لقاء مع الفنان أسامة مصري عن التطوع والتبرع
حوار: ضرغام كنانة
تاريخ النشر: 03/06/23 | 19:15أفعال الإنسان تعكس أفكاره وليس العكس
*لم يكن لي مفاجئ ما فعله الفنان أسامة مصري بتبرعه المادي لدعم طلاب المسرح في المعاهد العليا، فقد عهدته دائمًا معطاءً وفي عدّة نواحي، لكن التطوع والتبرع يكادان يختفيان من مجتمعنا العربي، رغم أنّنا نشاهد أصحاب رؤوس الأموال من مجتمعات أخرى يقدمون الدعم دون مقابل للعديد من المشاريع الثقافية والفنية، وقلة قليلة من أمثالهم يقومون بذلك في مجتمعنا العربي. والحديث هنا ليس عن رأسمالي، فبطلنا هو مجرد فنان، آل على نفسه أن يخدم مجتمعه بكلّ الوسائل المتاحة، وإن كانت متواضعة في بعض الأحيان. وهذا حوار مقتضب معه لنبيّن مدى عطائه.
**كيف ترى العمل الداعم والتطوعي في مجتمعنا العربي؟
– بصراحة أسمع الكثير من التصريحات ولا أرى أفعال، ومنهم الكثير من المزايدون الذين يتشدقون بالشعارات الوطنية ولا يفعلون شيء للمجتمع، فأنا أعتقد أن أفعال الإنسان تعكس أفكاره وليس العكس، كما أرى أصحاب رؤوس المال العرب الذين يهتمون بزيادة أرباحهم، لا يلتفتون لشعبهم. أصبح عمري الآن 63 عامًا، وعشت مراحل جميلة لمجتمعنا، فقد تربيت في صفوف الشبيبة الشيوعية، في مرحلة كان التطوع أحد أسس هذه الشبيبة، وقد شاركت في العديد من مخيمات العمل التطوعية في الناصرة وأم الفحم وجديدة وغيرها، كنا نذهب وفود لتتطوع في بناء هذه المدن والقرى العربية، وفي حينها أسست فرقة “فتافيت السكر” للتمثيل الصامت، والتي قدمت جميع عروضها مجانيا في جميع أنحاء البلاد للمساهمة في دعم المناسبات الوطنية.
**بمناسبة ذكرى العروض الفنية المجانية، حدثنا عن مساهمتك في دعم طلاب الفنون كما سمعنا مؤخرا عن تقديمك منح لطلاب المسرح في المعاهد العليا؟
– في الحقيقة كنت أقوم بمساعدة أي طالب توجّه إليّ من تلك المعاهد، وخاصة في تقديم مشروعه النهائي للمعهد، كأن أقوم بالمشاركة بالتمثيل مجانًا في أعمالهم السينمائية أو المسرحية مثلا، المزمع تقديمها لنيل شهادة الانهاء، أذكر من الطلاب العرب كل من: علاء حليحل، حنا شماس، عنان بركات، شادي سرور وآخرون، وأيضًا طلاب غير عرب، وجميعهم حصلوا على درجات عالية في الامتحانات، ومنهم من حصل على جوائز مادية.
**كيف كانت ردود فعل هؤلاء الطلاب على ما تفعله؟
– في الحقيقة، لم انتظر أي رد فعل من أحد، لكن الجميع كان يشكرني بحرارة في تلك اللحظات، والبعض تجرأ وسألني لماذا أقوم بذلك، فكنت أجيب ساخرًا: من المحتمل بعد تخرّجك ستصبح مخرجًا معروفًا، وستنفّذ العديد من الأفلام، وحتما ستتذكرني وتعطيني أحد الأدوار في أفلامك.
**وهل حصل ذلك بالفعل؟
– أبدًا لم يحصل، الجميع تنكر لي بعد ذلك، وحتى لا أظلم أحد، كان المخرج شادي سرور، هو الوحيد الذي توجه لي للعمل معه في أفلامه، لكن ظروفي لم تسمح بذلك.
**كما أعلم، أنك كنت الداعم لجميع الفنانين الفلسطينيين إعلاميا، فكيف كان ذلك؟
– عند ذهابي إلى القاهرة لدراسة فن كتابة السيناريو هناك، طلبت من مكان عملي (جريدة “الاتحاد”) أن أعمل مراسلا صحفيًا للجريدة من القاهرة، ولكي أكون بمنأى عن أي ملاحقة، اخترت وبإيعاز من الفنان الفلسطيني غسان مطر، أن أتخصص بالأخبار والتقارير الفنية. والحقيقة تعلمت الكثير من الصحافة المصرية بالإضافة للخبرة التي اكتسبتها من جريدة “الاتحاد” خلال 7 سنوات مضت… وعند عودتي من الدراسة، طلبت من هيئة التحرير أن أكون المحرر الفني للجريدة، وكان ذلك عام 1991، ومنذ ذلك الحين، أخذت على عاتقي أن أكتب عن كل فنان وعمل فني فلسطيني في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، وهكذا كان، حتى أن البعض اعترف لي بأن مسار حياته الفنية تغيرت بعد الكتابة عنه، أذكر على سبيل المثال الفنان ألفرد حجار. وبعد أن أنهيت عملي في الجريدة الذي طالت مدته لعشرين عاما، عملت على تأسيس وكالة أنباء، أسميتها “وكالة تفانين للثقافة والفن الفلسطيني” أي أنها كانت متخصصة بمجال الأبداع الفلسطيني فقط، وقد ساعد كل ما فعلته في دعم الكثير من مبدعينا الفلسطينيين.
**وهل المهرجانات التي أسّستها كانت في إطار ذلك الدعم؟
– بالطبع، فمهرجان “مسرحيد” مثلا، الذي انطلق عام 1992 في مدينة حيفا، لمدّة عامين، وبعدها أنتقل في عام 2001 إلى مدينة عكا وما زال إلى يومنا هذا وهو آخذ بالتوسع، هذا المهرجان وفّر العمل لمئات الفنانين والفنيين في مجال المسرح وغير المسرح، ومنذ أن انطلق، دأبت أن أكثف الناحية الإعلامية على المشتركين فيه، وكانت الاستفادة مزدوجة. ولا أنسى مهرجان “سواليف” الذي احتفل مؤخرًا بعامه الـ 12 في طمرة، وهو مهرجان للقصاصين العرب، وأيضا مهرجان “الضاحكون قادمون” في قرية عسفيا.
**ماذا عن المسارح العربية؟
– عملت كناطق إعلامي للعديد من المسارح وبأجرة زهيدة، كنت استمتع في ذلك العمل، دون النظر إلى الجانب المادي، كما أنني كنت أتبرّع بعروض مجانية لبعض المسارح بهدف دعمها ماديًا، على سبيل المثال مسرح “اللجون” الذي قام بافتتاحه الفنان غسان عباس، ثلاثة مرّات، في أم الفحم، ثم في الناصرة، ثمّ في وادي عارة. قدمت عروض مجانية في كل مرّة.
**ذكرت في بداية حديثك عن المزايدين الذين يتشدقون بالشعارات الوطنية، هل تقصد أناس معينون أم بشكل عام؟
– بصراحة أقصد أشخاص معينون وأعرفهم جيّدًا، ولا أريد أن أخوض بالأسماء، لكن هؤلاء يدعون لمقاطعة المؤسسات الرسمية في البلاد، وهم أنفسهم يعملون فيها بالخفاء، ويطلقون الأحكام على بعض المبدعين بأنهم مطبّعون مع اليهود، وهم يعملون معهم بالخفاء… سأروي لك ما حصل بيني وبين مراسلة صحيفة “هآرتس” العربية التي أجرت معي لقاء قبل أيام: سألتني عن هؤلاء الأشخاص باستحياء، فأجبتها بأنها وطنية أكثر منهم جميعًا، وعندما استغربت الأمر، أوضحت لها، بأن ما تقوم به من تقارير ولقاءات للإلقاء الضوء على المبدعين العرب الفلسطينيين في الداخل، أمام الجمهور اليهودي، الذي لا يعرف عنا غير الفلافل والحمص، والذي يحمل أفكار مسبّقة عنا، لهو عمل وطني من الدرجة الأولى. وأنا أقول، ليس مهم أين مكان تواجدك، المهم كيف تتصرف في ذلك المكان، فعندما عملت في التلفزيون كنت أول من أدخل أشعار أحمد فؤاد نجم هناك. وعندما أدرت شهر الثقافة العربية التابع لبيت الكرمة، أقمت أمسيات فنية وطنية ومن ضمنها أمسية لأغاني الشيخ إمام وزياد الرحباني، التي قدمها الفنان الراحل ألبير مرعب، وفي حينه رفض أحد المزايدين الاشتراك في تلك الأمسية بحجة أنها تابعة لبيت الكرمة الذي يتبع مؤسسات الدولة.