أحلام طفل غزّاوي ..
يوسف جمّال - عرعرة
تاريخ النشر: 06/04/23 | 18:57عندما تهاجمنا الطائرات
أحمي عظامي بلحافي القديم
في ظلمات ليلاتي
وقميصي المرقَّع في نهاراتي
أمدُّ يداي لأمسك بالطائرات
عندما أسمع دويّ المتفجِّرات
فتنجح دائماً في الإفلات
وتترك لي يديَّ عاجزات
***********
فأعود الى أحلامي ..
أهرب إليها
وأحياناً أخفيها في أحضاني
كي أحميها من قصف الطائرات
قالت أمي : يا بنيَّ
إن الأحلام لا تموت فإن مات صاحبها
تستوطن قلوب المجاهدات
ونوّار اللّوز
وأحضان الأمهات
***********
عندما تقصف الطائرات بيتاً من بيوت حارتنا
أشعر أنه بيتنا
أهرب من ركامه الكئيب
بعيداً عن قصف الطائرات
أبني في أحلامي بيتاً جميلاً
له نوافذ وأبواب
تدخله الشمس من كلِّ الجهات
تملأه الأشجار الخضراء
والزهور الحمراء
*********
عندما تقصف الطائرات حارتي ..
أطير مع العصافير
وأحطُّ على غصون الشجر
وأشارك الحسون تغريده
وهو يبني له بيتاً من قشِّ البيدر
وانتظر وشوشات فراخه
تؤنس ظلام الليل
ولكنها تغوص في سكوت كئيب
عندما تعود الطائرات
لتقصف الشجر
***************
عندما تعود الطائرات الى سما حيِّنا
أحلم أني أركب بساط الريح
وأعتلي عنان السماء
أجاور النجوم
ونور القمر
وأبني لي بيتاً من زرقة السماء
وسريراً من نتف الغيوم
وأنام هناك في حضن الأحلام
وسرعان ما تأتي الطائرات
فتحوِّل بيتي الى ركام
**********
عندما تعود الطائرات لتقصف حيِّنا
أركب على المراجيح
وأحثها على الطيران
حتى تعلو .. عالياً .. عالياً
الى الأفق
لأتَّحد مع دمدمات الغسق
وأبني لي هناك بيتاً من شمس الأصيل
وأنام هناك ليليَّ الطويل
حتى يطلع الفجر
وتبتعد الطائرات
**************
عندما تعود الطائرات لتقصف حيِّنا
أطير مع الفراش هارباً
أتنقَّل من زهر الى زهر
خفيفاً لا أترك أثر
وأنصت الى همس وشوشات حكاياتي
الذي يتحدُّ مع خيمة السِّكون
ونسمات الهواء الخجول
فترتاح نفسي
وتنتعش من الذبول
**********
و عندما يصمُّ أذاني
أزيز الطائرات القاصفة
تجتاحني صور بلال
يتقلّب على رمضات الرمال
وهو يصيح : أحد .. أحد
فألحق به الى الجِنان
الى أشجارها الوارفة الظلال
وأغرق هناك في دلال
******************
و عندما يعمي عينيَّ الركام
أهرب الى الأحلام
باحثاً عن فارس ينزل من بين الغمام
فيعيد بناء الركام
ويعيد الى بلدنا الوئام
ويدخل الى قلوبنا السلام
***********
ولكنَّ أزيز الطائرات
دائما يوقظني من حلمي
و يعيدني إلى سراب وهمي
حاملاً أثقال همّي
وخراب يأجج غمّي
وخوف ينهش دمّي
************