مروى فتحي جرّار: رواية ” الليلة الأولى”تحارب الخزعبلات
تاريخ النشر: 14/02/23 | 14:44صدرت رواية الليلة الأولى للأديب المقدسيّ جميل السلحوت في عام 2023 عن دار مكتبة كل شيء حيفا، والتي صمم غلافها شربل إلياس، وتقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط، وتنتمي إلى الأدب الواقعي الذي انتهجه الكاتب السلحوت في أدبه الروائي، حيث عالج جملة من القضايا المجتمعية الواقعية، والتي تقع في أي مكان عربي، شرقي، حيث يعلي سكان هذه البلاد بحكم العادة والثقافة من شأن الغيبيات، ويسقطون كل مشكلة وكل حادث لا يفهمونه إلى عالم الماورائيات، وهذا ما حاول الكاتب أن يثبته من خلال عدة شخصيات تواجه مصيرها، وتتحدى أقدارها وتحل مشاكلها عبر اللجوء إلى الدّجّالين والمشعوذين، مثل شخصية موسى الذي واجه مشكلة عدم القدرة على إتمام زواجه مع عروسه في ليلة الدخلة، واستمر حاله قرابة السنة على هذا الحال، مستسلما لتأويلات المقرّبين في العائلة لحالته بأنها ربط عن الزواج بفعل ساحر، وبالمقابل عرض السلحوت صورة مضادة مقاومة للخرافة مغايرة في التعامل مع المشكلة، وهي عروسته ليلى التي رفضت التفسيرات المحيطة عن الحالة، وكذلك صورة عمر أخيها الذي قاوم الخرافة قولا وفعلا، وأنهى أسطورة المشعوذة مبروكة من حياة أخته والبلدة جمعاء، واسترجع حق أخته وزوجها منها وطردها من محيطهم، ناهيك عن شخصية فراس ابن عم موسى الذي نصح مرارا وتكرا باللجوء إلى الطب العضوي والنفسي لحل المشاكل التي تواجه الإنسان، وتغليب لغة العلم على الدجل والغيبيات، بالإضافة إلى مجموعة من النّسوة اللاتي يجلسن في مجلس الدّجالة مبروكة ولا يصدقن أقوالها، وقد كن من الأصغر سنّا، وبهذا يكون الكاتب قد عالج مشكلة عويصة في المجتمع بتوازن في الاستجابات حيالها، فكما يعمّ الجهل في نفوس يعمّ النور في أخرى، ومن جهة أخرى ترى التكامل في علاج المشكلة القديمة الجديدة في المجتمع بعرض مفصل لموقف الدين الإسلامي من اللجوء إلى السحرة والمشعوذين في حل المشاكل، وذلك عندما سأل أبو موسى مفتي البلدة عن قضية ابنه وفتوى لجوئهم إلى ضرب كنته بناء على تعليمات الساحرة مبروكة.
وموضوع اللجوء إلى السّحرة تعدى الحدود في المجتمع الذي يعالج فيه الكاتب ولم يذكر مكانه ولا زمانه، ولنا في ذلك وقفة أخرى، فحتى تأخّر الإنجاب أصبح تأويله لدى بعض الناس مرتبطا بالماورائيات من الجن الكافر، الذي يستعمر الأرحام ويربطها عن الحمل، متجسدا بشخصية محجوب عبد السميع وزوجته سعدية، ولا يدفع الفرد -جراء إيمانه بالحلول الكامنة في الشخصيات التي عرف عنها أنها تتواصل مع الجن وتهدم ارتباطها السلبي بالإنسان – لا يدفع النقود فحسب بل يصل الأمر إلى أن يعتدى على حرمة جسده بدعوى العلاج، وقد عرض الكاتب نماذج متعددة أخرى لدوافع لجوء الناس إلى السحر، ومنها ربط بعض النسوة” ممثلة بشخصية مريم المحمود” زوجها عن الزواج بغيرها عن طريق السّحر، والذي كاد أن يودي بحياته عندما سمّمه، وقد وصل الأمر لمعارضة الطب علانية عند بعض النماذج بتفسير مرض الزهايمر عند الحاجة نفيسة، والتي شخصتها مبروكة بأن في رأسها ميدان سباق من الجن الكافر، الذي يريد أن يثنيها عن إيمانها في أخريات حياتها.
وقد حرص الكاتب على تصوير السّحرة الذين يدّعون أنهم يحكمون الجنّ بأنهم فجرة ونصابون، ويستغلون أموال الناس وأعراضهم، جسّد ذلك بشخصية أبي ربيع والحاجة مبروكة، وقد استرسل السّرد من خلف في توصيف سلوكيات الشخصيات وتفاصيل أقوالها وأعمالها، وخصوصا تلك التي تدور خلف الأبواب المغلقة، وتلك التي تحدث في غرف السحرة المعتمة، وقد حرص في جلسة المندل أن ينطق الطفل جمال عن ألاعيب الحاجة مبروكة وأكاذيبها التي تسخرها لتضليل روادها، وكأن هذا الطفل يرمز للفطرة السليمة وللجيل الجديد الذي يرفض السكوت عن الباطل البائن بينونة كبرى، في تحقيق النصب والاحتيال والاستخفاف بالعقول.
ومن جهة أخرى كانت المعالجة متكاملة للقضية عندما جعل الكاتب الشخصيات ( أبا موسى وزوجته عائشة ) يكملان كلّ متطلبات السحر التي تطلبها مبروكة لآخر رمق، ويفشلان في الحصول على مرادهما.
ومن خلال هذه الأحداث يتسرب نمط المجتمع الذي تعالج فيه الرواية، ألا وهو الفضول الذي ينتاب الناس حول حياة بعضهم إلى درجة التداخل وانعدام الخصوصية.
وقد عالج الكاتب في روايته قضية التظاهر بالتدين؛ لإخفاء ما تكنّه النّفوس من خبث وانحراف عن الناس لإيهامهم والسيطرة عليهم.
السّيميائية: العنوان: الليلة الأولى قصد بها ليلة الدّخلة، لكنها كانت المفتاح لأكبر مشاكل الشخصيات في الرواية، وهي مشكلة العجز الجنسي التي أًصابت موسى في ليلة زواجه، وكانت بداية سلسلة لليالي القاتمة، انتهت بآخر ليلة للشخصية ليلى في بيت الزوجية، وآخر ليلة لشخصية موسى في بلدته، فبداية الرواية الليلة الأولى ونهايتها هي الليلة الأخيرة بالنسبة للطرفين-طرفي الصراع.
الاسم موسى: ارتبط الاسم برمز لشخصية نبويّة كانت حجة قومه السحر، مثلما كانت حجة المحيطين بالشخصية ” موسى” السحر في توصيف مشكلته ومحاولة علاجها.
الاسم ليلى: ارتبط الاسم ليلى بالأدب العربي بالمرأة التي يجنّ رجلها العاشق بها لحسنها، وهي دلالة حرص عليها القصّ؛ ليؤكد أن المشكلة في إتمام الزواج لا تتعلق بمظهر العروسة ليلى ولا بأسلوبها، ومن جهة أرى فإن الاسم ليلى منسجم مع العنوان والحدث الذي انبثقت عنه المشكلة وهي الليلة الأولى، بالإضافة إلى أن أغلب مشاهد الشخصية السردية التي بني عليها أحداث كانت في الليل، إلا تلك التي حدثت في الصباح الذي تبادلت فيه الشخصية النزاع مع حماتها، وترتب عليها الليلة الأخيرة في بيت الزوجية.
الحاجة مبروكة وأبو ربيع: أسماء السّحرة والمشعوذين كانت مشعة بالبركة والنّماء، وتلك من أساليب السّحرة في ايهام الناس بهالتهم الإيجابية؛ ليسلموا لهم بإرادتهم.
وقد وظف مجموعة من الأسماء العربية التي ارتبطت غالبا بالحق والعدل لشخصيات مناسبة مثل عمر وفراس، واستخدم أسماء نسوية فيها هالات وطاقات اليسر مثل عائشة وربيحة؛ للدلالة على يسر حظوظ تلك النّساء في حياتهنّ قبل تلك الليلة التي أحدثت المشكلة في حياتهن.
محجوب عبد السميع: اسم لشخصية لجأ إلى المشعوذ أبي ربيع لحل مشكلة الإنجاب، وله من اسمه دلالة على أنه وقع على قلبه حاجبا يحول بينه وبين طريق الهدى والحق فسار في طريق مظلم دمر زواجه.
سعدية: زوجة محجوب، تنتمي إلى الأٍسماء التي تحمل معنى مضادّا للمصير الذي لاقته.
السرد: اتبع الراوي تقنية السرد الرؤية من الخلف، فتتبع الشخصيات بتفاصيل أحداثها وسلوكياتها، وجعل الراوي عليما بكل ما يدور في خلد الشخصيات ومحيطهم.
الحوار: طغى الحوار الخارجي على الداخلي وكان وجوده كمّيّا متناسبا حسب حاجة الحدث.
الحلّ: جاء الحل واضحا جليا، فانتهت الليلة الأولى لبيت الزوجية بين طرفي الصراع، موسى وليلى، وابتدأت الليلة الأخيرة بخروج ليلى من المنزل وهروب زوجها من البلدة، وخروج الحاجة مبروكة من البلدة كذلك ومن حياة الشخصيات، مع إشارة الكاتب إلى أنه يتلو هذا العمل بجزء ثان متمّم للأحداث؛ لتبقى النهاية مفتوحة على مصراعيها إلى حينه.
اللغة: اعتمد الكاتب اللغة السردية السليمة والواضحة والمباشرة، وحرص على تضمين الأمثال الشعبية الفلسطينية في حوار الشخصيات؛ ليصوّر اثّقافة الشّعبيّة كم هي، بينما جاءت أغلب لغة الشخصيات فصيحة مباشرة، في حين جاءت بعض الألفاظ صريحة وجريئة دون مواراة أو مواربة إمعانا في الواقعية.
الزّمكانيّة: المكان والزمان غير محددين في الرواية بشكل صريح، واكتفى الكاتب بتوصيف المكان الذي تدور فيه الأحداث في بلدة ما، وفي منازل الشخصيات، فجعل الزمان والمكان عاما لعموم الحالة في المجتمع العربيّ بشكل عامّ والفلسطينيّ بشكل خاصّ وعبر أجيال، ودلت بعض الأمثال الشعبية على المجتمع الفلسطيني، ودوران هذه الأحداث فيه، وبهذا يحافظ الكاتب على نهجه الواقعي في معالجة قضايا المجتمع الشائكة، والتي يخشى الكثيرون الخوض فيها كتابة، مع تمنياتنا باستمرار عطائه في هذا المجال وبانتظار الجزء الثاني من هذا العمل.