جرائم كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر
معمر حبار
تاريخ النشر: 26/03/23 | 18:27الأحد 4 رمضان 1444 هـ، الموافق لـ 26 مارس 2023
ماذكره المصري القبطي في حقّ الجزائر:
اتّصل بي عبر الخاص ودار بيننا حوار، وممّا ذكره: “صديقي. أنا أحترم و أقدر بل و أجلُّ إيمانك..أنا مصري قبطي و تعلمت الكثير عن الإسلام من معلم تونسي اسمه محفوظ في مدرسة فيكتور هوجو بعنابة سنة 1970_1976 حيث كنت طفلا و حين التحقت في مصر بكلية الحقوق جامعة القاهرة تعلمت أكثر عن الشريعة الإسلامية و إلي الآن أتعلم .. رغم إيماني بالمسيحية”.
ثمّ أضاف: “حينما كنت في عنابة وأنا صغير لم أرى مسيحيا وحينما سألت بعض زملائي عرفت أن كثير من الكنائس الذي بناها الفرنسيون تحولت إلى مساجد ولم يبقى إلا كنيسه واحده في أعلى جبل كنا نذهب اليه. رغم أن النبي محمد حين قدِم إليه وفد نجران، وكانوا ستين راكباً. فقدموا على النبي الكريم ودخلوا مسجده يقول من رآهم من أصحاب النبي: ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد الرسول .. هل يمكن لمسيحي اليوم ان يصلي صلاته في أي مسجد؟ كان الرسول حاضرا و مع ذلك وافق أن يصلوا بمسجده”.
تقديم واجب الضيافة لكلّ زائر ومحبّ للجزائر:
أقول: قدّمت واجب الضيافة عبر الخاص للمصري، ونكرّرها من جديد عبر هذه الأسطر لأنّ حبّنا لمصر التي تربينا عليها تدفعنا أن لانفرّق بين مصري ومصري، فهذا شأن داخلي نظلّ نحترمه ولا نتدخل فيه، وحفظ الله مصر، وإخواننا المصريين.
أهداف إقامة كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر:
مايجب التركيز عليه في هذا المقام أنّ الاستدمار الفرنسي وطيلة 132 سنة من النهب، والسّطو، والمسخ أقام كنائس في كامل التراب الوطني. وفي المقابل هدّم مساجد قائمة، ودنّسها بأحذية جنوده النجسة، وحوّلها إلى اسطبلات لخيوله، ومنع على الجزائريين دخولها، ووضع على رأسها أئمة صنعهم على يديه، ويلهجون باسمه، وعيونا تترصّد كلّ معارض لمحتلّ مغتصب.
بابا الفاتيكان كان على علم بكلّ تفاصيل احتلال الجزائر والتي كانت فرنسا المجرمة تعلمه بها. وكان هناك دعم مطلق من بابا الفاتيكان لاحتلال الجزائر[1]، وطالب بإقامة صلاة لاحتلال الجزائر لأنّ يخدم “الدين؟ !”، و “الرب؟ !”.
الكنائس التي أقامها الاستدمار الفرنسي كانت أداة لتثبيت الاستدمار، ووسيلة لتبرير السّطو والنّهب، ويدا ممدودة للمحتلّ المجرم، وطريقا للمسخ والمسح، وآلة لمحو كلّ ماتربى عليه الجزائري من فطرة سليمة، وإسلام نيّر عمره أربعة عشر قرنا.
للتذكير، الكنيسة باركت الاستدمار الفرنسي للجزائر[2]، ومنحته صبغة دينية، وبشّرت المحتلّين المجرمين السّفاحين بالجنة، وأوصت بقتل الجزائريين وسفك دمائهم تقرّبا إلى “الربّ؟ !” حسب مفهوم الكنيسة لأنّ الجزائري صاحب الأرض في نظرهم خلق ليستعبد من طرف المحتلّ المجرم. ومن رفض الاحتلال فعرضه، ودمه، وماله، وولده، وأملاكه ملك للمحتلّ المغتصب يعبث بها أنّى شاء، وكيف شاء.
استغلّت كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر الجوع، والعري، والتّهجير، والنفي، والهدم، والردم، والنسف، والأمية، والحرق المفروض على الجزائريين من طرف الاستدمار، وبمباركة الكنيسة لفرض تعاليم الكنيسة على أطفال الجزائريين قصد تربية جيل يتنكّر لدينه، ويحارب وطنه، ويمسي جنديا لدى المحتلّ المجرم المغتصب، وإثارة فتنة دينية طائفية بين أبناء الوطن الواحد، والقبلة الواحدة قصد تثبيت الاستدمار والتّبرير له[3].
بنيت كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائرعلى أراضي مغتصبة اغتصبها الاستدمار الفرنسي لأنّها أرض جزائرية اختطفت من يد الجزائريين عنوة، وبدماء الجزائريين الزّكية الطّاهرة.
بنيت كنائس الاستدمار الفرنسي فوق أراضي جزائرية خصبة والتي طرد منها الجزائري، وشرّد، وأحرقت مزارعه وبيته، ونسفت نسفا فأصبح الجزائري وهو صاحب الأرض الخصبة مطاردا بين الصخور، والرمال، والجبال وكنائس الاستدمار الفرنسي فوق أراضي تخرج ذهبا، وتنبت قمحا، وحبّا، ونخلا، وزيتون يحلم بها المحتلّ، ويتنعم بها المحتلّ المجرم، والقساوسة وبينما الجزائري يموت جوعا وهو مطارد من أرضه العذراء الخصبة التي كانت تجود على أهلها.
بنيت المساجد في عهد الاستدمار الفرنسي في تجمعات سكنية حشر الجزائريون على إثرها في أماكن فقيرة محصورة جرداء عقيم، وبعدما طردوا من أراضيهم الخصبة، ولتسهل السّيطرة عليهم، وترويضهم على قبول الاستدمار.
بنيت كنائس الاستدمار الفرنسي في أماكن عالية إمعانا في إهانة الإسلام، والجزائري الذي يدين بالإسلام، أمّا الكنائس التي بنيت في وسط المدينة فكانت أطول من البنايات التي تحيط بها رغم أنّها بنايات فرنسية، ويسكنها الفرنسي، والأوروبي المجرم المحتلّ والجزائري يسكن الكهوف، والتراب، وأسفل السّافلين.
رغم سيطرة كنائس الاستدمار الفرنسي على الأراضي الخصبة، وحرمان الجزائريين من بناء وتشييد المساجد إلاّ أنّهم ظلوا يطالبون بتوسيعها، وزياددة أعدادها على حساب الأرضي الجزائرية[4].
بنى الاستدمار الفرنسي كنائسه في وسط المدينة “حيث تصبح مركز المدينة وكلّ المرافق تحيط بها[5]”. والغاية أن تكون الكنيسة المركز الإسلام، والمسجد، والمسلمين، والشريعة، والفقيه، ورصيد أربعة عشر قرنا تابع للكنيسة، والاحتلال الذي تبرّر له الكنيسة.
لم يفرض الاستدمار الفرنسي على الكنيسة إعانته في احتلال الجزائر، بل الكنيسة هي تطوعت للتبرير للاستدمار الفرنسي مستخدمة “الدين؟ !” لتبرير النهب، والسّطو، وتنصير الجزائريين، وإبعادهم عن دينهم، وأراضيهم[6].
وحين عجز الاستدمار الفرنسي لفرض احتلاله استعان بالكنيسة », المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الرغاية، الجزائر العاصمة، الجزائر، من 272 صفحة.
الكنائس في عهد استرجاع السّيادة الوطنية:
لم تحرق الجزائر كنائس الاستدمار الفرنسي كما فعل الاستدمار الفرنسي بالجزائر، وأبقت على بعضها وما زالت لغاية هذه الأسطر، وما زالت الجزائر تقوم بترميمها وعلى نفقتها ومن خزينة الدولة، رغم أنّ روادها من بقايا الفرنسيين أو الأوروبيين الذين فضّلوا البقاء في الجزائر، وخاصّة في المدن الكبرى.
لو بقي الفرنسي، واليهودي، والأوروبي غير المجرمين والمحتلّين والسّفاكين بالجزائر، لأبقت الجزائر على كنائسهم رغم أنّها بنيت على أرض جزائرية مغتصبة هي ملك الجزائريين، ولا يوجد مانع في ذلك باعتبارهم ولدوا بالجزائر عبر 132 سنة من الاحتلال، وأمسوا جزائريين.
لكن الفرنسيين المجرمين المحتلّين، واليهود المجرمين الذين كانوا عونا وعينا للاحتلال، والأوروبيين الذين كانوا سندا للاستدمار فضّلوا مغادرة الجزائر طواعية، والرجوع لفرنسا ودولهم الأوروبية لأنّهم خونة، وقتلة، ومحتلّين، ومجرمين في حقّ الجزائر، والجزائريين ولم يعد من يدخل كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر التي أقاموها بالجزائرعنوة لأنّه لايوجد مسيحي جزائري بالجزائر، وبقايا الفرنسيين والأوربيين لم يمنعهم أحد من ممارسة شعائرهم بكنائس الاستدمار الفرنسي التي أقاموها.
لامجال لمقارنة كنائس الاحتلال الفرنسي بكنائس مصر العزيزة:
حين دخل سيّدنا عمرو بن العاص مصر أبقى على كنائس الأقباط[7] لأنّ الأقباط “وْلاَدْ البْلاَدْ” بالتّعبير الجزائري العامي وكنائسهم من العمران المصري، وتاريخ مصر، وجذر من جذورها. بينما كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر ليست من العمران الجزائري، ولا من التّاريخ الجزائري، وليست جذرا من جذورها بل وسيلة من وسائل احتلال الجزائر، ونهبها، والسّطو على خيراتها، والعبث بدينها، ومسخ هويتها، وتشويه عقيدتها.
خاتمة:
كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر ليست كنائس جزائريين كما هي كنائس الأقباط بمصرتستحقّ من الجزائر أن تصان، ولا تمسّ بل هي وسائل تثبيت الاحتلال، ووسائل نهب الجزائري، ومسخ عقيدته، والتنكّر لماضيه العريق.
ورغم جرائم كنائس الاستدمار الفرنسي بالجزائر، مازالت بعض الكنائس قائمة، ومحمية، وتحت رعاية الجزائر، ومن خزينة الجزائر، وما زالت تعلو المدينة بأكملها، وبما فيها المساجد، والمآذن لم يمسسها سوء[8].
[1] « les Archives secrètes du Vatican sur la conquête de l’Algérie par les troupes françaises de Charles X en 1830 ou la croisade méconnue, D’aprés l’ouvrage de Laura VECCIA VAGLIERI », Traduction et préface d’Emmanuel Bataille, ALEM EL AFKAR, Mohammadia, Alger, Algérie, contient 96 Pages. [2] De la conversion des musulmans au christianisme. Les Lubies d’un officier de l’armée d’Afrique, Algérie 1846″, Edition NECIB, Contient 41 Pages. [3] للزيادة، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “التنصير.. الوجه الآخر للاستدمار الفرنسي بالجزائر”، وبتاريخ: الثلاثاء 29 ربيع الأول 1441 هـ – الموافق لـ 26 نوفمبر 2019 [4] Louis Abadie « MASCARA Une certaine capitale », EL Ibriz Edition, Algérie, 2013, Contient 173 Pages. [5] Mohamed kali, « Ain Témouchent », Dar el Kitab el Arabi, 2009, Contient 240 Pages [6] Sybille Chapeu « Des chrétiens dans la guerre d’Algérie », المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الرغاية، الجزائر العاصمة، الجزائر، من 272 صفحة. [7] للزيادة، راجع من فضلك كتاب: عباس محمود العقاد: “عمرو بن العاص”، صدر الكتاب أوّل مرّة سنة 1944، مؤسسة هنداوي، طبعة 2014، من 161 صفحة. [8] للزيادة، راجع من فضلك مقالنا: “وهران: البهية الباهية”، وبتاريخ: السبت04 رجب 1438، الموافق لـ 02 أفريل 2016.—
الشلف – الجزائر
معمر حبار