خطبة الجمعة للشيخ رأفت كناعنة التجارة مع الله.. رابحة في الدنيا والآخرة
تاريخ النشر: 18/02/23 | 15:07من خطبة الجمعة للشيخ رأفت كناعنة – إمام وخطيب مسجد النور كفرقرع
التجارة مع الله.. رابحة في الدنيا والآخرة
قصة حقيقية مؤثرة جداً :
جرت أحداث هذه القصة الحقيقية في دمشق في السبعينيات
أصيب أحد كبار التجار بسرطان قاتل ولم نكن نملك علاجاً في بلادنا كما هو اليوم !
وسرعان ما قرر الرحيل الى أمريكا !
وبعدما أنهى جميع التحاليل والصور الطبية، أخبره طبيبه المعالج هناك أنه لا نتيجة ولا فائدة مرجوة من العلاج، فقد استشرى السرطان بجسده ولم تعد هناك بارقة أمل تُذكر !
قال الطبيب للتاجر بصراحة مطلقة :
لم يعد أمامك من العمر إلا أيام قليلة جداً لاتتجاوز شهراً واحداً، فارجع الى بلدك لتموت فيها، واغتنم ماتبقى لك من أيام قليلة فيما تحب وتشتهي واستمتع!
عاد تاجرنا إلى دمشق وقد مضى من شهره المتبقي ثُلثاه، وبدأ ينتظر موعد حتفه ورحيله ..
وفي يوم ماطر شعر بضيق يأكل قلبه ويكتم أنفاسه، فترك البيت وذهب يمشي هائماً على وجهه في شوارع دمشق، حتى شعر ببعض التعب فتوقف على رصيف يسترد أنفاسه ..
كان على الرصيف صبية تحاور شاباً وسيماً يمضغ العلكة متمايلاً، ويبدو على محياه علائم السعة والقوة ..
ولم يكترث الشاب الغني للتاجر المريض وتابع حديثه مع الصبية الفقيرة وهو يساومها على جسدها (هكذا فهم التاجر من حديثها وصوتها الخفيض) ..
كانت تشرح للشاب حاجتها لبعض المال وقليل من الطعام، فقد رمى بها صاحب البيت الذي استأجرته مع أطفالها في الشارع، ولم يكترث لحالها ولظروفها، وظن أنها تخدعه بأنها لم تستطع ان تدفع شيئا من أجرة ذلك البيت العتيق !
غير أن الشاب الغني لم يرض أن يدفع لها ماطلبت، وهي تساومه على جسدها النحيل فقد كان يريدها بثمن بخس !
لم لا .. وهو الصياد الذكي .. ثم تركها ومضى عندما أصرت على المبلغ !!
اقترب منها هذا التاجر المريض، ورأى دموعاً من الأسى تفيض مرارة ..
فقال لها : اعذريني يا ابنتي، فقد سمعت حواركما فما قصتك وما الذي دعاك لهكذا عمل مشين؟
التفتت اليه الصبية وقالت :
أولادي في الشارع، رمانا صاحب البيت خارجاً، وزوجي سجين لا أعلم عنه شيئاً وليس لي أهل !
وأقسم بالذي رفع السموات أنني أول مرة أقف هذا الموقف لبيع نفسي، بعد أن أغلقت كل الأبواب في وجهي، وحتى هذا الباب لم يفتح لي !!!!
قال التاجر المريض:
اسمعي يابنيتي، ماذا تقدمين لي إذا كفيتك حاجتك، واعطيتك كل العمر مؤونتك، ومنعت الفقر عنك ؟!
قالت : اطلب ما تريد
فقال : أريد منك شيئاً واحداً ..
أن تعاهديني على ألا تبيعي جسدك للحرام طوال عمرك، وانا أتكفّل بك مع أولادك !
قالت الصبية : طبعاً أوافق
قال التاجر : وماهو الضمان لتنفيذ ذلك ؟
قالت الصبية : أتقبل أن يكون الله ضامناً لي ؟
أُشهد الله الذي لا يسمعنا غيره، أن أفي بوعدي لك كل عمري وحياتي، وان أحمد الله الذي أرسلك لي في هذا الوقت بالذات !!
قال التاجر :
اتفقنا والشاهد علينا الله
أعطني عنوان البيت الذي طُردت منه، وعودي الى هناك، وانتظريني مع أولادك أمام باب الدار، وسآتي إليك بعد قليل !
عاد التاجر إلى مكتبه مسرعاً، وكتب وصيته على ورقة، ووضعها في صندوق المال وكتب عليها :
أبنائي الأحبة، وصيتي لكم أن ترسلوا راتباً شهرياً يكفي خمسة أشخاص إلى العنوان المذكور في الأسفل طوال عمركم، فنفذوا وصيتي من بعدي !
ثم حمل معه بعض المال من المكتب، وعاد إلى بيت الصبية محملاً بسيارة كبيرة تحمل مؤونة بيت متنوعة، وقدم لصاحب البيت الإيجار عن الأشهر السابقة كلها وإيجار ثلاث سنوات قادمة، وهكذا فعل مع اللحام والسمان ومن حولهم ممن قد استدانت منهم احتياجاتها فوفّى عنها دينها .
عاد التاجر إلى بيته وفي قلبه فرح غامر رغم أساه، منتظراً حتفه في نهاية شهره المتبقي ..
وانتهى الشهر وانقضت مدة البقاء في هذه الدنيا غير أن الموت لم يقترب منه ..
وذهب أول الشهر إلى الصبية وناولها راتبها وقفل راجعاً ..
وتوالت الأيام ولم يمت التاجر وكان يوصل المبلغ بيده شهراً وراء شهر، حتى مضت السنون وبقيت الوصية في خزنة النقود أكثر من عشرين عاماً !!!!
وفي يوم من الأيام، نهض تاجرنا لصلاة الصبح وسجد خاشعا لله وفي قلبه يقين ونور وايمان وطمأنينة تسع الدنيا كلها، وأسلم روحه لباريها وهو ساجد لربه.
وبعد انقضاء مدة العزاء فتح أولاده صندوق المال فوجدوا الوصية المكتوبة ..
قال كبيرهم : تأخرنا سبعة أيام عن الراتب للصبية الفقيرة !
ثم أخذ مبلغ الراتب وذهب مسرعاً إلى العنوان المذكور، طرق الباب، وخرجت إمرأة لم تعد صبية كما ظنّ !!
قال لها : تفضلي الراتب ونعتذر عن التأخير
قالت له وفي عينيها دموع سخية : أشكركم من كل قلبي
قل لوالدك أن يبحث عن محتاج غيرنا، لقد قبض إبني أول راتب
( منذ سبعة أيام) ولم نعد بحاجة للمال !!
سلم لي على أبيك وقل له : والله، سأبقى أدعو له أنا وأولادي ماحيينا .
نظر إبنه إليها وقد أغرورقت عيناه بالدموع وقال :
لقد توفي والدي ( منذ سبعة أيام )
العبرة :
هكذا هي المتاجرة مع الله
عطاؤها كبير كبير لاحدّ له
فأكثروا من فعل الخير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً