جنين بين نارين…نار الاحتلال ونار السلطة
الإعلامي أحمد حازم
تاريخ النشر: 08/07/23 | 17:54المعروف عن الحكام الدكتاتوريين، أنهم يسبطرون على كل المؤسسات الرئيسية في الدولة للتفرد بإدارتها كما يشاؤون ولعدم ثقة هؤلاء بالغير. والحاكم الدكتاتوري لا يقبل أي انتقاد. وإن تجرأ أحد على فعل ذلك فالسجن هو المصير الذي يودي في كثير من الأحيان الى الموت بشتى الوسائل.
مدين جنين الفلسطينية الهوية، والمقاومة الشرسة للاحتلال وصفاً، هي احدى مدن الضفة الغربية، التي حولوا اسمها إلى “السلطة الوطنية الفلسطينية” زوراً، لأن نظامها لا يعبر عن إرادة شعبها، ولا هي “وطنية” النهج.
جنين عزيزة على قلبي مثل كافة مدن فلسطين التاريخية، لكن جنين لها مكانة خاصة وأزورها باستمرار. وقبل عيد الاضحى المبارك بيومين، كنت متواجدا فيها مع صديقين. وخلال جلسة لنا في أحد مطاعم المدينة سألني مواطن من جنين عن تقييمي للوضع. فقلت له:” حسب تقديري سيوفر لكم جيش الاحتلال فرصة الاحتفال بالعيد، لكن بعد انتهاء أيام العيد سيقوم بعدوان همجي”. هكذا كانت نظرتي للوضع وهذا ما حصل بالفعل.
نتنياهو لم يعد يتحمل الضغوطات عليه من قادة اليمين ولم يعد يتحمل فشله في مواجهة المظاهرات ضده المستمرة منذ شهور، ولم يعد يتحمل عمليات المقاومة في جنين ونابلس، وكان لا بد من القيام بعملية عسكرية لإلهاء الجمهور الإسرائيلي بها بغض النظر عن نتائجها فلسطينيا واسرائيليا.
جنين تعرضت الاسبوع الماضي لعدوان همجي وظلت تنزف حوالي خمسين ساعة متواصلة. وحسب المعلومات حشدت حكومة نتنياهو أكثر من ألفَ جندي و30 طائرة مُسيَّرة وعددًا من الطائرات والدَّبَّابات والجرَّافات والعرَبات المُدرَّعة المُصفَّحة، ومع ذلك لَمْ تستطع دخول قلب المخيَّم، مما يعني أنَّ أبناء جنين وحدهم ورغم عدم التكافؤ الميداني سجلوا ملحمة تحرير لا ينساها لهم التاريخ. كل أنواع نيران جيش نتنياهو وغانتس، تم توجيهها ضد مخيم جنين، ورغم ذلك فالعملية العسكرية الهمجية فشلت باعتراف محللين إسرائيليين.
قد يتساءل البعض من أبناء الشعب العربي: أين دور السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية مما يجري؟ أليست جنين جزءأً من السلطة الفلسطينية؟ نعم سؤال مهم. والجواب بكل بساطة هو أن جنين جغرافيا تابعة للسلطة، لكنها سياسيا بعيدة عنها. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كثيرا ما أعلن انه ضد المقاومة، لكن جنين تؤمن بالمقاومة التي يصفها عباس بـ”حكي فاضي”. حتى أن سلوكيات بعض قادة فتح هبطت الى انحدار لا مثيل له، من خلال الطعن في أم الشهيد. فقد وصفها محافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان، ذات يوم بـِ “شاذّة ترسل ابنها للانتحار، وتظهر للآخرين أنها المناضلة”، فعلاً قمة الوقاحة.
وأخيراً…
في الأشهر الستة الأخيرة تعرضت جنين ومخيمها الصغير الى عشرين عدوانا إسرائيليا شاملا، لكن العدوان الأخير كان الأوسع والأشرس، ورغم ذلك فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها بالقضاء على مقاومة جنين، التي تستحق لقب عاصمة النضال الفلسطيني، علماً بأنها بين نارين، نار الاحتلال ونار السلطة.