عبثية القيادة والرهان على ذاكرة المجتمع القصيرة
بقلم: المحامي يحيى دهامشة
تاريخ النشر: 07/06/23 | 6:20في خريف عام 2020، أي قبل عامين ونصف تقريبًا، دخل مجتمعنا العربي في معترك سياسيّ جديد، والسبب كان دعوة النائب د. منصور عباس كرئيس للجنة مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، لرئيس الحكومة في حينه بنيامين نتانياهو، لحضور جلسة اللجنة في الكنيست.
كانت هذه الدعوة فاتحةً لحرب طاحنة في مجتمعنا العربي، حيث شنّت أحزاب المشتركة الثلاثية، وبالأساس الجبهة والتجمع، حربًا ضدّ د. منصور عباس والموحدة. وبدأ طرح الأسئلة: لماذا يفعل منصور عباس ذلك؟ ما هي الصفقات التي تجمع الليكود بالموحدة؟ ما هي المقايضات التي تقوم بها الموحدة مع الحكومة؟ وبعد طرح التساؤلات، جاءت مرحلة توصيف الحالة- حيث أن قيام رئيس حكومة بقبول دعوة لرئيس لجنة في الكنيست ليس بالأمر الشائع-: نتنياهو يستغل منصور عباس؛ نتنياهو خان كل حلفائه اليهود ولن يتورّع عن استغلال العرب أيضًا وسيستغل الموحدة ومنصور. طبعًا كان من السهل ترويج هذه الأفكار في حينه بعد أن كان لبّ الحملات الانتخابية السابقة مبنيًّا على فكرة “إسقاط نتنياهو”.
وجاء نتنياهو للجنة مكافحة الجريمة والعنف، وطولب بأن يتبنّى الخطة التي وضعتها اللجنة، ورغم كل ذلك، لم تفعل حكومته سوى القليل من أجل ذلك، وذهبنا إلى انتخابات تمّ استبعاد الموحدة فيها من المشتركة، فعادت الموحدة بعد الانتخابات، بعد أن راهنت أحزاب المشتركة على سقوطها، وفشل الرهان. ودخلت الموحدة إلى الائتلاف الحكومي الذي شكّله بينت ولبيد في إطار حكومة التغيير، وثبت سوء تقدير أحزاب المشتركة في الترويج لتبعية الموحدة لنتنياهو بعد أن تمّ إرساله وحزبه إلى المعارضة (المعارضة التي عملت بتنسيق تام ورائع وناجع بين نتنياهو وبن غفير وسموترتش وأيمن عودة وسامي أبو شحادة وأحمد الطيبي وأدّت في مرحلة معينة وبعد نجاح مساعيها كمعارضة إلى إسقاط الحكومة السابقة).
ما الفرق بين الأمس واليوم؟
عندما استجاب نتنياهو بالأمس لدعوة لجنة مكافحة الجريمة والعنف، كان ائتلافه مهزوزًا ضعيفًا (وبالفعل، فالانتخابات جاءت بعد ذلك بأقلّ من نصف عام)، وكان في خضمّ محاولاته لإيجاد طريق يخرج بها من أزماته، وفكّر في أن تكون المشتركة (مشتركة الـ15) وسيلة تعينه في الاستمرار، فبدأ الرجل حملته في التقرّب من العرب وروّج كنيته الشهيرة في حينه “أبو يائير”، عندها كان نتنياهو بحاجة لنا كقوة سياسية مؤثرة، لكننا رفضنا أن نكون قوة سياسية مؤثرة، وأصرّت أحزاب المشتركة أن تبقى مجرد عدد- 15، وآثرت شنّ حربِ تشويه وتضليل ضد منصور عباس واتهامه بالخيانة والخروج عن الصف الوطني. ويعود اليوم نفس نتنياهو وهو بحكومة قوية بـ64 نائبًا، بعد شهور لم يفعل فيها شيئًا من أجل المجتمع العربي، بل ترك الأمور تزداد سوءًا، ليقول للنواب العرب: “تعالوا إليّ واجلسوا معي في مكتبي”، فما بال من اتهم الموحدة بالخيانة والتعاون مع نتنياهو يهرول اليوم لجلسة نعلم أنّها مجرد استهلاك إعلامي لا أكثر؟! ما الذي تغيّر بين نتنياهو الأمس ونتنياهو اليوم عند هذه القيادات؟!
من أجل مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي اليوم نحن لسنا بحاجة لجلسات في مكتب نتنياهو، لقد تجاوزنا هذه المرحلة. نحن في مرحلة ما بعد تشكيل اللجان ووضع الخطط. وبعد أن تم اتخاذ قرارات حكومية بخصوص الموضوع؛ خطة مكافحة العنف في القرار الحكومي 549 وخطة “تقدّم” 550 التي أقرّتها حكومة التغيير “حكومة منصور عباس والموحدة”، والتي وُضِعَتْ على الرفّ وأُهملت منذ عودة نتنياهو بمساعدة قيادات المشتركة إلى سدة الحكم، وتمّ بتهميشها عمدًا، فما الحاجة اليوم لهذه اللقاءات في مكتبه؟!
ما لم تفهمه هذه القيادات إلى اليوم
نتنياهو غير معنيّ بمعالجة الجريمة والعنف في المجتمع العربي. وحتى قبل عامين ونصف نتنياهو لم يكن معنيًّا بمعالجة موضوع الجريمة والعنف في المجتمع العربي. كما أن بينت ولبيد لا يعنيهم موضوع معالجة العنف في المجتمع العربي. ولن يُخلق في إسرائيل رئيس حكومة عنده إرادة مكافحة الجريمة في المجتمع العربي. إنّ ما يجعل حكومات إسرائيل تعالج موضوع العنف أو تضعه على سلم أولوياتها، هو ارتباط مصيرها بأحزاب عربية وقوى سياسية عربية، كما فعلت الموحدة تمامًا من خلال وجودها في الائتلاف. هكذا تُدار الأمور. ليس هناك أي محفز لأي رئيس حكومة في هذه الدولة، أن يأتي ويخدم مجتمعًا معيّنًا، وتحديدًا مجتمعنا العربي، وأن يبدأ بتفعيل الخطط والقرارات بخصوصه. بل هناك قوى ومحفزات تجبر الحكومات على وضع أمور معينة على سلم أولوياتها.
نتنياهو ليس بحاجة اليوم لا لأحمد الطيبي ولا لأيمن عودة، اللهمّ إلا لكي يستعمل هذه الجلسة للمساهمة في تعزيز وضع الليكود في الشارع اليهودي بعد تفوّق غانتس عليه في الاستطلاعات على ضوء الاحتجاجات الشعبية. والرجل يبحث عن مواقف يظهر فيها بمظهر الرئيس الرسمي الحريص على المصلحة العامة. هذه هي كل الحكاية، التي قد تظهر لكم بعد أول استطلاع رأي يأتي بعد الجلسة. وبغض النظر عن ذلك، ستثبت الأيام لمجتمعنا العربي بأنّ هذه الجلسة لم تغير شيئًا في واقعه، ولا في سلوك هذه الحكومة من أجل مكافحة العنف.
أما بخصوص القيادات العربية التي هرولت إليه في هذه المسرحية الهزلية، فقد أثبتت لمجتمعها لا أنها تلعب في الوقت الضائع فحسب، بل أنها تعتزم اللعب بعد انتهاء اللعبة أصلًا!.