في وداع الشاعر الكفرساوي الدكتور سليم مخولي
تاريخ النشر: 10/11/11 | 2:09شاكر فريد حسن
بوفاة الدكتور سليم مخولي، ابن بلدة كفر ياسيف البار، تفقد الحركة الادبية والثقافية والحركة الوطنية والكفاحية في الداخل الفلسطيني اديباً وشاعراً وطنياً حراً وملتزماً، وفناناً تشكيلياً مبدعاً مؤمناً برسالة الفن والادب الواقعي التقدمي في معارك الحضارة والتحرر والمستقبل، وتخسر انساناً ابياً خلوقاً عزيز النفس كرس حياته للابداع وخدمة الناس ومداواتهم وعلاجهم، ومناضلاً مثابراً في الدفاع عن الارض وقضايا الوطن وهموم الشعب، وفي سبيل حقوق شعبنا الفلسطيني، ومناصرة الشعوب المستضعفة المقهورة المضطهدة المتطلعة نحو افق الحرية والكرامة والاستقلال.
سليم مخولي شاعر خصب الخيال، قوي الشاعرية، مطبوع بطابع الحساسية الفنية، ويعتبر من الاسماء المعروفة ذات الحضور اللافت في المشهد الشعري والادبي الفلسطيني. جمع بين هواية الادب ومهنة الطب ورسالتهما، ومزج الكلمة بالموقف والكتابة بالنضال ، وحمل لواء القيم الانسانية النبيلة والسامية. نهل من الثقافة العربية الاسلامية والآداب الانسانية العالمية، وولج محراب الشعر والادب والفن التشكيلي، وانغمس في عالم الكتابة منذ ستينيات القرن العشرين الماضي، وكانت اولى تجاربه الشعرية قصيدة بعنوان “القرن العشرين” نشرت في مجلة” آفاق “العكية، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عطاؤه ولم يجف المداد من قلمه.
شارك المرحوم سليم مخولي في المهرجانات الشعرية والندوات الادبية والثقافية والمعارض الفنية، وكان مشاركاً دائماً في النشاطات والفعاليات الثقافية والنضالية داخل بلده وخارجها. كتب قصائده ونشرها في الصحف والمجلات والدوريات والمنابر الثقافية والادبية ، وخاصة ادبيات وصحف الحزب الشيوعي “الاتحاد” و”الجديد”، وصدر له عدد من الدواوين والمجموعات الشعرية، وهي:” معزوفة القرن العشرين، صدى الايام، ذهب الرمال، تعاويذ للزمن المفقود، رماد السطوح ورخام الاعماق، ما يخط القلب في سفر التراب، اليك، رفيقة يومي” بالاضافة الى مسرحية “الناطور” التي تصور الواقع الاليم لمجتمعنا العربي.
سليم مخولي هو ابن النكبة الفلسطينية التي عصفت بشعبنا واقتلعته من ارضه ووطنه وحولته الى لاجئين في الخيام السود، عاش النكبة ومأساة التشريد والترحيل، وعايش احداثها، وظل مؤمناً بحق شعبنا في البقاء والحرية والوجود والتطور العصري، مشهراً سيف التحدي وسلاح الصمود والاصرار في وجه مغتصب الارض والهوية ومضطهد الشعب ، ولا بدع اذا قال:
هنا هنا كنا ونبقى
جذع زيتون نشأنا حوله
ولنا في ساحنا “رومية”
ضحكات للريح في خضرتها :
أين روما؟ أينها يا صاح
والقيصر مات!
كان سليم مخولي صاحب مشروع ادبي وفني، وتمتع برؤية مستقبلية واضحة تحمل تطلعات واحلام الناس البسطاء والمهمشين في عالم انساني خال من الحروب والاستغلال والاضهاد. آمن بالقيم والمثل والمبادئ الانسانية ايماناً راسخاً، وتمسك بالصدق والاصالة .عادى المظاهر السطحية الشكلية، وحارب الخزعبلات والخرافات والاساطير والغيبيات،وآمن بضرورة التغيير وبناء مملكة الحب والعدل والرخاء والسلام لكل المعذبين والمضطهدين والمسحوقين في جميع انحاء الكون.
التحم بالقضايا الوطنية والهموم الشعبية، وسعى الى تعميق وتوطيد العلاقات الانسانية ووشائج المحبة بين ابناء الشعب الواحد والديانات والرسالات السماوية. لم يداهن ولم ينافق لا في حياته ولا في شعره، لم ينكس الراية ولم تلن له قناة ،ولم يفقد بصيص الامل والتفاؤل يوماً، وبقي مؤمنا بحتمية انتصار قضية شعبه وتحقيق السلام العادل، ويبدو ذلك بوضوح في قوله :
ويزهر الزيتون غصناً للسلام .. هل تهجر الأجواء
طير معدنية…
وترف اسراب الحمام
امنية تحيا بقلب البشرية
وحلم ارض هدها طول السقام
سليم مخولي شاعر متبتل في معبد الوطن والعشق الفلسطيني، امتاز بشعره الوجداني والغزلي والرمزي والفلسفي ، وحملت قصائده الطابع الوطني والنزعة الانسانية ، وتتفجر في نصوصه عذاباته ومشاعره واحاسياسه الوطنية الجياشة ، وتتدفق حباً وصدقاً وعفوية ووهجاً والتزاماً ونقاءً. وهي تحتضن موتيفات ومضامين ذات ابعاد وطنية وانسانية تنصهر مع التراث والجذور، ومع التطلعات والاحلام والآمال الفلسطينية.
تتصف قصائده بطولها ومعانيها المكثفة، المشبعة بالايحاءات والدلالات الرمزية بعيدة المدى، التي تغني النص، وتكامل عناصرها الفنية، ذات الانغام المتعددة. ونلمس فيها الوحدة التعبيرية، والالفاظ الهادئة، وقوة الخيال، وصدق العاطفة، والرؤية الواضحة، والروح الثورية التقدمية المتمردة الوثابة، والنظرة الحادة الهادئة للامور والاشياء، والحس الوطني اللاهب الجميل المرصع بروحه المرهفة وسمو اخلاقه . انها قصائد تفيض بالالم والوجع الانساني وجراحات الوطن الفلسطيني وقضايا الانسان في كل مكان.
سليم مخولي صال وجال في جميع ميادين وفنون الشعر، فابدع وأجاد، وكان بشعره ناقداً اجتماعياً وسياسياً وانسانياً، ومثالاً في نزاهة الموقف وشجاعة الرأي، واحد ابرز من ساروا في طريق الذود عن العقلانية والحداثة والنهضة، والدفاع عن حرية الآخرين. حظي بالاحترام والتقدير، واحتل الافئدة والقلوب وعالجها، ونال مكانة لائقة ومساحة كبيرة عل صدر خريطة الثقافة والابداع الفلسطيني، ومات شامخاً ابياً ونظيفاً وواقفاً كاشجار زيتون البروة والجليل. فوداعاً يا ابا حبيب، وعزاؤنا انك تركت سيرة مشرفة ومضيئة، وقدمت الكثير لبلدك ومجتمعك ووطنك، ولحركة الادب، وابقيت ارثاً ادبياً وشعرياً ستحفظه الاجيال الفلسطينية القادمة.