهورة، لا لشيء إلا لكونها ولدت أنثى، وصدمت ذات يوم بأنها تمتلك جسدا مختلفا وقوانين بيولوجية مختلفة فقرر المجتمع أنها يجب أن تواري وتخفي ذلك و أن تعيش في العتمة.
إنها حقا لمفارقة صارخة؛ أن تتحول المرأة من ذات واعية ومريدة وراغبة وحرة إلى محض جسد يحقق اللذة للرجل، يحمل أمشاجه ثم يلد ثم تعود هاته الدورة من جديد لتنهش حياة المرأة. فالمصيبة ههنا، وحتى ولو كانت المرأة محط اعجاب ورغبة بالنسبة للذكور كونها مشتهاة فقط، محمولة على محمل اللذة والمتعة الأنانية للذكر لا على كونها ندّا؛ يستحق أن يمتلك مكانة لا تقل رقيا عن مكانة الرجل، فحين تتحول المرأة مشتهاة تصبح قيمتها أبخس من الشهوة ذاتها، التي جعلها موضوع رغبة وهنا مأساة النساء عبر التاريخ.
ثم إن تحرير المرأة جاء في الرواية رصينا وليس كما أصبحنا نرى مع هاته النسويات المتنطعات، اللواتي ميعن القضية وحولنها إلى امرأة قادرة على لباس تنورات قصيرة وتدخين سجائر خفيفة للنساء. وأعتقد أن هذا قمة امتهان المرأة والحط من قيمتها، فالحرية لم تكن يوما شكلانية بهاته الطريقة، الحرية أن تملك المرأة زمام قرارها وصناعة ذاتها كما تشاء، هي في اتجاه المستقبل هذا السير الحر لا يفترض أبدا أن يتقاطع مع الرجل، لأنه شريك وليس عدوا. فهاته المرأة بالشكل الذي أوردناه لا تتخلص من القهر؛ لأن المسألة تتطلب اجثتاتا لجذور العقلية الذكورية من عمق السيكولوجية الذكورية والأنثوية ذاتها كما من عمق التاريخ الذي كرسها عبر محطاته.
تجسد الرواية نرجسية الرجل الذكر الذي يرى العالم مذكرا حرا خفيفا بين المرأة ذاك المؤنث القاصر الضعيف المثقل. ولهذا تكرست تلك الثنائية التي رأيناها في أعمال تلفزيونية وأدبية، المرأة التي تستعرض البضاعة والرجل الناظر للبضاعة، الناظر المشتهي والمرأة المنظور إليها المشتهاة.
وإذا أمعنا النظر أكثر في التفاصيل فنحن نكتشف أن الرواية أيضا حفر في المفاهيم التي تم صياغتها؛ لتقتنع بها المرأة قبل الرجل، فهاته العقلية البائسة ليست حكرا على الذكور، بل أيضا على الإناث. عقلية تحول المرأة إلى مجرد جسد، جسد يلاحقها هي ذاتها فتحاول ما أمكن أن تنسى كونها جسدا.
وفي الفصل الثالث والأخير بعد أن كشفت الرواية مأساة المرأة الممثلة في ندى ووردة المتعددة في كل النساء، أعلنت الرواية العصيان للمجتمع، ضد آراء الناس التي تصيب الإنسان بمرض نسيان الذات، فأن تسمع كلام الدهماء وتتبعه معناه أنك ستنسى ذاتك وتتوه في حيوات أخرى. ولتنطلق الرواية بعد التقاء البطلتين إلى آفاق أخرى تزدهر فيها المرأة و الحياة.
وفي الأخير فإن الرسالة الأسمى في هذا المنجز الجميل هي رسالة المصير، فماذا يكون قرار المرأة، هل تركن لعقلية هذا المجتمع وترضى أن يتم اختزالها في الجسد؟ أم ستكسر تلك القيود وتتحقق كمشروع حر يعيش بذاته ومن أجل ذاته؟ يعيش ليوصل رسالته ويساهم في بناء اجتماعي لا يميز بين الناس؟
و هذا بالفعل ما بلغنا في نهاية الرواية، فالمرأة الولادة قادرة أيضا على أن تعلم هؤلاء الأطفال وتصنع واقعا جديدا، يكون فيه الناس سواسية، تكون فيه الجدارة للعقل والعلم والمعرفة وليس للجسد؟ فالرجل بشكل أو بآخر ما زال يحتكم لأفضلية القوة الجسمانية التي كان يحتكم إليها في العصور البدائية.
وكتبت دولت الجنيدي أبو ميزر:
الأديبان جميل السلحوت والأديبة ديمة السمان لهما مؤلفات كثيرة تحكي عن هموم الوطن والناس، منها السياسية والاجتماعية،والتاريخية، ومنها قضايا المرأة، فالاديب جميل السلحوت هو نصير للمرأة خاصة التي تعيش في مجتمع ذكوري، ويكتب عن معاناة المرأة ويدافع عنها ويهتم بإيجاد الحلول لمشاكلها.
والأديبة ديمة السمان تكتب عن المرأة وتختار مواضيع تخص المرأة لمناقشتها في ندوة اليوم السابع التي تديرها؛ عن معاناتها في مجتمع ذكوري وعن قضايا الشرف وغيرها.
أخيرا اشترك الأديبان في كتابة رواية الأرملة التي كتبت بلغة صحيحة سهلة انسيابية، وبأسلوب يجعل القارئ يعيش مع أحداثها، ويتابع قراءتها باهتمام. وقد أضافا شيئا جديدا وهو اشراك امرأة ورجل في بحث موضوع يخص المرأة، وهو المرأة الأرملة وما تعانيه بعد وفاة زوجها في مجتمع لا يرحم.
وكتابتهما عن أرملتين هما وردة وندى، يعني أنها ليست قصة أرملة واحدة؛ ولكنها قصة معظم النساء الأرامل. وكتبا عن أرامل أخريات يعانين نفس المعاناة، وكتبا عن الفرق بين المرأة الأرملة والرجل الأرمل.
مكان القصة مدينة القدس.
الأرملة الأولى هي وردة ابنة أبي عبد الرحمن من سكان شعفاط خارج سور القدس، تزوجت عودة الذي تحبه ويحبها، ويعاملها أحسن معاملة؛ وتسكن هي وزوجها وولديهما سامي وفاطمة في بيت مجاور لبيت حمويها في حارة السعدية، في البلدة القديمة داخل سور القدس، توفي زوجها وبقيت في بيتها لئلا تحرم أولادها وحمويها من رؤية بعضهم؛وبعدما طلبها حماها من والدها لابنه عمر ورفضت، انتقلت هي وولديها سامي وفاطمة للعيش في بيت والدها في شعفاط، وبقيت تشتغل في مدرسة دار الطفل.
لم تسلم وردة من تعليقات النساء والمعلمات. وفي يوم اعترض طريقها شابان سفيهان فهبّ شاب لنجدتها وأبعدهم عنها، وكان ذلك الشاب هو سامر صديق زوجها وجار أهلها عندما كانوا يعيشون في حارة السعدية قبل انتقالهم الى شعفاط، وكان يحبها أثناء دراستهما في الجامعة، ولكن صديقه عودة سبقه في خطبتها، وعزّاها بوفاة زوجها. وبعد زيارته لبيت أهلها؛ ليساعدوه في إيجاد بيت؛ ليشتريه عرض عليها الزواج ورفضت،وتساءلت في نفسها، كم شهرا سيبقى عودة بلا زواج لو ماتت هي وبقي هو على قيد الحياة؟ وتمنت أن تكون ذكرا؛ لتحظى بالمميزات التي أعطتها العادات والتقاليد للذكور وصرفها عن الإناث.
الأرملة الثانية هي ندى التي زوجتها زوجة أبيها بعد وفاة والدها لصخر الرجل القاسي، والذي كان السبب في قتل ابنه عميد عندما هب للدفاع عنه عند شجاره مع أشخاص هجموا عليه. وضرب ابنته براء عندما حضرأمير زميلها في الجامعة مع والده لطلب يدها منه، وكادت تموت بين يديه، لولا تدخل جاره أبي العارف وزوجته، وجن جنون والدتها وتعاطف معها اخوتها كريم وكريمة. توفي صخر وبعد موته تعلمت ندى السياقة هي وابنتها براء، استعملت هي سيارة زوجها الكاديلاك السوداء واشترت لابنتها سيارة مازدا، وتعلمت في الجامعة المفتوحة في ابو ديس وابنتها في جامعة بيرزيت.
أسّست روز وصديقتها ندى التي وقفت بجانبها عند موت والدتها روضة أطفال نموذجية، سُرّ بها الأهالي والأطفال، حاول سامر خطبة ورده وحاول عنان خطبة ندى، وأعطت كل منهما وعدا بالتفكير بالموضوع، وخطبت براء لصديقها أمير، ووقف عنان وأخته حنان بجانبها هي وأمّها وإخوتها، ثم طلبها للزواج فرفضت.
مكان الرواية هو مدينة القدس التي حظيت بالإهتمام بما يدور على أرضها من أحداث واقتحامات المحتلين للمسجد الأقصى، والتعرض للجنازات وتفتيش النعوش ومراقبة بيوت العزاء، وتوقيف الناس في الطرقات والسؤال عن هوياتهم، واستهداف تجار البلدة القديمة وفرض الضرائب الباهظة عليهم، ممّا أدّى لتدهور الوضع الإقتصادي ومحاولة تفريغ القدس من سكانها الأصليين، وعدم إعطاء رخص البناء لأصحاب الأرض ممّا أدّى لغلاء الشقق السكنية.
كما ورد في الرّواية أسماء معظم الأماكن في القدس من شوارع وفنادق ومطاعم ومؤسسات وجامعات وجوامع ومسرح وغير ذلك. أثناء مشوار عودة أبي عبد الرحمن من بيت صديقه أبي عودة في حارة السعدية الى بيته في شعفاط.
تطّرقت الرّواية عن أيام الثوره قبل 1948، وورد فيها اسم المفتي الحاج امين الحسيني، وقائدها عبد القادر الحسيني واستشهاده في معركة القسطل، وعن مذبحة دير ياسين، وإحضار النساء المسنات في شاحنة وإلقائهنّ في المصرارة مقابل باب العمود ليتحدثن عن المذبحة؛ ليخاف الناس ويهربوا خوفا وطلبا للنجاة.
تحدثت الرّواية عن الفرق بين شباب الأمس وشباب اليوم مثل احترام الكبير والاهتمام به، حتى أن سائقي الحافلات لم يقفوا للكبير بسبب بطء حركته وكبر سنّه، كما فعلوا مع ابي عبد الرحمن.
كما ورد في الرّواية سيء حول الشباب الفاسدين ومتعاطي الخمور والمخدرات.
من خلال هذه الرواية وعلى لسان براء ابنة ندى يتم تقديم النصيحة للنساء الأرامل بأنه إن لم تكن الأرملة قوية من الداخل، فلا أب ولا أمّ ولا عمّ يحميها، وعليها أن تؤمن بنفسها ودورها وطاقتها، وأن تستمر في عطائها، وسيعترف بها المجتمع إن شاء أو أبى.
وتلقي الرّواية باللائمة على الطرح الخاطئ للأفلام عن حياة الأرملة، وترسيخ المعتقدات البالية، وأنه يجب على المخرج أن يعمل من الأرملة بطلة تتصدى لكل العقبات وتتغلب على جميع التحديات وحدها، وأن المسلسلات بهذا الطرح الساذج ترسخ المعتقدات البالية عند المجتمع وتثبيتها في عقول المشاهدين بدل من تغييرها.
وقالت فاطمة كيوان:
كما عودنا دائما أديبنا القدير جميل السلحوت المتمرس في الكتابة والضليع فيها وبفن الرواية معالجة قضايا وهموم مجتمعه، فإنه أخذ على عاتقه هو والكاتبة ابنة القدس ديمة السمان مرة أخرى في مولودهما الجديد هذا إثارة موضوع المرأة بقضية اجتماعية أخرى، فأتت رواية الأرملة مكملة لمشروعه الأدبي الذي بدأه بمعالجة هذا الحيز، خاصة بعد رواية الخاصرة الرخوة والمطلقة واليتيمة اللواتي عالجن موضوع المرأة بشكل خاص كل في حيز معين.
كالعادة في رواياته يأخذ السلحوت المكان حيزا كبيرا وعامّا، فالقدس تسكنه هو والكاتبة ديمة السمان، لهذا اختارا أن تكون الرواية وبطلات الرواية سلمى ووردة وعائلاتهن من القدس وضواحيها مثل شعفاط وغيرها، وجاء ذكر الأماكن منها التاريخية كالمسجد الأقصى ومسجد المئذنة الحمراء، وبعض الشواهد الأخرى كالمقبرة اليوسيفية ومستشفى المقاصد، وباب الاسباط ثم باب العمود وأسواق القدس القديمة كباب خان الزيت وما فيه من أصوات الباعة، والمسرح الفلسطيني وبركة جمعية الشبان المسيحية ومعتقل المسكوبية .
القدس بآثارها وأسواقها وهوائها وأزقتها، عبق الحجارة التي تنبعث من أصالة تاريخها دائما، يحرص الكاتبان على تذويت المكان وترسيخه في ذهن القارئ؛ ليكون امتدادا للزمان والمكان .
رواية الأرملة ومشكلاتها الاجتماعية والإنسانية بكل جوانبها وما تحمله من بؤس طرحها الكاتبان بلغة منمقة، وطرحا فكرة عدم تقبّل المجتمع لهذه الشريحة وما تعانية من تجاهل، لا بل من عنف كلامي ونفسي وجسدي أحيانا من أخ متسلط رغم كونه مدمن مخدرات، الا أنه يعطي الحق لنفسه كي قتل أخته على خلفية ما يسمى شرف العائلة، مثال وضحا الحسن التي قتلت أمام أبنائها لمجرد شكوك وظنون لا صحة لها .. أو ضحية أب أو زوج متسلط جبار لا يقدر قيمة المرأة، وهذا ما لمسناه مع (صخر ) الزوج والأب الجبار المتسلط عدو الأسرة الذي لا يتورع عن إهانة ابنته وزوجته، كونه كان ضحية المجتمع عانى من عقدة نفسية في طفولته، لأنه ابن لأمّ أرملة ثرية، جعلتها مطمعا للرجال، الذين حاولوا استنزافها، ممّا أجبره على الذود والدفاع عنها وحمايتها، فترسخت القسوة والعنف بل الوحشية في شخصيته وفي نفسيته، وأثر ذلك على حياته مستقبلا وعلى تعامله حتى مع أقرب الناس إليه، بعدم منح الثقه والشك في كل أمر ومعالجة الأمور بعصبية وعنف.
على عكسه رسم لنا الكتابان شخصية عوده زوج وردهةالمحب لزوجته وأبنائه والمتعامل بأدب وحسن خلق وهدوء .. النموذج للزوج والأب المثالي ..التي حرمت أسرته الدفء بموته، وكان من الصعب على زوجته مجرد التفكير بإنسان آخر (سامر) رغم أنه يمتلك صفات إنسانيه رائعه مثله، فسبب لها مخاوف من إعادة التجربة والارتباط.
الرواية غزيرة بالأقوال والأمثال الشعبية؛ لتعكس الثّقافة الشّعبيّة في هذا المجال، وحملت ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في جانبها الأول خاصة ممّا يمنحنا الإشارة إلى أن هذا الجزء دونه تحديدا الكاتب جميل السلحوت. أمّا المقولات العالمية والأفكار الحديثه من موضوع التنمية البشرية في حوار براء والوالدة حول واقع الأرملة في المجتمع ومعاناتها في جانبها الثاني خاصة تلك الأفكار التي تبنتها براء وآمنت بها فهي تدل على آنها فتاه متفتحة وصاحبة فكر حرّ ومتزنه، ولا تخشى من طرح فكرها ومعتقداتها، فقالت “ندى” لأمّها ” طلعي المارد الذي بداخلك” آمني بنفسك، و”طنش تعش تنتعش” ص 152. وفيما بعد أمير خطيبها .. وحواره معها حول أحقية الأمّ ندى بالارتباط بعنان الرجل السياسي الدبلوماسي الجيد النموذج الرائع للأب والمساند للمرأة … مما جعل براء تتفهم وتعيد فهمها للموضوع.
هذه الغزارة في الأمثال والاقوال جاءت أيضا ليس فقط لتثري النص، بل من دافع تذويت التراث الشعبي والأمثال في أذهان القراء، فلكل مثل قصة ولكل مقام مقال وهذا واجب الأديب تذويت التراث والفلكلور الشعبي عن طريق القصص والروايات.
طرح الكاتبان أيضا عدة قضايا منها عدم مساندة المرأة للمرأة نفسها، بل هي عدوّتها التي لا ترحمها، سواء كانت صديقة أو جارة الأرملة، فالنّساء يبتعدن وينفرن من الأرملة خشية على أزواجهنّ منها، وحتى المراة المتعلمة التي تحط وتهين المرأة الأخرى شأن ذلك في العديد من هذه الشريحة التي تدعي الفهم والانفتاح، وفي قلبها عدائية لقرينتها المرأة الأخرى، كما لمسنا في تعامل زميلة وردة التي قذفتها بأصعب الشتائم، وحاولت النيل من كرامتها بادعائها أن الارملة تحن لمارسة الحب، شأنها جرّبت ذلك، فلا يستهجن على الأرامل تحديدا الخيانة. وفي ذالك إهانه صارخة وادعاء كاذب غير صحيح فليست كل النساء سواء .
كذالك طرحت وعرضت الرواية قضية صناعة الدراما العربية والمسلسلات التي فعلا ترسخ المعتقدات البالية عند المجتمع، وتثبتها في عقول المشاهدين بدلا من أن تغيرها .. فهي لا تصنع منها بطلة بل تبقيها رهينة العادات والتقاليد .
وهنا لا بد من الإشارة أنّني أحسست من متابعتي لأعمال الكاتبين أن هذا الجزء دونته الكاتبة ديمة السمان ( قصة ندى) تحديدا ويمرافقة ومراجعة الكاتب جميل السلحوت.
لم يغفل الكاتبان عن عرض بعض من الحياة السياسية ومعاناة الأهل جراء الاستيطان والتحديات اليومية جراء ممارسات الاحتلال، منها محاولة الجنود تفتيش كفن الميت مما يثير حفيظة الأهل والشباب وكذالك الاعتداءات اليومية على الباعة والأطفال والشيوخ في القدس القديمة، وممارسة التهويد وذالك بعرض قصة الذي ضربوه وحاول عنان صدهم مم!ا استدعى حبسه ومحاكمته.
كان من اللافت والجميل جدا من الكاتبين منح البطلتين في الرواية أحقية العمل وتنفيذ المشاريع؛ ليصنعا منهما نموذجين مختلفين للمرأة القيادية المتحملة للمسؤولية، القادرة على خوض التجربة والنجاح في المراكز والإدارة من خلال بناء مشروعهما “روضة التميز والابداع” الذي كان مثارا للفضول وللتنافس بين الأهل لاختيار الأفضل لأبنائهم.
كذالك في منح البطلتين أحقية التفكير وعدم الرد بسرعة في موضوع الارتباط من جديد، ممّا يمنح القارئ فرصة المشاركه والنقاش والتفكير بالنهاية المتوقعة لكل منهما .. وممّا يؤكد على حرية المرأة في اتخاذ القرار دون أية ضغوطات من أحد .وهذا يبشرنا بمنح الحرية المطلقة للمرأة في اختيارها بالزواج والشريك .
لغة الرواية : لغة أدبية راقية وثرية، سلسة مشوّقة ومنمقة للقراءة، تأخذك معها في الحوار السرد الحكائي المشوق بما فيه من أقوال وأمثال وحكم ممّا يجعلك لا تترك الرواية حتى النهاية .
وفعلا الرواية أتت بكل مهمات النص الأدبي من حيث اللغة والتشويق والسرد الحكائي ومميزات الحبكة.
ومن لبنان كتب عفيف قاووق:
قراءة في رواية الأرملة للكاتبين المقدسيّين ديمة السمّان وجميل السّلحوت.
بقلم: عفيف قاووق – لبنـان.
رواية الأرملة للكاتبين ديمة السمّان وجميل السلحوت، الصادرة عن مكتبة كلّ شيء-الحيفاوية- تُعالج موضوع الترمّل لدى النساء وما يعترضهنّ من صعوبات وعوائق، وتحديداً النظرة للأرملة من قبل الذين يحيطون بها، وكثرة الهمز واللمز كلّما مرّت مطلّقة أو أرملة، لأنّها وبحسب ما ترسّخ في العقول القاصرة “صارت مشاعاً” وكأنّ الذي كان يردعها ويدفعها لاحترام كيانها وإنسانيّتها وجسدها غشاء أواسم رجل تُلحَق به.
اللافت في هذه الرواية، وكأنّ المرأة ضُربت من بيت أبيها، بمعنى أنّ نظرة الخوف أو الرفض للأرملة، أتت بصورة أكثر إيذاءً من بنات جنسها، فها هُنّ سلفات المسكينة خديجة الأحمد هاجمنَها بالهراوات، على كلّ أجزاء جسمها، لأنهنّ يخفنَ على أزواجهنّ منها، وكلّ منهنّ تخاف أن يتزوّجها زوجها ليرعى أبناء أخيه.
تتطرّق الرواية إلى النظرة المختلفة للمرأة الأرملة وإعتبارها من المخلّفات، وانطلاقاً من هذه النظرة، نجد أنّ زميل وردة الأرملة الأستاذ شادي، ومن باب نيله الثواب على حدّ زعمه، يخاطبها بالقول: “لا حياء في الدّين، أنا أعرض عليك الزواج فإن وافقت سأطلبك من والدك، وسأشترط أن تبقي مقيمة في بيت والديك، وأن لا تنجبي، فلديك طفلان يشبعان غريزة الأمومة عندك” وكأنّه بهذا الطرح المغلّف بغلاف دينيّ، يريدها محظيّة أكثر منها زوجة كاملة الأوصاف والحقوق. وعندما رفضت عرضه المشبوه أبدى استهجانه وأردف قائلا: خيراً تعمل شرّاً تلقى. وكأنّه هو صاحب الفضل والمُضحّي. وكأنّ رجال هذا الزّمن يطمعون في الأرامل والمطلّقات ويريدونهنّ خليلات دون زواج – كما تقول إحدى زميلات وردة في المدرسة- 36.
وإمعاناً في هذه النظرة للمرأة الأرملة واعتبارها نوعاً من أنواع الخردة، تأتي زميلة وردة بعرض لها بزواج غير متكافىء من ابن عمّها الذي يعمل ”ميكانيكي“ سيارات، توفّيت زوجته قبل ثلاثة أسابيع، وله ثلاثة أولاد وبنت، أكبرهم في الخامسة عشرة من عمره، ويبحث عن زوجة جديدة، وعندما جوبِهت برفض وردة، أجابتها ساخرة “إبن عمّي سيتزوّج فتاة عذراء أجمل وأصغر عمراً منك، وعجرفتك هذه ستكون وبالاً عليك”.
إن حالة الرفض والاستنكار لمن يريد الإرتباط بأرملة، تكاد تكون شائعة لدى فئات المجتمع كافة، وغالباً ما يتأتّى هذا الرفض من قبل الأمّ، وللمفارقة فهي إمرأة أيضا، فعندما أبدى المهندس سامر رغبته بالاقتران بالأرملة وردة، جاء الرفض على لسان والدته بعبارات أقرب إلى الحطّ من إنسانيّة وكماليّة المرأة الأرملة، إذ ضربت والدته كفّا على كفّ.وسألته من هي؟ هل هي وردة؟ هل تقصد أرملة عودة؟97 يا خيبتك يا هيام أنتِ وإبنك الذي انتظرته طويلا، لتفرحي بزفافه هل انقطعت البنات؟ ماذا ينقصك حتّى تتزوّج أرملة؟ لديك زهور بنت خالتك تتميّزعلى بنات جيلها، فهي طبيبة تعمل في مستشفى المقاصد.
وكما هو شائع في بعض المجتمعات والبيئات فإنّ الأرملة قد تُعتبر في بعض الأحيان من الميراث الذي يتركه الزوج المتوفّي لعائلته، ولذا نجد في الكثير من الحالات إصرار أهل المتوفّي على تزويج أرملته من أحد أشقّائه، إدّعاءّ منهم بحرصهم على عدم تشتيت شمل الأسرة وضماناً لرعاية أيتامه. وهذا ما أفصح عنه والد المتوفّي عودة لإمام المسجد “أخطّط أن أزوّج وردة بعد انتهاء عدّتها لولدي عمر؛ ليرعى طفلَيّ شقيقه41. وغالباً ما يلقى هذا الطرح القبول من أهل الطرفين دون الالتفات للمشاعر الإنسانيّة والعاطفيّة للأرملة، وما إذا كانت توافق أم لا، معتمدين على المثل القائل: “جمل مطرح جمل بَرَخ”.
في جانب آخر وقد يكون الأهم والأكثر إيذاءً للمرأة الأرملة، يكمن في حال التوّجُس من التعامل معها ومصادقتها خاصّة من قبل النساء أنفسهنّ، واتّهامها بسوء السلوك، تقول إحداهنّ عن المرأة الأرملة “ما دامت أرملة فمن المؤكّد أنها عملت السّبعة وذمّتها لأنّها تعوّدت على ممارسة الحبّ، ولا تستطيع الاستغناء عنه، خصوصا وأنّه لا يوجد لديها ما تخاف عليه. أما جارة الأرملة ندى فهي تحذّر جارتها الأخرى أمّ العارف من كثرة اهتمام زوجها بالأرملة ندى، وتقول لها “لم أرَ أجهل منك يا أمّ عارف، أنت تضعين البنزين بجانب النّار، ندى لا زالت شابّة جميلة، وكلّنا نلحظ اهتمام أبي عارف بها وبأبنائها. صدّقيني، لن يطول الأمر وسيأتي بها ضّرة لك.139.
كما أنّ الأرملة ندى لاحظت ابتعاد النسوة عنها بعد ترمّلها، تقول لابنتها براء: لم أعد أحتمل يا براء، كلّ من أتعامل معه ويعرف أنّني أرملة، إمّا أن يتعامل معي بشفقة جارحة، أو إذا كان رجلا أشعر انّه ينتظر فرصة ليتجاوز حدوده معي. أمّا النساء المتزوّجات فأشعر أنّهنّ يتجنّبنَني ولا يتحمّسنَ لبناء علاقة صداقة معي. كما أنّها في إحدى المرّات بعد أن اتّصلت بوالد أحد الأطفال في الروضة التي تديرها لتعلّمه بحالة ابنه الصحّيّة، تعرّضت للتوبيخ من زوجته بحجّة انّه يوجد في الإدارة رقمان: رقمي ورقم زوجي. كُفّي عن أساليبك هذه. اذهبي يا امرأة وابحثي لك عن رجل آخر غير زوجي.
كما تتطرّق الرواية إلى بعض الممارسات الشاذّة والمستنكرة التي تطال المرأة الأرملة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى ما يُسمّى زورا جرائم الشرف، ناهيك عن كمّيّة الشائعات التي تلاحقها، فعندما قتلت وضحا غدرا، وهي أمّ لأربعة أطفال على يد أخيها وعلى خلفية شرف العائلة، ومع أنّ نساء القرية أصِبنَ بالهلع من هول الجريمة، إلا أنّهن لم يتورّعن عن إطلاق إشاعات الرّذيلة عن وضحا المغدورة، فمَن تُفرّط بشرفها تستحقّ الموت”.
ولم تغفل الرواية الإشارة الى الدراما العربية التي تسيء للمرأة بشكل عام، وللمطلّقة والأرملة بشكل خاص. لأنّ ما تقدّمه هذه الدراما من مسلسلات بهذه الخفّة، فإنّها ترسّخ المعتقدات البالية عند المجتمع وتثبّتها في عقول المشاهدين، بدلا من أن تقدَّم الأرملة كبطلة تتصدّى لكلّ العقبات وتتغلّب على جميع التّحديات لتسجّل قصّة نجاحها.
السلطة الذكوريّة كانت حاضرة في هذه الرواية من خلال شخصيّة صخر والد براء، الذي أوسعها ضربا فقط لظنّه أنّها التقت دون علمه بالشابّ أمير الذي تقدّم لخطبتها، وإمعانا في تسلّطه، طرد هذا الشاب ولوّح لإبنته بعقاب تمثّل بقراره بأنّه سيزوّجها لجارهم الأرمل الستينيّ أبو الفضل.
يبقى أن نشير الى أنّ عدم تقبّل الزواج الثاني للأرملة الأمّ، غالبا ما يأتي من قبل الأبناء أيضا بغضّ النظر عن المستوى التعليميّ لهم، فهذه براء الجامعيّة إبنة ندى، لم تتقبّل فكرة زواج أمّها من صديق العائلة عنان، فعلى الرغم من العلاقة المضطربة التي كانت تربطها بأبيها جرّاء سوء سلوكه ومعاملته لهم، إلا أنّها لا تستوعب أن يكون غيره سيّداً للبيت. وفي هذا إشارة إلى أنّ أنانيّة بعض الأولاد قد تسبّب الأذى للأهل دون قصدهم.
لم تخلُ الرواية من بعض الطرائف التي تصبّ في خانة أحقيّة المرأة الأرملة بالزواج، فعندما التقى الشيخ بأحد الأبناء الذي يصطحب أمّه لعرضها على الطبيب، قال له الشيخ آمرا: دبّر لها زوجا وستشفى. استغرب الابن ما قاله الشّيخ وأجابه مستنكرا اتّق الله يا رجل، فلا مجال للمزاح بهكذا أمور، فهل امرأة عجوز مريضة كأمّي بحاجة إلى زوج؟ فلكزته والدته على مؤخّرة رأسه وقالت له: اخرس ولا تتذاكى، واسمع كلام الشيخ الحكيم.
نشير إلى أنّ الرواية تطرح بعض الأسئلة التي تحتاج لأجوبة شافية ومقنعة ومن هذه الأسئلة نعرض ما يلي :
– هل تكون في بعض الأحيان وفاة الزوج رحمة للزوجة، فبعض الأزواج وجودهم لعنة في حياة زوجاتهم، والخلاص منهم غنيمة، فالعزوبيّة ولا الزّيجة الرديّة.
– كيف ستستمرّ حياة الأرملة والمطلّقة بسعادة وهناء خصوصا وأنّ الرجال يعزفون عن الزواج منهما؟36.
– هل نجحت براء إبنة ندى بالإجابة عل هذين السؤالين عندما قالت لأمها:” أمّي، لا أحد يستطيع أن يحمي أيّ امرأة إن لم تكن قويّة من الداخل، لا أب ولا أخ، ولا ابن عمّ، عليها أن تؤمن بدورها وطاقتها، وتستمرّ في عطائها”.
لا بدّ من التنويه أنّه وبالرغم من كون الرواية تعالج موضوعا اجتماعيّا وهو حالة الترمّل، إلّا أنّ الكاتبين قدّما لنا جرعة تذكيريّة لبعض معاناة الشعب الفلسطيني جرّاء الإحتلال، وأيضاً تُعرِّج الرواية على ذكر بعض الأماكن التاريخيّة في فلسطين وتحديداً في مدينة القدس والجوار، فتذكر مثلا مسجد المئذنة الحمراء، الذي هو مسجد أثريّ يعود تاريخه للحقبة العثمانيّة، ويقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، وتشير إلى كثرة المساجد في حارات القدس القديمة، لتسهيل الأمرعلى المسنّين الذين لا يقوون على الوصول إلى المسجد الأقصى. كما تستذكر الرواية من خلال الإشارة إلى البناء القديم الذي كان يسكنه الحاجّ أمين الحسيني مفتي القدس والدّيار الفلسطينيّة زمن الإنتداب البريطانيّ. ومن ممارسات الاحتلال التي لا تتوقّف، تعيدنا الرواية الى ذلك اليوم الذي استشهد فيه القائد عبدالقادر الحسيني في معركة القسطل، كما تذكرأيضا مذبحة دير ياسين وكيف أتى القتلة بعدد من نساء القرية في شاحنة وألقوا بهنّ في شارع المصرارة أمام باب العامود.
وتستمر ممارسات الاحتلال الذي لا يراعي حتى حرمة الموت، وأحيانا كان يصرّ على إنزال الجثمان لتفتيشه، كما تلفت الى تعسّف الإجراءات وعمليّات التضييق على المواطنين لناحية عرقلة تنقّلاتهم لدرجة أن المعزّون من خارج المدينة العتيقة لا يستطيعون الوصول إلى بيت العزاء، حتّى أسرة وردة، لم تستطع المشاركة لتقديم العزاء بالمرحوم عودة وهو صهرهم، رغم أنّهم يسكنون في شعفاط على بعد أقلّ من اثنين كيلو متر.
وعن استمرار عمليّات الإعتقال التعسّفي تشير الرواية إلى ما تعرض له عنان عندما وجد ثلاثة من جنود الاحتلال يضربون فتى مقدسيّا، لا يزيد عمره عن ثلاثة عشر عاما، وأمّه تصرخ مستنجدة بمن حولها لإنقاذ ولدها. فاندفع محاولا تخليص الفتى من بين أيدي الجنود وانتشل الفتى، فرفع الجنود السّلاح نحو عنان وكبّلوا يديه واقتادوه نحو خارج البلدة القديمة، وتركوا الفتى.
وفي إشارة الى رفض عمليّة التهويد وتزوير التاريخ، تتطرّق الرواية الى ليلة 25 سبتمر 1996 التي توصف بالسوداء بكلّ المقاييس، عندما افتتح المحتلّون نفقا يمتدّ تحت المسجد الأقصى من حائط البراق إلى طريق الآلام قريبا من المدرسة العمريّة. وهم يسمّونه نفق ”هحشمانوئيم“، وقد خرج المقدسيّون دفاعا عن مسجدهم المبارك. لأنّ القدس معتقد دينيّ لا مجال للمساومة عليه أو تغييره مهما حاول الطرف الآخر تزوير التاريخ والحقائق والآثار، كما حاول الإدّعاء بأنّ حجارة القصورالأمويّة هي حجارة الهيكل. وللدلالة على وحدة الصفّ الفلسطينيّ وتعاضد أبنائه بمختلف طوائفهم، تذكر الرواية كيف أنّ بطاركة ومطارنة القدس أصدروا بيانا دعَوا فيه إلى احترام دور العبادة في القدس، وأكّدوا أنّ المسجد الأقصى هو مكان عبادة مقدّس للمسلمين، ويجب احترام ذلك. كما قاموا بزيارة تضامنيّة للهيئة العلميّة الإسلاميّة، واجتمعوا مع عدد من رجالات الدين المسلمين.
وتأكيدا على هويّة القدس، أدرجت الرواية قيام كلّ من ندى ووردة بتأسيس روضة أطفال لحاجة القدس إلى رياض أطفال ومدارس وطنيّة تلتزم بالمنهاج الفلسطينيّ، الذي يحاربه الاحتلال الإسرائيلي، ويعمل جاهدا على فرض مناهجه المزوّرة للتّاريخ والمروّجة لروايتهم الصّهيونية التي تخدم أهدافهم الاحتلاليّة.167.
ختاما، نبارك للأديبَين الصديقَين الأستاذة ديمة السّمان والشيخ جميل السّلحوت على نتاجهما المشترك، وهذا يدفعنا للسؤال هل أنّ الأعمال الكتابيّة المشتركة تخضع لمعايير مختلفة عن الكتابة المنفردة، بمعنى هل الكتابة المشتركة تخضع لتسويات معيّنة تفرض على كلّ من الكاتبين التنازلَ ولو بشكل بسيط عن بعض قناعاته للتوصّل الى لغة مشتركة تجمعهما.
وكتب الدّكتور عوّاد أبو زينة:
عنوان (الأرملة) كعنوان روائي من العناوين الذي له حضور في الرواية العربية وغير العربية، ولكن السؤال الأساسي الذي أبدأ به هذه الكلمة ذو شقين، الأول: كيف يكتب كاتبان أو أكثر رواية واحدة؟ هذا من جانب التأليف والإنتاج، والشق الثاني: كيف يتلقى القارئ/ المتلقي هذا العمل المشترك؟ وهل يستقبله كعمل واحد أو كعملين مندمجين يحاول أن يفصل بينهما؛ ليعزو كل مقولة إلى كاتبها؟ وما جدوى كتابة رواية من كاتبين أو أكثر؟ ولماذا لا يكتب كل منهما/ كل منهم روايته حرّا منطلقا من قيد كاتب آخر، وزاوية نظر أخرى، لا شك أن لها تأثيرا ما عليه ليس لصالح حريته؟
الكتابة الروائية المشتركة في العربية ليست ابتداعا جديدا، فقد واكبت نوعا ما مسيرة الرواية العربية منذ بداياتها تقريبا، وإن بتجارب قليلة، على يد طه حسين وتوفيق الحكيم أولا في (القصر المسحور)، ومنذ ثمانينات القرن الماضي شهدت الساحة العربية تجارب متعددة مشتركة، لعل أشهرها كانت تجربة جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف في (عالم بلا خرائط) 1982التي لم يكرّراها بحسب معلوماتي، وإن كان منيف قد أقرّ بصعوبة هضم المتلقي لتلك التجربة المشتركة، وربما في ضمن ذلك، أي ما قاله منيف، إشارة أو تلميحا غير مباشر إلى ما في دمج تجربتين فنيتين إبداعيتبن مستقلتين في تجربة واحدة من عقبات؛ لينتج عن تلك المغامرة عمل روائي منسجم ومتناسق ضمن ضوابط وأسس العمل السردي الروائي، الذي يقوم أساسا على الإبداع الذاتي، وعلى الرؤية الفردية، وعلى التخييل الشخصي للكاتب أو المؤلف.
لم تتوقف تجارب كتابة الروايات المشتركة هنا بل تعددت التجارب في كل من الأردن وسوريا ومصر ولبنان، وصدرت الروايات (في مقام العشق) و(المستطرف الليلكي) و (ألواح من ذاكرة النسيان) و(في رثاء عامودا) و(ربيع المطلقات) و(ملك اللوتو) و(يوميات آدم وحواء) و(حكايات المقهى العتيق) و(أنا والآخر)، وربما كان آخر هذه التجارب المشتركة هي تجربة آمال مختار ومحمد القاضي من تونس في رواية (أنوات) التي نشرت قبل نحو خمس سنوات.
أخيرا، وفي مطلع هذا العام أطلت علينا من فلسطين، ومن قلب القدس رواية جديدة، يشي عنوانها بأنها تتحدث عن قضية اجتماعية إنسانية مؤلمة، كما ينعكس من عنوانها هي رواية (الأرملة) لجميل السلحوت وديمة السمان. وكلا الكاتبين معروفان