متنفَّس عبرَ القضبان (79)
حسن عبادي/ حيفا
تاريخ النشر: 23/05/23 | 11:02بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الكاتب أبو علاء منصور: “فجأة تساءلت: فكرك بجددوه؟ وأصعب ما في الأمر الكل بحفر للكل…. كلام قاسي ينبع من الألم. الحرية لرغد ورفيقاتها ورفاقها… الحرية حلم كل أسير وأسيرة يا صديقي العزيز. أحياناً يكون السجن سجنتين وربما أكثر. كان الله في عون الأسرى وذويهم، اللي بدري بدري.”
وعقّبت الأسيرة المحررة سلام عبد الله أبو شرار: “يا إلهي يا ميسون! اشتقت للدغتها وهي تنطق حرف الراء، ولخفة ظلها وهي تبتكر مصطلحات جديدة، للشاي والنس كافيه من بين يديها، ولسخريتها مني حين لم ألتقط مهارتها في صنع الشاي!
اشتقت لها وهي تصلي بنا جماعة، ولتقاسمها المشي السريع مع روان في الفورة الأخيرة، وتندرها على بلاهة السجانة “لينوي” وقدرتها الاستثنائية على تلبيق ألقاب ساخرة من السجانين وضباط العدد!
أثرت شجني يا أستاذ حسن” …
أما الروائي المقدسيّ محمود شقير فعقّب: “الحرية لمرح ولكل الأسيرات والأسرى. شكرا لك عزيزي حسن على جهودك المثابرة.”
“فِكرك بجدّدوه؟”
التقيت عصر الاثنين 24 نيسان 2023 في سجن الدامون بأعالي الكرمل السليب بالأسيرة رغد نشأت صلاح الفني (مواليد 1998 ومعتقلة منذ 28.10.2022)، مباشرة بعد عيد الفطر.
حدّثتني عن وضع الأسيرات بعد التصعيد الأخير والخطوات الاحتجاجيّة، وزميلة الزنزانة فاطمة بدر، والحالات النفسيّة في الدامون، وعلاج السجّان للاكتئاب الحاد هو في الغالب عزل الأسيرة. هناك ضرورة ملحّة لمعالجة هذا الملف الشائك.
تمر الحركة الأسيرة بأسوأ مرحلة، لا أبطال ولا بطولات في السجن، وأصعب ما في الأمر “الكل بيحفر للكل”.
حدّثتني عن أهميّة التواصل مع العالم الخارجي، ولقائي بها هو الأوّل بعد زيارتي السابقة لها، على حدّ قولها.
الاعتقال الإداري جريمة، عقاب دون محاكمة، دون لائحة اتهام وبدون حسم قضائي، و”بُعبُع” إمكانيّة تجديده يلوح في أفق كلّ معتقل إداري. فجأة تساءلت: “فِكرك بجدّدوه؟”.
سألتني عن موقع حنظلة وآخر تجديداته وتحديثاته.
يضايقها إهمال ملف الأسرى وتسألني: “الصبايا بسألوا إذا في صفقة قريبة؟” ويبقى السؤال مفتوحاً.
” فيليت”
بعد لقائي برغد أطلّت عليّ الأسيرة ميسون موسى محمود الجبالي (عميدة الأسيرات في سجون الاحتلال، معتقلة منذ يوم 29.06.2015) صافحتني في ساحة السجن، للمرّة الأولى أصافح أسيراً/ أسيرة، معايِدةً عليّ باسمها وباسم زميلات الأسر.
حدّثتني بدايةً عن الجو الرمضاني في الدامون وياسمين المسحراتيّة، عن مراسيم العيد، مقلوبة بلحمة، وكنافة، من صنع مرح، ولمّة حلوة.
حتلنتني مجدّداً ومطوّلًا عن مطلب الأسيرات بالنسبة لمعالجة الحالات النفسيّة، صار الأمر ملِحاً. وضرورة تصليح خلل التليفونات العموميّة (يبدو مقصوداً).
حدّثتني عن آخر قراءاتها؛ رواية “فيليت ” لشارلوت برونتي، وبطلتها لوسي التي غادرت إنجلترا بعد تعرض العائلة لكارثة، لتستقر في مدينة فرنسية خيالية وتشتغل معلّمة في مدرسة للبنات، تغامر وتحب.
تعبت ميسون من عمادة الأسيرات، وشمس الحريّة تتوق لعناقها.
“بدأ العدّ التنازلي”
بعد لقائي برغد وميسون أطلّت الأسيرة المقدسيّة مرح جودة موسى بكير، تلك الطفلة التي اعتقلت يوم 12.10.2015 (مواليد 29.01.1999)، تتمختر، يرافقها سجّانان تتباحث معهما أمور الأسيرات، فهي ممثّلة القسم أمام الإدارة، تهتم بكلّ صغيرة وكبيرة في السجن.
تحدّثنا بداية عن أجواء العيد في الدامون والكنافة التي أعدّتها (وعدتني المشاركة في كتاب الطبيخ خلف القضبان الذي نعمل على إصداره)، عن برنامج عمالقة الصبر واستعداد الصديق الإعلاميّ سامر تيّم استضافة أهالي كافّة الأسيرات في بيوتهن وتخصيص حلقة لكلّ أسيرة على حدة، مطالب الأسيرات عشيّة تغيير الإدارة، وخاصّة المطالبة بطبيبة نسائية وطبيبة نفسيّة وأمور أخرى.
حتلنتها بالتحيّة التي أوصلتها باسمها وزميلات الأسر في حفل إطلاق وتوقيع “سر السيف” للأسير وليد دقة في عمان، وكذلك الأمر حفل إطلاق وتوقيع “رنين القيد” للأسير عنان الشلبي في إربد، وأعلمتني أنها انبسطت حين أعلموها بذلك.
فجأة قالت لي: بدأ العد التنازلي، هاي سنتي الأخيرة، وحدّثتني بحُرقة عن الحكم المرتقب للطفلة الأسيرة نفوذ حماد (بنت السادسة عشرة)، يعيد أمام عينيها سيناريو اعتقالها ومحاكمتها وطفولتها السليبة.
كبُرت مرح خلف القضبان ولم تعُد تلك الطفلة، وهي في طريقها لتصير يوماً ما تشاء، شاء من شاء وأبى من أبى.
قلت لها حين افترقنا: “ما زلت عند وعدي، سنكتب “الميمعة” معاً.
لكُنّ عزيزاتي رغد وميسون ومرح كل التحايا، والحريّة القريبة لكُنّ ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا/ نيسان 2023