قوارب الموت هل مازالت تسير ؟
موسى عزوڨ
تاريخ النشر: 17/03/23 | 7:55من خليل إلى ألميريا Almería (1)
الحلم المنشود :” الوحش ولا الاذى ، الموت ولا عڨار
، الوادي ولا المقدم ” .
كنت على موعد فجر اليوم الجمعة مع ” مولود ” بخليل أمام عين الترك , وهو المسؤول الأول عن الهجرة “أفرغ البلاد من الشباب ! تكاد لا تجد الشباب هناك !” بنسبة الف مهاجر خلال الشهرين الاخيرين وهو رقم قياسي عالمي ( التهجير غير الطوعي ” الحرڨة” عبر السريع او « البوطي ») وكان السعر 800.000 دج ( 80 مليون سنتيم !).
وجدت شاب عشريني ! ( الحليب مازال في أسنانه) وحديثه يتحاوز سنه بكثير ، كانت له معلومات دقيقة عن كل فرد ” يتم تجنبده !” كان يعلم عني مثلا أني أب لست أولاد وأنني تركتهم فعليا عند جدتهم رغم أن الرحلة لم يتم تحديد تاريخها بعد! فضلا على أني معارض لنظام الحكم ولا يمكن أن افشي أي سر …وكان يسأل الشباب عن عبد الله من الواسعات السائق الماهر وأنني قد أعوضه فورا ( ويا خوفي من فورا هذه !) إن لم يحضر ! خلال 05 دقائق ، طبعا انبهرت من سرعة تفكيره ومعلوماته واتصالاته وكان له ثلاث هواتف اثنان منهما ” آخر طراز”، من غير المستبعد أن تكون الشريحة ” ثريا ” وواحد ” طراز قديم ” « نوكيا حطبة » وهو الذي كان يهاتفنا من خلاله ، قبل نهاية مهلة التفكير والتشاور بدقيقتين قال لي :” اسمع يا موسى ، عبد الله لا ندري ماذا أخره ! وعليه انت السائق من هنا إلى وهرن واحتمال قيادة السريع و السباحة من مهامك ، وقد اوصانا الحسين الوهراني بك خيرا ؟وقد اعجب بمهاراتك في السباحة عند العوانة جيجل ! وتخي كان اثنى على نباهتك في السياقة في الاغواط والشاوي صديقه في البحرية ؟؟ ( المرخس جابوا العش بفراخوا ) .
تبكمت من هول الصدمة وانا المفوه ، الرجل يعرف عني معلومات منذ ان كنت في سنه ! أكيد هو من المخابرات ! وان كان كذلك فهذه في حد ذاتها مشكلة كبيرة ، مرت ثلاثين ثانية راجعت فيها كل شريط حياتي ، ليبادرني مولود هذه وثائق السيارة وهذا هاتف « سامسونغ » آخر طراز « عيطة» استعمله كيف ما شئت ، وهذا « نوكيا » لا تتصل منه مطلقا ولا تجيب الا بعد الرنة الثالثة واسمك من الآن ” عبد الغني ” « غانوا» ( بهأ غانو وتالي ! كان اسمي في الصغر كذلك , سماني احدهم غفر الله له على وزير الداخلية !!!) ، ثم قال :” شوف آ غانوا ثمانين مليون حلال عليك ، وهذه 2000 اورو تدبر بها أمورك ، و الخدمة خدمة ولا تخون الشركة ” . كان الاغراء يفوق كل شيء ، وافقت على و دون مضض ؟ ، وقبل ان أوصي بأي شيء ” لا يتركك تتحدث او تنفي أي شيء ” أردف قائلا ان سيارتك الحمراء سنرجعها اليوم الى #زمورة ! بالكرطوس الذي فيها ! ( كان في سيارتي الحمراء تين لم اطلع عليه احد ؟ دين الله تخاف ان يحدثك بشيء في قلبك ! بدأت اشك بانهم من الجن )
كانت السيارة التي تسلمت للتو مفاتيحها رباعية الدفع مرسيديس سوداء وكان برفقتي 05 شباب بل مراهقين وقد لبسوا احدث ما يحدث كأنهم يوم عيد « مقرطسين ، المقص ما يديش» ، وانطلقنا وانطلقنا ، قال محدثي :” اسمع اخي غانو ! هذا ما يجب ان تصرح به من الان فصاعدا : “أنت صاحب مكتبة في وهران المدينة الجديدة واسمها « ليزري»! ونحن عمال عندك انا اسمي مسعود وهذا عباس وهذا لخضر وهذا عبد الناصر وهذا سفيان على أسماء اشقائك كي لا تخطأ!”! كنت بين السب والصدمة والدهشة وكنت أتحسس أطرافي بين الفينة والأخرى لعلي نائم أو أتخيل أو مخدر ، كان حديث الشباب لبق و مختلف تماما ، لم يستعمل احد منهم هاتفه ولا يقاطع أحد الآخر كأنهم مدربين ، زاد شكي بل يقيني اني مع مخابرات « هات تكون تاع بلادي برك » ، فخيانة بلدي لا اقبلها أبدا ……
قبل أن ندخل وهران بقليل كان الوقود على وشك النفاذ وقبل أن أصرح بذلك قال مسعود يمكن أن نتزود بالوقود من هذه المحطة ! وبعد ملأ الخزان قال لي الرجل شكرا ياسي غانوا مرحبا بك ! طبعا بدأت الدهشة تنقص وقد تذكرت ” هملات” ليبيا و التهريب او عندما ” تشترى الطريق ” . طبعا وهران طويلة وعريضة ! وقبل ان اسأل نفسي ، يرن الهاتف الرمز ثلاث رنات :” الو السلام عليكم ، اتجه مباشرة الى الغزوات ، طريق السلامة ” في ثواني يغلق الخط .
وانطلقنا وانطلقنا
وعند وصولنا الى وجهتنا وفي محطة البنزين بالغزوات وجدنا سيارة بنفس مواصفات سيارتنا وتحمل أيضا خمس أفراد والسائق يشبهني و خمسيني واسمه موسى ! طلب مني أن اتبعه ، وصلنا ميناء الغزوات فدخل من باب جانبي فاتبعناه ! قال لي رفيقي مسعود :” تتذكر طبعا ” تامنفوست ” حيث اديت الخدمة الوطنية !!! هذا يشبهها تماما وبسرعة تم ارشادنا إلى السريع ! وقد ركب الرفاق كل واحد منهم في مكانه الا انا والكل ينتظر القائد , سلمني موسى خريطة صغيرة وبوصلة وجهاز قال انه لتحديد المواقع ثم وضع اسمعه على ” الميريا ” وان الخطة أ تقضي بان تدخل بالسريع عبر نهر أندرش من خليج الميريا Punta del rio وتركنه عن اول قارب فيه العلم الجزائري ؟ ولك الخيار الرجوع اما الى الغزوات او الى أي مكان نحدده لك عبر الهاتف , في حالة أي طارئ كظهور حرس الحدود بالاسلحة ؟ او حادث ما او حتى مكالمة عبر النوكيا بعد الرنات الثلاث , إما تترك المجموعة هناك وإما تتجه بهم نحو جزر البليار وتسقط كل ما لديك من وثائق ووسائل في البحر وتحمل العلم الأبيض ؟ وهي الخطة ب . تلك السرعة في السرد وكأنه يلقي اوامر على جندي له مبرمج فقط على التنفيذ لم تترك لي أي مجال للتعليق ولا حتى الخيال نعم نحن نتحدث عن ثواني كنت وهو يحدثني على الخطة رجعت الى ملوك الطوائف اجدادي الاندلسين وكيف ان يوسف بن تاشفين المرابط من قلب الصحراء ابحر في ظلمات بحر يجهله نصر اخوانه ..ثم تساءلت سبحان الله كيف للبحرية الجزائرية ان لا تكون على علم بمن خرج ؟ وكنا في التدريبات والمناورات نشاهد بام اعيننا السمكة التي تقترب من المياه الاقليمية فضلا عن ترددات الغواصات حتى في اعالي البحار ؟ ثم كيف للاسبان ان يتجاهلوا دخول الغرباء اليهم هذا يعني ان تسلل جنود الى بلدهم سهل لهذه الدرجة ؟ ام ان هناك غض للطرف انك من خليل ؟ فلا فرنسا بلغت ولا الاسبان ؟ …يقاطع موسى افكاري بجملة ” سي التوفيق يسال عليك والجماعة تنتظرك – تستنا فيك- “. كان سي التوفيق حفظه الله مسؤول الشيفرة ومدرب الكارتي في الثكنة والذي فر بجلده منذ التسعينات وانقطعت أخباره تماما , بدأت احس بهلوسة ” دخلت في المليح ” رأفت الهجان “؟ , أمسكت بالمقود بسم الله كان كله حديث وكانت أول ملاحظة وجد البوصلة والخريطة وتحديد الموقع في الشاشة و ان البنزين في النصف ؟ أحسست طبعا بخطة واحدة ووحيدة وذهاب دون رجعة ,لكن لا خيار لنا , في اعالي البحار تحس فعلا بالعمق الذي انت فوقه واذا غشيك موج كالظلل وهو لا يقارن مع موج الشاطئ أبدا تجد نفسك آليا تدعوا الله مخلصا, وحيث وليت وجهك لا تشاهد الا الماء ويتوقف كل حديث بقدرة قادر , كانت الساعة حوالي الرابعة زوالا ؟ وكنت وانا اتابع اخبار الذين هجروا ” الحراقة” يختارون الليل ؟ فكيف نهاجر نحن في وضح النهار ؟ ” بردت القايلة” , في هذه الاثناء نادى مسعود :” الميريا ” انها هناك ؟ اعتقدت انه سراب وانه يهذي فلم يمض من الوقت الى 45 دقيقة لكن فعلا كانت الميريا الجميلة من هناك ؟ بدت خاوية على عروشها , هل نحن في حلم ؟ اتجهت شرقا الى الخليج ثم الى النهر والذي كان محددا بدقة ” وبدأت اشك ان القارب مسير اليا ؟ فتركت المقود وفعلا اتجه الى المكان المحدد وتم انقاص السرعة ” وهنا زاد هبالي ؟ ان كان القارب مسير آليا فما حاجتهم بي ؟ ما كدت اكمل السؤال بداخلي حتى قال لي مسعود :” هل تاتي معنا الى فرنسا ام تبقى هنا باسبانيا ؟” اقسم اني لم اعرف كيف قلت فرنسا فرنسا ؟
كان في استقبالنا رجل وامرأتان ؟ سلمتهما كل ما استلمته في الغزوات , كانت مأدبة العشاء من أجود ما جاد به البحر ومن أفضل ما أفضل ” حساء السردين ” كأن خرفي الصادق صاحب مطعم عين الروي شخصيا حضره , لاحديث هناك الا على الحرقة وتشاهد فعلا عددا مهولا من الجزائريين هناك , صدقني كأنك في احد ضواحي العاصمة الجزائر , هناك من قضى المدة في المراكز وهناك من ينتظر ؟ مهمة الجندي ” الموصل ” تنتهي عند أول وسيلة نقل يتم اختياره والاتجاه ” خلاصوا دراهمك , عوم بحرك , تبكي امك وما تبكيش ما؟” . الاغلبية يتم استقبالهم من الاصدقاء والاقارب ويتم ايصالهم الى مرادهم ومعظمهم باريس بلد الجن والملائكة …. بدأ حديث السياسة دون سابق انذار مع تصريح ماكرون وهو يقايض انقاص عدد التأشيرات للمغاربة وارجاع المهاجرين غير الشرعين الى بلدانهم ؟ في معادلة بدت لي غريبة :” أي تأشيرة جاء بها هؤلاء وكيف علم انهم مغاربة ولا وثائق لهم . وما علاقة هذه بتلك ؟ قال محدثي ان النظام يريد اغراق فرنسا بالمهاجرين ؟ وان بين ماكرون وجزء من المخابرات سوء تفاهم ؟ كنت منذ زمن قد توقفت عن الحديث في البولتيك ولكنه استفزني فقلت في نفسي سوف اتمالك نفسي ولن اعلق ابدا وسأكون منصتا جيدا .. لم يدم الوقت طويلا حتى جاء العاجل , الجزائر تستدعي السفير الفرنسي وتبلغه احتجاجها الشديد على هذه الخطوة , فنظرت الى مسعود نظرة مراقب فقال وسيتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا وان صعدت فسنصعد ونمنع كل الرحلات الجوية بل قد نعيد كل الجالية الجزائرية الى الجزائر ونترك فرنسا خاوية على عروشها … كانت كلمات النازل لتوه من قوارب الموت الناجي من المحرقة وهو يتحدث باسم الدولة الجزائرية وفي الميريا ..كفيلة بان توقظني من نومي العميق ومن هذا الكابوس ويا فرحة ما تمت
موسى محمد عزوق