رواية “طيور المساء” ومذبحة كفر قاسم
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 24/03/23 | 18:07عن دار الهدى للطباعة والنّشر كريم 2001 م. ض. في كفر قرع صدرت عام 2021 رواية “طيور المساء”، للكاتبة الفلسطينيةّ أسمهان خلايلة، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها الفنّان مبدّا ياسين في 159 صفحة من الحجم المتوسّط.
أسمهان خلايلة كاتبة فلسطينيّة من مجد الكروم في الجليل الفلسطينيّ الأعلى، تكتب الخاطرة والقصّة والمقالة، وهذه هي رويتها الأولى -حسب علمي-.
مضمون الرّواية: تتحدّث الرّواية عن مجزرة كفر قاسم التي ارتكبها الجيش الإسرائيليّ في 29 اكتوبر 1956م غداة العدوان الثّلاث على مصر، والذي اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا واسرائيل. وأزهقت في هذه المجزرة أرواح تسعة وأربعين شخصا بين رجل وامرأة وطفل. ومنهم نساء حوامل، وكان الهدف منها هو إجبار من تبقّى من الفلسطينيّين في ديارهم على الهرب من ديارهم إلى المناطق العربيّة المجاورة كالضّفّة الغربيّة.
الأسلوب: مهّدت الكاتبة لروايتها ببعض الحوادث والحكايات التي تحدث في كلّ قرية، مستعينة بعدد من الأمثال والأغاني الشّعبيّة، التي جاءت في مكانها الصّحيح، وكأنّي بالكاتبة هنا تريد أن تدلّل على الثّقافة الشّعبيّة، التي من خلالها يستطيع الباحث أو القارئ الحاذق أن يقف على طريقة تفكير أيّ شعب إذا ما اطّلع على ثقافته الشّعبيّة، وقد طغى الأسلوب الحكائيّ الإنسيابيّ على السّرد.
التّمهيد للحدث الرّئيس وهو المذبحة: مهّدت الكاتبة لروايتها بثمانية فصول، امتدّت على ثمان وتسعين صفحة قبل دخولها إلى مذبحة كفر قاسم، وهذا التّمهيد لم يكن نشازا، ولا غريبا عن الحدث الرّئيس، فهو يحوي حكايات عديدة ومريرة عن معاناة الفلسطينيّين الذين صاروا أقلّيّة في وطنهم داخل حدود إسرائيل التي قامت كدولة في 15 مايو 1948 على 78% من أراضي فلسطين التّاريخيّة، بعد أن تشرّد منهم 950 ألفا في أصقاع الأرض بسبب ويلات الحرب.
اللهجة المحكيّة: أغرقت الكاتبة في استعمال اللهجة المحكيّة، لأنّ شخوص روايتها ومنهم معلّم المدرسة مروان وابنه فارس الذي درس الهندسة الغذائيّة، هم أناس شعبيّون مندمجون في قضايا شعبهم وهمومه، فمروان كان عضوا في الحزب الشّيوعي الإسرائيليّ، رغم ما يعني هذا من معاناة أثناء خضوع من تبقّى من أبناء شعبنا الفلسطينيّين في ديارهم في النّكبة الأولى عام 1948م للحكم العسكريّ، الذي استمرّ من العام 1948 حتى 1965، والذي لم يكن يسمح للفلسطيني أن ينتقل من بلدته إلى أخرى دون تصريح من الحاكم العسكريّ. ومعروف أنّ من كشف المجزرة وفضحها هما عضوا الكنيست عن الحزب الشّيوعي الرّاحلين ماير فلنر وتوفيق طوبي، وهما من قادة الحزب الشّيوعيّ الذي لعب دورا رئيسيّا ومهمّا في الحفاظ على الهويّة العربيّة الفلسطينيّة، وعلى اللغة العربيّة من خلال صحافته” جريدة الإتحاد، ومجلّتا الجديد والغد”. واستعمال اللهجة المحكيّة يدخلنا في متاهات حول استعمالها في الكتابة أو عدمه، لسنا في مجال ذكرها في هذه المقالة، ومعروف أنّ “اللهجة استعمال خاطئ للغّة.” لكن يجدر التّذكير هنا أنّ اللهجات المحكيّة ليست مفهومة عند الشّعوب العربيّة كافّة، بعكس اللغة الفصيحة التي يفهمها العرب جميعهم.
الرّواية التّاريخيّة: عرف العرب الرّواية التّاريخيّة، ومن أشهر من كتبوا الرّواية التّاريخيّة الرّوائيّ والمؤرّخ والصّحفيّ اللبنانيّ جوجي زيدان”1861-1914″. ومن قبل الرّواية التّاريخيّة عرف العرب السّيرة الشّعبيّة، والتي كتبت باللهجات المحكيّة مثل سيرة “عنترة” و” الزّير سالم” و”أبو زيد الهلالي، وغيرها. وإذا كان جرجي زيدان كتب رواياته باللغة الفصحى معتمدا على البحث في كتب التّاريخ، فإنّ الرّوائيّين بشكل عامّ يستفيدون من التّاريخ ولا يؤرّخون، لكنّ كاتبتنا أسمهان خلايلة في روايتها هذه اعتمدت على مصادر الحدث الشّفويّة، فكتبتها كما سمعتها من أفواه من رووها، وهذا يقودنا إلى قضيّة أخرى هي: هل يُدوّن الأدب الشّعبيّ، كما يُسمع من رواته أم يجري تفصيحه؟
عنصر التّشويق: طغى عنصر التّشويق بشكل واضح من خلال السّرد الحكائي الإنسيابيّ، رغم مرارة المضمون.
عنوان الرّواية: تحمل الرّواية عنوان” طيور المساء”، والقارئ للرّواية سيجد أنّ المجزرة وقعت في المساء، أثناء عودة المزارعين من حقولهم، والعنوان في طيّاته يحمل مضمونا دينيّا فقد روى مسلمٌ في صحيحه بسنده عن عبد الله بن مسروق قال:” سألنا عبدالله عن هذه الآية ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ أما إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طيرٍ خضْرٍ لها قناديل معلَّقة بالعرش تسرح من الجنَّة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل”.
وماذا بعد: تعتبر هذه الرّواية بشكل وآخر رواية تسجيليّة توثيقيّة عن معاناة الشّعب الفلسطينيّ، بسبب الهجمة الصّهيونيّة على وطنه، كما تعتبر رواية توثيقيّة، عن مذبحة كفر قاسم، سردت أحداثها من أفواه من عاشوها وذاقوا ويلاتها، وهي تذكّر بمجازر أخرى مثل: دير ياسين، الدّوايمة، الطّنطورة وغيرها. وهذه المجزرة خُطّط لها بعناية على المستوى الرّسميّ؛ لتشريد من تبقّى من الشّعب الفلسطينيّ في ديارة، ظنّا من المخطّطين أنّ هذه المجزرة ستمرّ بهدوء، لأنّ حرب العدوان الثّلاثي على مصر التي صاحب المجزرة طغت على وسائل الإعلام، وعلى اهتمامات الرّأي العامّ العالميّ، وأكبر دليل على ذلك أنّ المحكمة الإسرائيليّة التي عقدت لمحاكمة القتلة أدانت قائد الوحدة العسكريّة القاتلة “شدمي” وحكمت عليه بقرش إسرائيليّ واحد، أيّ أقلّ من سنت أمريكي واحد.
العرس الجماعي: ورد في الرّواية أنّ أهالي كفر قاسم أقاموا عرسا جماعيّا، زفّوا فيه 25 شابّة على 25 شابّا في الذكرى الثّلاثين للمجزرة، ووقف العرسان والمحتفلون أمام ضريح ضحايا المجزرة، وهم بهذا يرسلون رسالة للقتلة مفادها:
” كأنّنا عشرون مستحيل
في اللد، والرّملة، والجليل
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار
وفي حلوقكم
كقطعة الزّجاج، كالصّبّار
وفي عيونكم
زوبعة من نار
هنا .. على صدوركم باقون كالجدار”
الجمل التّفسيريّة: ورد في النّصّ الكثير من الجمل والفقرات التّفسيريّة التي لا حاجة لها، كما أنّه لا داع للخطابات التّفسيريّة التي وردت في أخر النّصّ، ولو انتهت الرّواية قبل السّطرين الأخيرين في صفحة 152 لكن أفضل لها.