خطة الحسم، مفتاح الحرب بأيادي اليمين الاسرائيلي
جواد بولس
تاريخ النشر: 24/02/23 | 9:07يبدو أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة عازمة، في أقرب أجل منظور، على إنجاز سن جميع التشريعات التي اعلنت عنها ضمن خطة وزير القضاء يريف ليفين، أو ضمن ما اشتملته الخطوط الأساسية للائتلاف الحكومي. وعلى الارجح، ألّا تفلح الاحتجاجات الشعبية، رغم زخمها، كما شاهدناها في الاسابيع الأخيرة، في ردع رئيس ووزراء هذه الحكومة، فهم ممعنون بالتقدم نحو “اسقاط القلعة” واحكام سيطرتهم عليها بالكامل، رغم كل التحذيرات الموجهة لبنيامين نتنياهو من عشرات الجهات السياسية والمؤسسات الأكاديمية والمرافق الاقتصادية والاجهزة الامنية من داخل إسرائيل ومن عدة دول صديقة لها.
لقد كتبت كثيرًا عن الواقع السياسي الجديد الذي سنواجهه، نحن المواطنين الفلسطينيين، وعن الفوارق بين نظام حكم اعتمد قواعد فصل السلطات وسيادة القانون والاعتراف بحريات الفرد الاساسية، واتاح لنا، رغم سياسات حكوماته المتعاقبة العنصرية والقمعية بحقنا، قلة من هوامش الديموقراطية وممارسة حرياتنا الاساسية، وبين نظام سيهدم جميع تلك القواعد والمسلّمات وما ترتب عليها من واجبات ومن حقوق، واستبدالها بأنظمة قمع عرقية خالصة.
لن أعدد لوائح الاختلاف بين النظامين السالف والحالي، خاصة في كل ما يتعلق بممارسة حياتنا اليومية كأفراد وكمجتمع؛ ومن المؤسف ألا نستوعب ما ستفضي اليه مجموعة القوانين التي بدأت الكنيست بالتصويت عليها، وكيف ستغيّر تبعاتها مفهوم علاقاتنا مع اجهزة الدولة كما مارسناها كمواطنين من درجة ثانية، منذ البدايات حتى يومنا هذا ، إلى “أغيار” تسري عليهم أحكام التوراة، أو عبيد في دولة هم أسيادها.
لا يمكننا أن نقرأ فصول خطة قلب نظام الحكم، التي تسعى الحكومة الجديدة لإنجازها بصورة مجزأة؛ فالسيطرة على منظومة القضاء وفي طليعتها المحكمة العليا، وتحكم الحكومة بتعيين القضاة، مثلًا، لا يعني فقط استبدال قضاتها بقضاة موالين للحكومة ووزرائها. ولو وقفت القضية عند هذا الفارق فسيكون الحق ساعتها مع من يدعي انه لطالما ظُلمنا نحن المواطنين العرب من قرارات قضاة المحكمة العليا خلال العقود الخالية، اذ لطالما وقف هولاء، أصحاب النظريات الليبرالية، مع سياسات حكوماتهم العنصرية وبيّضوا صفحاتها وسوّغوا موبقات الاحتلال للارض الفلسطينية وقمع حقوق الفلسطينيين. علينا ان نقرأ هذه التغييرات سوية مع سائر فصول المخطط المرسوم؛ فعلى سبيل المثال اصرارهم على اضافة ” فقرة التغلب” من شأنه تزويد الكنيست، التي يتمتعون بها باغلبية مطلقة، بقوة فائقة ستمكنهم من تحييد دور المحكمة العليا في مراقبة القوانين والغاء امكانية تدخلها في حالة عدم توافق تلك القوانين مع قيم الحريات الاساسية والمساواة. وكذلك يتوجب علينا ان نفهم لماذا يطالبون بالغاء “حجة المعقولية” التي تلجأ اليها المحكمة العليا احيانا خلال تعرضها لقانونية قرارات الحكومة او الكنيست، مثلما حصل مؤخرًا عندما أبطلت المحكمة العليا قرار تعيين اريه درعي كوزير في حكومة نتنياهو بحجة “عدم معقولية” ذلك التعيين بعد ان كان ادين بتهم فساد، وبكونه تعيينًا لا يتماشى مع احكام العقل السليم.
لسنا بحاجة للمرور على جميع فصول خطتهم المعلنة وما خفي منها وما بان؛ فهدفهم، بالمختصر، هو الاستيلاء على الحكم وهدم جميع أركانه القديمة، وتخويلهم كحكومة “منتخبة من الشعب” أن يحموا الدولة من جميع اعدائها، الخارجيين، ومن بداخلها، وبكل الوسائل التي يرونها كافية وملائمة، وأن ينشروا الأمن في شوارعها، حتى لو اقتضى الامر الى بناء وحدات من “الحرس الوطني” الخاص واعفاء عناصره من تعقيدات الانظمة الوضعية ومحاذير القوانين المقيّدة. في سبيل ذلك لن تقف في طريقهم معارضة تتكلم باسم الديموقراطية ولا ما يسمى “سيادة القانون” أو القيم الانسانية؛ ولن يعيقهم مستشارون قانونيون حياديون ولا نظام قضائي مهني قوي ومستقل، ولا قضاة يرون، اذا ارادوا أن يعدلوا، ضرورة لتفعيل العقل السليم، أو قضاة قد يعيقون تنفيذ ما يخططون له في الاراضي الفلسطينية المحتلة، لانهم جاؤوا كي يحسموا قضية فلسطين والفلسطينيين ، مرة وكما شاء ربهم.
لقد نشر الصحفي المعروف رون بن يشاي يوم الاثنين الفائت مقالا لافتا في موقع “واينت” العبري تحت عنوان “للانقلاب القضائي هدف اضافي: الابرتهايد”. من الجدير قراءة المقال كاملا، لانه يتحدث عن وثيقة كان قد نشرها الوزير بتصلئيل سموطريتش عام 2017 تحت عنوان “خطة الحسم، مفتاح السلام موجود بأيادي اليمين ” وقصده طبعًا حسم الصراع معنا كفلسطينيين، كل الفلسطينيين. واليوم ، هكذا يكتب الصحفي بن يشاي: “في هذه الحكومة حاز سموطريتش على الوسائل كي يبدأ بتنفيذ خطته، وكي لا تعيقه المحكمة العليا اراد تحييدها “. ثم يضيف: “من الجدير ان يعلم الجمهور ان هدف الانقلاب القضائي، علاوة على ما أعلن ، هو وضع الاسس القانونية لخدمة عمليتين سياسيتين من شأنهما تغيير وجه الدولة وتغيير أساليب حياتنا بشكل لا عودة منه. ستضمن العملية الاولى ضمّ كل المناطق الواقعة بين نهر الاردن والبحر بدون اعطاء حق المواطنة للفلسطينيين؛ والعملية الثانية ستعتمد على سن قانون اساس يتطرق الى مكانة المواطنين داخل دولة اسرائيل، وتوزيعهم لثلاث فئات حسب معايير تعتمد على المشاركة في المجهود الامني الاسرائيلي، والمشاركة في سوق الانتاج والعمل، ودفع الضرائب، حيث سيكون، كما هو متوقع، المواطنون العرب في اسفل السلم.
يعتبر سموطريتش ان السلام مع الفلسطينيين هو أمر مستحيل، وذلك لان الفلسطينيين غير مستعدين ولن يكونوا مستعدين ان يجسّد اليهود حقهم في تقرير مصيرهم على اي قطعة ارض بين النهر والبحر؛ ولذلك، برأيه، قد فشلت كل محاولات احقاق السلام في الماضي. لا يؤمن سموطريتش بحل الدولتين بل يؤمن بضرورة تغيير الوقائع على الارض واتمام ضم المناطق الفلسطينية وتخيير الفلسطينيين بين البقاء في “يهودا والسامرة” ليعيشوا في جيوب سكانية تخضع للسيادة والحكم الاسرائيليين، أو هجرة من لا يرغب منهم بهذا، وعندها ستساعدهم اسرائيل وتسهل عملية هجرتهم؛ اما الخيار الثالث، فسيواجهه من لا يقبل بالخيارين المذكورين، وحينها على الجيش “أن يعرف كيف يهزم الارهابيين في زمن قصير؛ وقتل من يجب قتله وجمع السلاح حتى الرصاصة الاخيرة واعادة الامن لمواطني دولة اسرائيل”. فهل لنا بماذا يجري في شوارع جنين ونابلس والقدس حكمة؟
من الضروري ان نتوقف عند هذا الكلام لاهميته ولتأثيره على مستقبلنا وعلى مصير الفلسطينيين في الاراضي المحتلة؛ فما نحن بصدده ليس كما يحاول البعض تبسيطه وافهامنا ان الحرب بين المعسكرين اليهوديين ليست الا حربًا بين جسمين وفكرين متشابهين حتى التطابق .. فلندعهم ينزفون وننتظر حتى يأتينا “خراجهم” .
اشاعة هذه المقولات من قبل شخصيات سياسية قيادية ومؤسسات بحثية عمل بعضهم أو يعمل في كنف الديموقراطية الاسرائيلية العرجاء، وبعضهم كان قد استنجد، من اجل بقائه في الحلبة السياسية، بهوامش هذه الديموقراطية “وبعدل ” محكمتها العليا، وتجنّد بعض مراكز الدراسات والابحاث خدمة لوصايات أو لأجندات سياسية حزبية فئوية، ونشرهم ما يسمى “دراسات تحليلية” أو “أوراق تقدير موقف” موجهة، وتغييب النقاشات الحرة والمسؤولة بين النخب وشرائح المثقفين والاكاديميين – جميع هذه العوامل أدى الى انتشار حالة العزوف عن المشاركة في الفعل السياسي الاحتجاجي، لا كمشاركين في مظاهرات اليهود الضخمة التي تشهدها المدن الاسرائيلية وحسب، انما داخل المدن والقرى العربية نفسها؛ فمن أراد إبعاد العرب عن شوارع تل ابيب، لم يسع لاخراجهم الى شوارع الطيرة والناصرة ورهط.
نحن، الفلسطينيين المواطنين في اسرائيل، نعاني من أزمة هوياتية حادة، ومن فراغ في أداء دور القيادة المسؤولة؛ بينما يعاني بعض مفكرينا ومثقفينا من كسل فكري شجعته مواطنتهم الاسرائيلية القلقة لكنها المرغوبة، وبعضهم يؤثر الاسترخاء في ظل ترف التهرب من مواجهة معضلاتنا الوجودية.
نحن، في الحقيقة، لم نختر بارادتنا المفاضلة بين نظام حكم يهودي عنصري ونظام حكم يهودي ديني وفاشي عرقي، كما يحاول بعض كتّابنا ومثقفينا التحذير منه ويطالبوننا بعدم التعاطي مع هذه “العملة” ثنائية الوجهين؛ فنحن لم نختر ذلك. ولكن اذا كان هذا هو واقع الحالة الاسرائيلية اليوم، أيصح أن نقف بلا أي حراك مجدٍ أو فعل سياسي معارض، وأن نكتفي بإعداد التحاليل وإطلاق الامنيات، كما يفعل كثيرون من اصحاب نظرية الانتظار والتمني أن تطول حرب المعسكرين حتى تنتصر في النهاية قهوتنا وتضحك شرفات منازلنا المحاصرة ؟