حطين وسيرين والذاكرة المتجددة
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 09/04/23 | 19:09عن دار الأسوار في عكّا صدرت مؤخّرا قصّتان للفتيات والفتيان في كتاب يحمل عنوان” مواويل الحنين في عيون حطّين وسيرين”، للأديبة الفلسطينيّة د. روز اليوسف شعبان، ويقع الكتاب الذي احتوى على تسع صورٍ للمكان من تصوير رقيّة صبّاح ومهنّد متولي في 33 صفحة من الحجم المتوسّط.
الكاتبة: د. روز اليوسف شعبان مربيّة وكاتبة من قرية طرعان في الجليل الفلسطيني.
حاصلة على اللقب الثاني في التربية من جامعة حيفا سنة 2005
وعلى لقب الدكتوراة في اللغة العربيّة سنة 2019، من جامعة تل أبيب. موضوع الرسالة: “المنفى والاغتراب في روايات غالب هلسا”. إرشاد وتوجيه بروفيسور غنايم.
صدر لها في ( آذار 2020) ديوانها الأوّل أحلام السنابل عن دار الوسط اليوم للإعلام والنشر رام الله.
كما صدرت لها خمس قصص للأطفال: أربع قصص عن أ. دار الهدى للطباعة والنشر 2021: “أزهار البنفسج”.”مفتاح جدّتي”، برتقال يافا ، وحذاء ريتا (2021) . أما القصّة الخامسة” عيد الأطفال” فأصدرتها جمعيّة بدايات عام 2021.
صدر ديوانها الثاني أشواق تشرين 2021 عن أ. دار الهدى عبد زحالقة
صدر كتاب رسائل بينيها وبين الشاعر الفلسطيني المغترب عمر صبري كتمتو أسمياه ” وطن على شراع الذاكرة” عن مؤسسة دار الأسوار العكيّة لصاحبيها يعقوب وحنان حجازي 2022.، وقصّة للأطفال” عودة شيماء” 2023 عن دار الهدى عبد زحالقة.
حطين: قرية فلسطينة تقع على بعد 8 كيلومتر شمال غرب مدينة طبريّا، اشتهرت بالمعركة الفاصلة بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي والفرنجة، في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187م وانتصر فيها المسلمون وتمّ تحري القدس من الغزاة الفرنجة، تمّ احتلال القرية وقتل وتهجير أهلها في نكبة الشّعب الفلسطينيّ الأولى عام 1948م.
سيرين: قرية فلسطينيّة مهجّرة تقع في أقصى شمال مدينة بيسان، وهي أيضا من البلدات الفلسطينيّة التي احتلت أيضا في النّكبة الأولى وتمّ قتل وتهجير أهلها.
بعد أن قرأت القصّتين، وجدت الكاتبة التي تعاني ويلات النّكبة الفلسطينيّة مع أنّها ولدت بعدها بسنوات، وكأنّي بها تردّ على المقولة الصّهيونيّة، التي ردّدتها جولدة مائير رئيسة الحكومة الإسرائيليّة الرّاحلة عن الفلسطينيّين بأنّ” بأنّ الكبار سيموتون والصّغار سينسون”! فماجد وسيرين، هما من أحفاد من قتلوا وشرّدوا في النكبة، الأوّل من حطّين والثّانية من سيرين، وتفخر بأنّها تحمل اسم قريتها التي شُرّد منها أباؤها وأجدادها. ويعود كلّ منهما إلى قريته المدمّرة والمشرّد أهلها مع من هم أكبر منهم سنّا، ليتعرّف على معالم قريته، فيقف ملتاعا على أطلالها، وليقف على ينبوع الماء الذي شرب منه الأجداد. وليسمع من الكبار ما شاهدوه وما عانوه في النّكبة. لتنغرس في ذاكرته، وكأنّه يعيش الحدث، حتّى أنّ ماجد يحلم بحطين وبمعركتها التي قادها صلاح الدّين الأيّوبيّ.
وإذا كان الحفيدان ماجد وسيرين محظوظين لأنّهما ولدا في وطنهم، وعاشا في كنف آباء وأجداد مهجّرين في الوطن، واستطاعا زيارة مسقط رأس الآباء والأجداد رغم ما يصاحب ذلك من حسرة ولوعة، فإنّ من تشتّتوا من أقرانهم في أصقاع الأرض يقتلهم هم الآخرون الحنين إلى ديارهم وأرضهم ووطنهم الذي لا وطن لهم سواه،” فالوطن يبقى متجذّرًا في قلوبهم وذاكرتهم؛ يبحثون عنه في الصّور والذّكريات، في وسائل التّواصل الاجتماعيّ المختلفة، فتنبعث مواويل الحنين لتستعيد الذّكريات الجميلة والحزينة، لحظات الفرح ومواسم الزيتون، والتقاء الصّبايا في عين الماء لملء الجرار، ومواويل أخرى حزينة تبكي الأحبّة والأهل الذين تشردّوا في بلاد الغربة. وتبقى عيون الماء رمزا للبقاء والعطاء والأمل والحياة.”
ويلاحظ ورود بعض الأكلات الشّعبيّة الفلسطينيّة مثل ملفوف ورق الدّوالي والمفتول ومحاشي الكوسا، وهي جزء من هويّة الوطن أرضا وشعبا.
كما أنّ مواليل الحنين والحسرة واللوعة المتوارثة تأكيد متوارث بأنّه إذا مات الكبار فإنّ الصّغار لن ينسوا” و”الذي في القلب…في القلب ومن جيل لجيل”.
وتشكّل هاتان القصّتان إحياء لذاكرة لن يمحوها تقادم الزّمن، ولا بدّ لهذا الليل من آخر.
اللغة والأسلوب: استعملت الكاتبة أسلوبا انسيابيّا جاذبا في سردها لأحداث القصّتين، وهذا ما أكسب القصّتين تشويقا ليتابع أحداثهما رغم مرارة المضمون، ولغة القصّتين فصيحة سليمة، تخلّلتها مواويل شعبيّة باللهجة المحكيّة جاءت في مكانها الصّحيح.
التّكنولوجيا الحديثة: ورد في القصّتان تبادل للرّسائل الإلكترونيّة بين من بقوا في الوطن، وبين من شرّدوا منه، وهذا تواصل عن بعد لتبقى الذّاكرة حيّة.