رواية رحلة إلى ذات امرأة واضطهاد المرأة للمرأة
رائد الحواري
تاريخ النشر: 30/03/23 | 2:18صدرت عام 2023 رواية “رحلة إلى ذات امرأة” للكاتبة المقدسيّة صباح بشير عن دار الشّامل للنشر والتوزيع في نابلس، وتقع في 237 صفحة من الحجم المتوسّط.
جميل أن يطرح الأدب مشاكل اجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بهموم المرأة ومشاكلها، والأجمل أن يأتي ذلك الطرح بلغة أدبية وأسلوب شيق، حيث يكتمل الجمال المعرفي بالجمال الأدبي، وفي رواية “رحلة إلى ذات امرأة” نجد الجمالين معا، فرغم أن المضوع قاسٍ، يتحدث عما تعرضت له “حنان” من ظلم اجتماعي، خاصة بعد أن تم تزويجها من “عمر”، وما تبعه من خلافات ومعاملة قاسية من زوجها وحماتها، وعندما شكت لأمّها ما تمر به من معاملة قاسية كان ردها أن عليها أن تحافظ على زوجها، وأن الطلاق غير مقبول في العائلة، وهذا ما جعلها تستمر في عذابها إلى أن بلغت القسوة ذروتها، فتم حرق كتبها وضربها من قبل “عمر”، وهنا يتدخل الأب ويقوم بدور إيجابي ويقف إلى جانب ابنته إلى أن يتم الطلاق.
وضمن الأحداث نجد أختها “غادة” تلك الفتاة الحاقدة على كل شيء، وذلك بسبب جمالها المتواضع، حيث ساهمت في إلحاق الأذى ب”حنان” ومحاصرتها حتى في البيت، وهذا ما دفعها إلى البحث عن منزل خاص بها والبحث عن عمل يعيلها ويعيل ابنتها “شروق” وتنجح في ذلك، وهنا تطلعنا “حنان” على حالة المطلقة، وكيف ينظر إليها المجتمع على أنها خاطئة/ناقصة، وما جعلها تتعرض لاضطهاد جديد، وتقرر أن تبدأ حياتها متجاوزة كل العقبات التي تواجهها، وتبدأ العمل في مؤسسة تهتم بقضايا النساء، وهنا تطلعنا على مشاكل الزوجة الثانية وكيف هو حالها، ورغم تألقها وإخلاصها في عملها إلا أن مديرة المؤسسة تقرر الاستغناء عن خدماتها وذلك تحت ضغط زوجها والمجتمع.
وبهذا تعطينا “حنان” صورة المرأة القوية التي تجاوزت المجتمع الذكوري وكيف أنها استطاعت أن تنجح في عملها، وصورة مديرة المؤسسة، المرأة المستسلمة للمجتمع، فرغم أن المدير لم تتعرض إلا لما هو متعلق بالمؤسسة، ومع هذا استجابت للضغوطات واستسلمت لها، وشاركت المجتمع ظلمه لحنان بعد أن تخلت عن خدماتها.
“ماري” صديقة حنان الوفية وملاذها، فهي من استمعت لمشاكلها ووقفت معها، فبعد أن تم إنهاء خدماتها من المؤسسة تقترح أن تهاجر إلى فرنسا وهناك تبدأ صفحة جديدة من خلال عملها في الصحافة، حيث تتعرف على “نادر شعبان” الذي يبدأ بالتقرب منها/ وبما أنه وسيم ويعرف كيف يعامل النساء فقد اعجبت به “حنا” وتكلل هذا الحب بالزواج، لكن بعدها تلاحظ “حنان” أن زوجها يكثر من السهر خارج البيت، فتفاتحه بهذا الأمر إلا أنها لا تجد ما يثر الشبهات، وتقرر أن تتجاوز عن هذه المعضلة لأن زوجها يحبها ويعاملها بلطف ورقة.
لكنها تفاجأت أنه يقرر بيع البيت والشركة التي يديرها، وأخبرها أنه قرر السفر إلى الكويت؛ ليبدأ من جديد، ولا تلبث أن تخبرها الشرطة بأن زوجها مقامر، وقد خسر كل أملاكه، وأن دائنيه قاموا بقتله، وهنا تكون الصدمة التي أعادت “حنان” إلى وطنها، لتبدأ حياتها كمطقة وكأرملة.
هذا ملخص لأحداث الرواية، لكن لا بأس من التوقف قليلا عند بعض المحطات، الرواية بغالبيتها تحدث عن القسوة التي تعرضت لها “حنان” من أمها، التي وضعتها من أيام الخبطة تحت ضغط المجتمع، إلى أختها “غادة” التي تريد (التخلص منها) ليفتح باب الزواج أمامها، وبعد زواجها من “عمر” وجدته ضعيفا أمام أمّه، ومتقلب في تعامله مع المجتمع ومعها، وهذا ما جعله أقرب إلى شخص يعاني من انفصام في الشخصية، حيث يبدي اللين والاحترام للآخرين، بينما يعامل زوجته بقسوة واحتقار، فالرواية (غارقة) في مشاكل المرأة وهمومها، وهذا تأكد بعد أن عملت “حنان” في المؤسسة التي تعنى بمشكل النساء، حيث اطلعت على أسباب قبول الفتاة لتكون زوجة ثانية.
لكن هناك مشاهد فرح متعلقة “بماري” حيث تزوجت من الشباب الذي تحبه والذي أخذها إلى فرنسا؛ لتعيش حياتها كما ينبغي، لكن طول هذا الفصل (11) لم يتجاوز الصفحتين فقط؛ لتعود “حنان” إلى سيرتها الأولى والحديث القهر والظلم والضغط الواقع عليها، وهذا الأمر تكرر أيضا عندما تحدثت عن سفرها إلى فرنسا الفصل (13) حيث اكتفت بصفحتين فقط، لتتحدث عن مرحلة الخروج من الجحيم إلى الجنة، وهذا الأمر يثير أسئلة، لماذا لم تتحدث “حنان” عن مشاهد الفرح بغزارة وسهاب؟، هل هناك (عقدة) تعاني منها جعلتها (غارقة) في مشاهد الألم والقسوة؟ ولماذا لم تجعل صديقتها (ماري) تتحدث بصوتها، واستمرت في سرد الأحداث وحيدة فكانت صواتها الوحيد المسموع؟
اعتقد أن فكرة الرواية المتعلقة بهموم المرأة ومشاكلها جعلت “حنان” غارقة فيها، بحيث لم يتح لها أن تتناول جوانب الفرح والسعادة، وهذا ما أكدته هي ـ بطريقة غير مباشرة ـ عندما تحدثت بإسهاب وتفاصيل عن ليلتها الأولى مع “عمر”، وكيف عاملها بخشونة وصلت حد الاغتصاب، بينما مرت مرورا عابرا وسريعا على ليلتها مع “نادر”، وأيضا نجدها لم تتحدث ـ كما ينبغي ـ عن ابنتها “شروق” الناجحة والمتفوقة في دراساتها وحياتها، ولم تدخلنا إلى مراسم فرحها بعد أن تزوجت، فهي كأمّ/كامرأة عانت من الزواج بالإكراه، من يفترض أن تسعى لتعوض هذا الأمر بإبداء الفرح والسعادة بزواج ابنتها التي اختارت شريكها بنفسها، لهذا نقول أن “حنان” تتجنب الحديث عن الفرح/السعادة، وهذا يأخذنا إلى شخصيتها المخلصة والمتفانية في عملها، ألم تنجح في المؤسسة وفي الصحافة؟ فأرادت أن تكون مخلصة لروايتها وللفكرة التي تحملها، هموم المرأة ومشاكلها في المجتمع الذكوري، فكان سردها للأحداث وجحم الفصول يخدم فكرة الرواية.
الرواية من منشورات دار الشامل للنشر والتوزيع، فلسطين، الأردن، الطبعة الأولى 2023