“قلب مُصاب بالحكمة”
حسن عبادي-مخيم بلاطة/ حيفا
تاريخ النشر: 13/06/23 | 8:05على هامش حفل إشهار ديوان الشعر “خلل طفيف في السفرجل” للشاعر الأسير أحمد عارضة، تزامناً مع إحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، في مركز يافا الثقافي/ مخيم بلاطة وذلك يوم السبت 20.05.2023 أهداني الشاعر لطفي مسلم نسخة من باكورة إصداراته “قلب مُصاب بالحكمة” (شعر، 124 صفحة، دار ببلومانيا للنشر والتوزيع -مصر).
نحن بصدد مجموعة شعريّة تناولت مواضيع متعدّدة، منها الخاص ومنها العام، منها تجارب حياتيّة ومنها الوعظيّة، منها المعيشيّة ومنها المثاليّة الطوباويّة، تميّزها اللغة الجميلة الانسيابيّة.
ومنها موعظته إلى قارئته الجميلة:
“فلا تتعجلي باليأس لما
يضيق عليك في الأضلاع قلب
وخوضي الحرب معركة فأخرى
فإن حياتنا بالأصل حرب
ولا تستسلمي لشتاء حزن
ستأتي الشمس حين تزول سحب
فإن تحقق الأحلام يأتي
مع الأيام إن الحلم رحب”.
افتتح مجموعته الشعريّة بقصيدة “جِراح أمَّة”؛ ضريبة للوطن وليعلن هويّته وانتمائه على الملأ، وضياع القدس وأقصاها وخيانة وصيّة الأندلس ليتساءل: هل تستحق القدس من ينساها؟
جاء الديوان موجّهاً ووعظوياً ابتداءً من عنوانه الموجِّه؛ وتساءلت بيني وبيني: ما هو الموروث الحكمي عند الشاعر ليشاركنا به؟ وما هي تجربته الحياتيّة التي اكتسبها؟ وهل ما سنقرأه بين دفتّي الديوان خلاصة دراسة بحثيّة أو تجربة حياتيّة عاشها بطولها وعرضها؟ أم هي نصائح وإرشادات وتعليمات مُريد لتلاميذه؟
تحوي المجموعة الشعريّة 63 قصيدة، متبّلة بأقوال وحكم من سبقوه من الحكماء والشعراء، ركيزة لشعره، فالحكم والمواعظ والنصائح والوصايا تتخلل غالبية القصائد؛ من ذلك قوله في قصيدة “كُن إنسانا”:
“طغت الحروب على القلوب زَمانا
فاجعل بقلبكَ للسلام مكانا
كن أنت ذاك النور في نفقٍ فقد
طال الظلام به ووقتك حانا
إن لم تُضئه فمن إذن سيضيئه
الخير لا تفقد بهِ الإيمانا
وكن البصيرَ إذا الجميع عيونهم
قد أُغمضت أو قد غَدوا عميانا”
وقصيدة “قناص المحبة”، “كنزُ القناعة”، “قِنديل العفو”، “البِئرُ الفارغ”، “صِدقُ وكذب”، “حكمة المصباح”.
وكذلك الوصايا؛ “وصيّة الأرض”، “أحبِب ولكن”، “أمك”:
“إذا ضاقت عليك وزاد همُك
ولم تعثُر على لبٍ يضُمك
فلازِم قُربَها واطلب رِضاها
وفي الظُلمات سوف يُضيء نَجمُك”
وقصيدة “احترام”، “التسامح”، “حبُّ الأب”، “أدب الفراق”، “الخلق زينة”، “أذية الناس”، “صفوة الخصال”. ويتوّجها بقصيدة “النصيحة”. كثير هيك يا لطفي. خلّي شويّة للديوان القادم!
لشاعرنا موقف واضح وصريح ممّا يدور حوله من ظواهر اجتماعيّة سلبيّة، كاستغلال الدين مثلًا كشمّاعة لتلميع المنافقين والمراوغين وسماسرة الوطن ليتغطّوا بعباءته فيقول في قصيدته “تُجّار الدّين”:
” بعض الأنام بدينه هو تاجرٌ
فاحذر من التُجار بالأديان
الدين دينُ الله أنزله لنا
فالدين فيه سعادة الإنسان
لم يعطه أحدٌ ليزعم أنّه
يعطي صكوك العفو والغفران
هو واضحٌ للناس فاحذَر مدعٍ
أن التدين باتباع فلان
خلطُ الديانة بالسّياسة لعبةٌ
ممزوجةٌ بحبائلِ الشيطان”.
وظاهرة النفاق والفساد والمغيبة والغدر؛ قصيدة “طعنةٌ في الظهر”، “أهل الغيبة”.
تفرّغ لطفي قليلاً من الوعظ والفقه ليصوّر ما يصول ويجول في مخيّلة مجايليه؛ ويتجرّأ على الغزل (الغزل والتغزّل مش عيب يا لطفي، اسأل أستاذك الشاعر فراس حج محمد اللي كان مفروض يكون معنا اليوم) في قصيدته الجميلة “حُب النساء”:
“حُبَّ النساء على القلوب مقدّر
مَن ذا الذي بالحُسن قد لا يُبهرُ
فاختر من البُستان أجمل زهرةٍ
لك زوجةً مِنها تُسرُّ فتنظرُ”
وكان لا بد من أشعار موسميّة/ شعاراتيّة/ منبريّة؛ مثل قصيدة “إلى شاعرة فلسطين فدوى طوقان في مئويتها”، “في المولد النبوي”، “صباح شيرين الحزين”، “زيارة عكا” (قصيدة رائعة، تاريخ وكلّ فلسطيني ووطن سليب وعودة مشتهاة)، وقصيدة “ألم الخيام” (من أجمل وأبلغ قصائد المجموعة في نظري)، و”غزّة… العِزّة”، وتوّجها بقصيدته “أسرى الحرية” – حدث مفصليّ تفاعل معه الجميع وتماهى فقال:
“عبثا تحاول أيها السجانُ
لا القيد يوقفنا ولا الجدرانُ
سنطل من تحت التراب كتائباً
وسيهزمُ المحتل والطغيان
ابنِ السجون كما تشاء منيعةً
فأمام حقٍ يهزم البنيانُ
فإذا ظننت بأن قيدك دائمٌ
فانظر فها قد جاءك البرهان
ما فَرقتهم رايةٌ وروايةٌ
عند الهروب فكلهم إخوانُ
نفق “بجلبوع” محالٌ حفرهُ
لكنه الإصرار والإيمان”
راقت لي روح عشق الوطن عند لطفي وجيل الشباب الواعد، من تولّد بعد النكبة والنكسة وما زال يحلم بعودة قادمة لا محالة للوطن السليب، لأرض الآباء والأجداد، فحقّ العودة لا يموت بالتقادم، ولا يضيع جق وراءه مطالب، حلم العودة يورثه الأجداد والآباء للأبناء، في المنافي والشتات وكلّ مكان، وها هو لطفي يتغنّى به في رائعته “مفاتيحُ العودة”:
“كلُ الطيور لعِشها ستعودُ
يوماً فأبشر أيها المطرودُ
ما زال بيتك بانتظارك عندما
ستزول عن هذي الزنود قيود
طال انتظارُ الغيث لكنّي أرى
غيماً وفيه تفاؤلٌ ووعودُ
فستمطر الدنيا المفاتيح التي
قد خبأتها للبيوتِ جدود”
تدلّ لغة النصوص على كاتب متمرّس ومتمكّن من اللغة، ولكنها لغة مختزلة جافة ومباشرة تفتقر الى الإحساس الصادق، تشكو من التكلّس والمعدنيّة والجفاف أحياناً، لأنّ قيود من سبقوه تكبّله ونصيحتي للطفي: تحرّر فأنت قادر على التحليق في سماء الإبداع دونهم وبعيداً عنهم، خذهم مطيّةً لا غير، فلديك الكثير الكثير لما تقوله.
أزعجني التصميم الغرافي الغائب عن صفحات الكتاب، ولوحة الغلاف البلاستيكيّة الباردة، ونصيحتي للطفي ولكافّة كتّابنا وناشرينا الاستعانة بفنّانينا المبدعين ليقرؤوا النصوص ويصمموا لوحة غلاف إبداعيّة تليق بالإصدار.
[*] مداخلتي في حفل إشهار الديوان يوم السبت 10.06.2023 في مركز يافا الثقافي/ مخيم بلاطة