مروى فتحي منصور:الرّمزية السّياسيّة في أدب الطفل
تاريخ النشر: 17/02/23 | 20:42قصّة ” الفيل مغلوب والفأر غالب” لزكريا تامر
صدرت قصة ” الفيل مغلوب والفأر غالب” لزكريا تامر في طبعتها الثانية في 2001م ضمن سلسلة الطائر الأخضر رقم 3، والتي وضعت للفئة العمرية من السنة السابعة إلى السنة الثالثة عشرة، وقدم رسوماتها ناصر نعساني، وقد اتخذت في بنائها أربعة عناوين فرعية، وهي: ( ما جرى للفيل أيام كان ملكا، من الملك؟، حكاية غير شائعة، موسم للضحك والدهشة).
وكما تعارف عليه فإن إنطاق الحيوانات كشخصيات كرتونية من أكثر التقنيات الناجعة في جذب الطفل في المرحلة العمرية المبكرة والوسطى، ولا بد من رؤية نفسية تفسر سرّ انجذاب الطفل للحيوانات ملموسة ومسموعة ومقروءة ومرئية، ولأن القاص زكريا تامر له باع طويل في التأليف الذكي للطفل، فإنه يوظف هذه الهالات الجاذبة في صالح جذبه للقراءة، لكن هل كان توظيفه لها سطحيا عابرا لمجرد إنشاء القص في قوالب جاذبة للطفل؟ مزدانة بالألوان الصاخبة والمتداخلة كما يفعل الكثيرون من الكتاب الذين يكتبون للطفل، أم أن زكريا تامر يؤسّس للوعي السياسي عند الطفل، فيتعلم أن موازين القوى في الوطن والعالم لا تتحقق دائما وفق المنطق، ولا وفق الحق، وبالتالي يكبر الطفل متصالحا مع فكرة المحيط غير المثالي الذي يجب مقاومته بالنضج والوعي؟
في الحقيقة هذه البرمجة ضرورية لعقل الطفل الذي ينشأ في وطن تحكمه الأنظمة المستبدة بالحكم والرأي، وهي مهد الثورة ونواتها، فهل كانت شخوص القصة وأحداثها وبنيتها تقصد توجيه هذه الرسائل عن منظومة القوى في الحصول على الحكم والسلطة؟
وهل كان الفيل مغلوبا فعلا والفأر غالبا؟ وإلامَ يرمز كل حيوان في القصة؟
الفيل هو الملك حسب الحكاية، بصفاته الجسدية التي توحي بعظم هيئته، وهو يمتلك القوة البدنية، وكان يسيطر على الحيوانات في الغابة، لكن من المتعارف عليه أن الأسد ملك الغابة، في منظومة القوى المتعلقة بقانون الغاب القائم على القوة، ويبدو أن الكاتب تحاشى هذا الحيوان في رمزيته للحكم والسلطة لأسباب سياسية، تتعلق بالقائمين على الحكم في سوريا آنذاك، فاتخذ من الفيل ملكا، وبدأ قصته بعنوان: ما جرى للفيل أيام كان ملكا، وتركيب (ما جرى) توحي بحدث غير نظام الأشياء، حيث أوحى أن الفيل لم يعد ملكا، والسبب هو تسليمه الملك بإرادته للضفدع (الذي يرمز للأصوات الناشزة في المجتمع، ويحمل إرثا سلبيا في القصص القديمة تتعلق بصفاته، فهو كائن بشع ووضيع ويؤسر في جسده السحرة روح الأمير، فيغدو في المخيلة سجنا لروح الحاكم الأصلي، وفي هذا رمزية للاحتلال)، لكن لِمَ سلّمه الفيل الملك بإرادته؟ يبني تامر أحداث قصته في قالب سردي حواري يجعل من الضفدع صوتا لأولئك الذين يبيعون الوهم للشعوب، فينساق إليهم الحاكم والمحكوم، حيث أقنع الضفدع الوعي الجمعي أنه هو من يوقظ الشمس، والشمس ترمز للحرية، وصدقه الفيل وبقية الحيوانات، وظنوا بأن هناك من يهبهم نعمة الشمس، أي يعطيهم الحرية، وفي ذلك رمزية للاستعمار الذي استوطن بلاد العرب بزعم نشر الحرية والعدالة، وهكذا عندما اكتشفت الشعوب كذب هذه الادعاءات ثارت على الدخلاء وأخرجتهم من بلادها، يقول تامر في قصته: “عندئذ تنبهت حيوانات الغابة إلى أن الضفدع كان يخدعها ويكذب عليها، فتشاورت ثم حكمت عليه بالعيش في المستنقعات عقابا له” .. والرمزية واضحة في ثورة الشعوب العربية على المستعمر الفرنسي والبريطاني، لكن هل عاد الملك ( الفيل) بهالته الحاكمة إلى حكمه لشعبه دون تشويش؟ لا فقد ظهرت أصوات معارضة له متجسدة بـ(الفأر العجوز) تنكر عليه وجوده وتهاجم طريقة وصوله إلى الحكم، وتتهمه بالضعف، وهنا يفتح تامر جبهة هجوم رمزية سياسية على أصوات المعارضة، وجعل الفأر بجبنه وخوفه في كينونته رمزا لهم، وأكثر من ذلك وصفه بالعجوز، إيحاء بعجزهم عن تغيير الواقع أو تغيير الحكم، وكأنهم لا يملكون إلا الحديث بالسلب عن ملك الغابة ووصفه بالضعيف الذي كان يتوسل الفأر العجوز أن ينتصر عليه في سباق القوة الذي جرى في الغابة عندما ” قررت حيوانات الغابة أن يكون لها ملك يقودها ويرشدها”، بعد أن انتصر على بقية الحيوانات المفترسة في الغابة وبقي أمامه الفيل فقط، مؤكدا الكاتب بأن هذا الفأر العجوز بصورته السلبية القاتمة رفض اختيار الملك عن طريق الانتخاب أو الجدارة العقلية أو الحكمة، وفرض رأيه بأن يكون الملك للأقوى بدنيا، وعند القتال تنازل الفأر طواعية عن الفوز بالمسابقة لصالح الفيل بعد استعطافه لئلا يكون محلا للسخرية، حيث قال الفيل: ” أقترح أن تجري بيننا معركة كاذبة، وتتصنع الهزيمة”، وكان له مثلما طلب- حسب رواية الفأر العجوز- وهذه الرواية تناقلتها الفئران وتناقلتها الذبابات وأوصلتها للفيل الذي قابلها بالسخرية، والذبابة ترمز إلى الصوت المزعج وضآلة الشأن، وعدم الأثر، وهي أصوات بعض فئات المجتمع التي تلوك الحدث السياسي وآراءه عن طريق النقل والإلحاح لغرض التشويه والإزعاج، لكن لا تفلح بحسب القصة دائما في قلب الحقائق، حيث “ابتدأ الذباب يحكي لكل من يقابله من الحيوانات عن جبن الفيل، وأدهشه أن ما كان يحكيه، يقابل بضحك طويل ساخر، ولا يصدقه أحد” وحتي الفيل نفسه لم يكن ينفض ما يحط على جلده من الذباب، “غير هيّاب” ، دلالة على استخفافه بهم وصموده أمامهم، وهنا يظهر رأي زكريا تامر بالحالة السياسية للنظام الحاكم في سوريا برأيي، فهو يرى فيه القوة المطلقة التي لا تتأثر بأصوات المعارضة الداخلية، ولا تهتم بالآراء التي تنال من سطوة حكمه في البلاد، مع وجود بعض التحديات في التاريخ عندما صدق الغرباء والمستعمرين (الضفدع)، وقد نجح الشعب في طرد المستعمرين والاستقلال بحكمهم لأنفسهم، موقنا بأن الشمس تشرق على الكون بطبيعة الحال وليس بأمر من أحد، وأن الحرية تولد مع الإنسان ولا توهب.
وهكذا يتبين بأن قصة الطفل التي قدمها زكريا تامر تحاول إيصال فكرة الحرية وضرورة التنبه للأفكار الدخيلة على المجتمع وحمايته من كل محاولات التشويه، لترتقي بكونها رسالة لتكوين وعي الطفل بطريق جاذبة ماتعة صحية ألا وهي أدب الطفل، فهل يلعب الكتاب في أيامنا هذه هذا الدور أثناء كتابتهم للطفل؟ وهل يُجسّد موقف زكريا تامر السياسي عبر كتاباته للطفل؟ وهل كان العنوان صانعا لمفارقة غرضها تأكيد العكس وترسيخه؟
مقال فيه تحليل جيّد لقصةّ أطفال
ودلالاتها السياسيّة الرمزيّة.
أحيّي الكاتبة مروى منصور.