بدون مؤاخذة – قمّة شرم الشّيخ تكريس للاحتلال
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 20/03/23 | 11:13واضح أنّ الأطراف العربيّة” مصر، الأردنّ وفلسطين” التي شاركت في قمّة شرم الشّيخ يوم أمس مع اسرائيل وأمريكا، ذهبت إلى تلك القمّة رضوخا لضغوطات أمريكيّة هائلة، وأنّ حضورها لا يتجاوز حدود شاهد الزّور. فأمريكا المنحازة لإسرائيل لم تكن يوما مؤهّلة؛ لترعى أي مفاوضات أو لقاءات عربيّة اسرائيليّة كدولة عظمى محايدة، فرغم أنّها الكفيل والضّامن لاتّفاقات أوسلو التي وُقّعت في ساحة البيت الأبيض في نيويورك في 13 سبتمبر 1993، إلّا أنّها كانت الشّاهد والدّاعم لإسرائيل في التّنصّل من هذه الإتّفاقات، وقد توّجت ذلك في العام 1995 عندما اتّخذ الكونغرس الأمريكي قرارا بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبلغ انحيازها لإسرائيل ذروته في عهد الرّئيس السّابق ترامب عندما اعترف في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وما تبع ذلك من موافقته على ضمّ الجولان السّوريّة المحتلة لإسرائيل، وإطلاق يدها لمواصلة الإستيطان في الضّفّة الغربيّة وجوهرتها القدس المحتلّة. وما خلافات إدارة الرّئيس الأمريكي بايدن الحاليّة مع حكومة نتنياهو الحاليّة إلّا من باب حماية اسرائيل من مخاطر قرارات حكومتها الحاليّة، والتي شرّعت في الكنيست قوانين ترسّخ العنصريّة وتحميها، وتسعى للسّيطرة على القضاء وتفريغه من مضمونه.
وجاءت قمّة شرم الشّيخ يوم أمس مكمّلة للقاء العقبة قبل حوالي شهر، لتهدئة الأوضاع في الأراضي العربيّة المحتلّة، لإفساح المجال لتهدئة الأوضاع الدّاخليّة في اسرائيل، وما يرافقها من احتجاجات وانقسامات داخليّة قد تصل بها إلى عواقب وخيمة، كما صرّح بذلك أكثر من مسؤول اسرائيليّ سواء في المعارضة أو في الموالاة.
والقارئ للبيان الصّادر عن قمّة شرم الشّيخ لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء؛ ليقف عند كلماته المختارة بدقّة فائقة؛ للمساواة بين الضّحيّة والجلّاد، ولتكريس الاحتلال للأراضي العربيّة المحتلّة عام 1967، وإلّا كيف يمكن تفسير ما ورد في البيان:” وجـــــددت حـــــكومـــــة إســـــرائـــــيل والســـــلطة الـــــوطـــــنية الفلســـــطينية اســـــتعدادهـــــما والــتزامــهما المشــترك بــالتّحــرك بــشكل فوري لإنــهاء الإجــراءات الأحــاديــة لــفترة مـن3 إلـى 6 أشهـر.” فما هي الإجراءات الأحاديّة التي تمارسها السّلطة الفلسطينيّة أو تستطيع ممارستها؟ ولماذا لم يتمّ التّطرّق لجرائم المستوطنين في الأراضي المحتلة المدعومة من الحكومة والجيش الإسرائلي؟
وكيف يمكن تفسير “ويـتضمن ذلـك الـتزامـاً إسـرائـيلياً بـوقـف مـناقـشة أي وحـدات اسـتيطانـية جـديـدة لمـدة 4 أشهـر، ووقـف إصـدار تـراخـيص لأي نـقاط اسـتيطانـية لمدة 6 أشهر”؟ ألا يشكّل ذلك اعترافا ضمنيّا بأنّ الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1967 أراضٍ اسرئيليّة؟ وأنّ اسرائيل تتنازل مؤقّتا عن ترخيص مستوطنات جديدة، لكنّها ستواصل البناء الإستيطانيّ الموافق عليه اسرائيليّا قبل هذا التّاريخ؟ وأنّها ستعود لمصادرة الأراضي الفلسطينيّة واستيطانها بعد هذه الفترة القصيرة جدّا؟
ولماذا لم يرد في البيان أيّ ذكر للاحتلال؟ ولا أيّ تعهّد بإنهائه؟ ولم يرد أيضا ذكر لإقامة دولة فلسطينيّة.
وقد دعا البيان إلى استمرار هذه اللقاءات ” بهــدف وضــع أســاس لإجــراء مــفاوضــات مــباشــرة بــين الفلســطينيين والإســرائــيليين لــلتوصــل إلــى ســلام شــامــل وعــادل ودائـــم، مـــع تـــعزيـــز الـــتعاون والـــتعايـــش بـــين كـــافـــة شـــعوب الشـــرق الأوســـط.” ويلاحظ هنا عدم ذكر أي شيء عن قرارات الشّرعيّة الدّولية بخصوص النّزاع، ولا عن القانون الدّولي بخصوص الإراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، ولم يرد أيّ ذكر لحقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف. لكنّه أكّد على:” تـــعزيـــز الـــتعاون والـــتعايـــش بـــين كـــافـــة شـــعوب الشـــرق الأوســـط.” وهذه دعوة مبطّنة للأنظمة العربيّة لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل، في ظلّ احتفاظ الأخيرة باحتلالها للأراضي العربيّة.
وحتّى التّطرّق للمسجد الأقصى في البيان كان منقوصا ” وأكد الأطراف مجـــدداً عـــلى الالتزام بعدم المساس بــالـــوضـــعية التاريخية الــقائــمة لــلأمــاكــن المــقدســة فــي الــقدس – فــعلاً وقــولاً – كــما جــددت الــتأكــيد فــي هــذا الــصدد عــلى أهــمية الــوصــايــة الــهاشــمية/الــدور الــخاص لــلمملكة الأردنــية الــــهاشــــمية.” ولو خلصت وصدقت النّوايا بخصوص المسجد الأقصى، لأكّد المجتمعون على إسلاميّة هذا المسجد، وأنّه مسجد إسلاميّ خالص، لا يجوز لغير المسلمين اقتحامه عنوة ولا إقامة صلواتهم فيه.
وما ورد في البيان بخصوص تحسين الأوضاع الإقتصاديّة الفلسطينيّة و” تعزيــز الــوضــع المالي للســلطة الــوطــنية الفلســطينية.” إلّا تأكيد على رؤية نتنياهو وأمريكا “للحلّ الإقتصادي وأنّ الفلسطينيّين لن يحصلوا إلّا على إدارة مدنيّة على السّكّان دون الأرض.”
وفي المحصّلة جاء هذا اللقاء لتهدئة الوضع مؤقّتا، ضمن إدارة الصّراع، لكنّه ابتعد كثيرا عن متطلّبات السّلام الذي تنشده الشّعوب.