متنفَّس عبرَ القضبان (75)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 14/03/23 | 11:35بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الكاتب المقدسيّ جميل السلحوت: “ليس بعد الليل إلا فجر صبح يتسامى”.
وعقّب الصديق الخليليّ مفيد الشرباتي: “لا، طبعاً بالتأكيد لا دحش تحت البساط بعد اليوم. عزيزي فيلقنا الثامن بجهودك الرائعة سنملأ الكون ضجيجاً وصراخاً حتى يسمعنا كل العالم خارج الخزان ويستجيب لحقوقنا ومعاناة اسرانا من ظلم السجان وقهر الاحتلال. والحرية والسلامة لمريم، وولاء، وملك، وكل الماجدات في قلاع الاسر”.
وعقب الصديق الجيوسي سامح سمحه: “والله ان الاسيرات هن بالنسبة لي وجع الروح والقلب”.
“دحِش تحت البساط”
بعد لقائي بمريم وولاء صباح الثلاثاء 21 شباط 2023 في سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب أطلّت الأسيرة المقدسيّة ملك محمد يوسف سلمان (مواليد 2000 ومعتقلة منذ 09.02.2016) مبتسمة، تلك الابتسامة المنتفضة التي تلازمها منذ لقائنا الأوّل.
حدّثتني مطوّلًا عن وضع الأسيرات في الدامون، الأوضاع بتحسّن بعد القمعة الأخيرة، وعن حرمان الزيارات وأثرها. مساعدة الأسيرات الجدد على التأقلم، والمواقف التي تبيّن حقيقة الإنسان.
لامتني بسبب نشري عن الحالات النفسيّة الصعبة للأسيرات، وأثره على “تشويه” صورتهن النضاليّة على الساحة الفلسطينيّة، وأوضحت لها بدوري ضرورة تسليط الأضواء لإيجاد علاج جذري للقضيّة الملحّة، وضوء الشمس هو المطهّر والمنقّي الأفضل، وليس تجاهلها ودحشها تحت البساط، وأوصتني بلقاء مرح.
طلبت إيصال سلاماتها وسلامات زميلات الأسر لكريم وماهر يونس، وتعمل جادّة على ترتيب زيارة أهالي الأسيرات المقدسيّات لبلدة عارة.
يؤلمها أنّنا نحتفل ونقيم المهرجانات حين خروج الأسير من السجن وننساه بعد أيام.
كبُرت كثيرًا منذ لقاؤنا الأول في أيار 2021، ورغم طفولتها السليبة تؤمن بمستقبل أجمل.
“الصليب الأحمر مقصِّر”
بعد لقائي بمريم وولاء وملَك، وبناءً على التطوّرات وما سمعته منهن، وجدت من الضروري اللقاء بالأسيرة المقدسيّة مرح جودة موسى بكير، تلك الطفلة التي أعتقلت يوم 12.10.2015 (مواليد 29.01.1999)، كبُرت خلف القضبان وأصبحت “الدوبِرِتْ”، ممثّلة القسم أمام الإدارة، تهتم بكلّ صغيرة وكبيرة في السجن. توجّهت للإدارة بطلب استثنائي للقائها وسُمح لي بذلك.
بدأنا اللقاء بالمعاتبة لإثارة أمر الحالات النفسيّة الصعبة للأسيرات، دور الإعلام بالنسبة لوضع الأسيرات وتوضيح الأمور التي حاول البعض تشويهها.
تحدّثنا عن تقصير الصليب الأحمر؛ أثارت موضوع الحالات النفسيّة معهم ولا حياة لمن تنادي، أوقفوا تزويد الأسيرات بالأشغال اليدوية، وعرقلوا زيارة الأهالي لبناتهم (بموجب القانون يُسمح بزيارتين في الشهر، ولكن الصليب الأحمر قلّصها وينظّم زيارة واحدة فقط، رافضًا تمويل الزيارة الثانية المُتاحة!!).
حتلنتني بتصعيد الإجراءات والاستعداد للمشاركة بالإضراب، عن منع الكلور في السجن، وإطفاء الكهرباء من “إبريز” نصف ساعة قبل كلّ “عدَدْ” من باب الاحتياط لتكون “البْلاطَة” باردة وكذلك “القُمقُمْ”.
حدّثتها عن مشواري القريب للأردن للمشاركة بحفل إشهار “سر السيف” للأسير وليد دقة و”رنين القيد” للأسير عنان الشلبي فطلبت إيصال تحيّاتها وزميلاتها لرابطة الكتاب الأردنيين وللمشاركين.
كبُرت مرح ونضجت وراء القضبان ولم تعُد طفلة، بل صارت قائدة لتصير يومًا ما تشاء، والسماء حدودها.
لكن عزيزاتي ملك ومرح كل التحايا، والحريّة القريبة لكُن ولجميع حرائر الدامون وأسرى الحريّة.
حيفا/ شباط 2023
.